بالإختلاف عن الحملات الانتخابية السابقة، التي اعتبرت ان تصويت الناخب العربي للأحزاب الصهيونية هو الطامة الكبرى، تتميز الحملة الانتخابية الحالية بمهاجمة تيار المقاطعة الوطنية، مستخدمين بذلك مقولات ومفردات وادعاءات استخدمها عرب حزب العمل في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مثل "الواقعية"، "وضرورة التأثير من الداخل" وما الى ذلك. ويعرف الجميع ان نسبة الناخبين بين المواطنين العرب في تناقص مستمر، من 77% العام 1992 الى 53% في العام 2013 ، وهذا يشمل نسبة لا بأس بها من التزييف ، اي التصويت بدلا من الناس الذي بقوا في بيوتهم، وهذا التزييف جرى بمعرفة الهيئات التنفيذية والقضائية، دون ان يحرك أحد إصبعا، ولا تفسير لهذا التواطؤ إلا رغبة رسمية في تزييف ارادة اصحاب البلاد الأصليين، ليظهرونهم موالون للدولة وجزء لا يتجزأ منها.
لا شك ان روافد المقاطعة مختلفة كما هي روافد المصوتين للكنيست الصهيوني. فمن المقاطعين من دأب على المقاطعة المبدئية الايديولوجية منذ عشرات السنين مثل ابناء البلد، ومنهم من وصل الى قناعة ان التصويت للكنيست الصهيوني غير مجد بل عبثي، او من اجرى مراجعة وطنية عسيرة، فوصل الى قناعة بتناقض ذلك مع المصلحة الوطنية، وهو ليس الا وسيلة لترويض الشعب الواقع تحت الاحتلال، والهائه عن تطوير مؤسساته الوطنية القومية الخاصة به. ومن المقاطعين من يحتج على سلوكيات اعضاء الكنيست واهتمامهم بمصالحهم الفردية على حساب المصلحة العامة، ومن هذه السلوكيات التزاحم على مقاعد الكنيست والمناصب والمعاشات العالية باسم "رغبة الجماهير". ولا شك ان من بين المقاطعين، ايضا، أفراد او جماعات هامشية ضاقت بها الأحزاب الصهيونية، وهم يركبون موجه المقاطعة الوطنية فيزايدون على القائمة المشتركة او مرشحيها، ولكنهم بالتأكيد ليسوا التيار المركزي للمقاطعة وهذا هو المهم..... بالمقابل، نرى أمثال هؤلاء موجودون ايضا في صفوف جمهور الناخبين والناشطين، وحتى المرشحين في القائمة المشتركة، وفي الاحزاب الصهيونية ايضا، وصوتهم عال ومؤثر الى ابعد حد، ومن هنا، لم استغرب رفض ممثلي القائمة المشتركة المشاركة في مناظرات مع نشطاء المقاطعة الوطنية، بل اعتبار تيار المقاطعة خصماً، وأحيانا عدوا، للأسف، وانتهاز فرصة غياب التيار الوطني المقاطع لتضليل الرأي العام وخاصة جيل الشباب.
في ندوة انتخابية مع طلاب الصف الثاني عشر، في مدرسة نوتردام- معليا- يوم أمس الثلاثاء، شارك بها عدد كبير من المرشحين في القائمة المشتركة، دون السماح لأي ممثل من تيار المقاطعة الوطنية ان يشارك بها، قالت السيدة عايدة توما: "نحن نمثل الغالبية العظمى لجماهير شعبنا في البلاد". هل حقا؟ فكيف ذلك ونتائج الانتخابات الأخيرة تقول: ان مجموع الاحزاب العربية من القائمة المشتركة حصلت على 42% من اصوات حق الاقتراع العرب، بينما حصلت الاحزاب الصهيونية على 9% منهم ( وهذا يشمل التزييف) بينما قاطع التصويت 47% من اصحاب حق الاقتراع. فمن هم الأغلبية يا ترى؟
اما د. احمد طيبي فادعى: "ان الإنسحاب من غزة لم يكن ليتم لولا وجود نواب عرب في الكنيست، لأن الفارق كان 2-3 اصوات". هل حقا لا يعرف الأرقام؟
ليس الكذب وحده حرام ، بل التضليل ايضا مرفوض وخاصة للجيل الشاب، واي محاولة لمسح ادمغة الطلاب يتوجب على المربين، كما الاهالي، ان يتصدوا لها. الحقيقة الموثقة في بروتوكولات الكنيست والخاصة بقرار الانسحاب من قطاع غزة في الكنيست يوم 27 اكتوبرعام 2004 تقول: ان عدد الاعضاء المؤيدين للانسحاب كان 67 عضوا وضد الانسحاب 45 عضوا وأما الممتنعين فكانوا 7 اعضاء... يعني بفارق 22 عضوا وليس 2-3. يا دكتور!
ويضيف النائب الطيبي فيقول: "حتى من موقع الأقلية إعترضنا على قوانين عنصرية وأفشلناها مثل قانون القومية او دولة اليهود" ولولا شوَيّ كان سيدعي ان النواب العرب هم من اسقطوا حكومة نتانياهو!!!. هل حقا؟
قلنا إن الكذب حرام وان تضليل الجيل الشاب مرفوض، لأنه يفترض ان نعلم أبناءنا الصدق ونقول لهم الحقيقة كما هي. ومن اراد معرفة حقيقة سقوط، او بالأحرى تجميد قانون "دولة اليهود"، عليه ان يراجع مضمون النقاشات التي جرت داخل التيارات اليهودية الصهيونية وغير الصهيونية، العلمانية والمتدينة، وبالتالي عليه ان يراجع اعتراض يئير لبيد وتسيبي لفني من داخل الحكومة، وميرتس وحزب العمل من خارجها، على القانون، وكل لأسبابه الاجتماعية او السياسية، دون اي علاقة لمصلحة المواطنين العرب، وحتى دون التأثر بمواقف النواب العرب، الامر الذي افشل سن القانون في المرحلة الحالية، وشكّل هذا الفشل، أحد أسباب سقوط حكومة نتانياهو. ويكفي مراجعة نشرة الاخبار العبرية مساء 24.11.2014 كي نتذكر ما حصل.
بدوره قال النائب غطاس: ان "تأثيرنا في الخارج اكثر من تأثيرنا داخل الكنيست". وهو اعتراف لا بد منه. استنتاج صحيح، وقد يقول ايضا ان الداخل يكمل الخارج، صحيح أيضا. ولكن أحداً لم يسأله، كيف سيثمر التأثير من الخارج اذا ما تركزت القوة الحزبية بأيدي اعضاء الكنيست، في "الداخل"؟ وكيف سيتم ذلك مع اضعاف وتهميش الهيئات الحزبية القطرية والمحلية، والمؤسسات الوطنية الجامعة مثل لجنة المتابعة العليا ولجان المتابعة الفرعية، مع العلم ان اعضاء الكنيست هم عامل أساس في اضعاف هذه الهيئات والمؤسسات؟ وكيف يمكن ان نتراجع عن العمل البرلماني اذا ما قررتم يوما ذلك، بعد ان تكونوا قد أجهزتم تماما على تلك الهيئات والمؤسسات؟
كيثرون من الشباب يتساءلون بطيبة قلب وبحق، تصوروا لو ان العرب جميعا قرروا عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية للكنيست الصهيوني!! ماذا سيكون وضعنا؟ تصوروا لو ان الكنيست أقرت قانونا يمنع بشكل مباشر او غير مباشر من المواطنين العرب من التمثيل في الكنيست! كيف سيتصرف المواطنون العرب؟ ونحن نجيب، هل سنعدم الحيلة فعلا؟ وهل سنجلس مكتوفي الأيدي نندب حظنا؟ ام اننا سننهض كما فعلت شعوب أخرى، وكما فعل شعبنا في اماكن مختلفة، بما في ذلك في الضفة والغربية وغزة، لتنظيم انفسنا على اسس قومية بما يتناسب مع مصالحنا ورؤيتنا لمستقبلنا؟ ولكن السؤال المقابل، كيف ستتصرف الحكومة ومؤسساتها؟ هل ستستفيد الهيئات الحكومية من هذا الغياب في الكنيست ام ان غياب الممثلين العرب سيخلق حالة من فقدان الرؤية وفقدان سيطرة المؤسسات الحكومية على قطاع واسع من المواطنين؟ الم يحرص بن غوريون على تمثيل المواطنين العرب، من الطوائف المختلفة، منذ الانتخابات البرلمانية الاولى؟ هل كان هذا حبا بالعرب ام وسيلة للسيطرة وخلق عناوين لها؟ ألم يبادر رابين لإقامة لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية عام 1974 عندما كان غالبية الرؤساء موالين للاحزاب الصهيونية، وبالذات لحزب العمل؟
لم تكن الديموقراطية الرأسمالية، اوالاسرائيلية بجوهرها الإثني، والمتمثلة بممارسة الحق بالانتخاب، وحرية التعبير المحدودة، والحق بالمحاسبة...الخ، الا اداه للسيطرة وترويض الجماعات المظلومة، وخاصة الشعوب الأصلانية، التي تعاني من فقدان السيادة على اوطانها وارضها وحياتها ومستقبلها بفعل الاحتلال والاستيطان الاجنبي متعاظم القوة.
اخيرا، القيادة الوطنية الحقيقية لا تضلل شعبها، ومن يعتقد انه بالبهلوانيات وأنصاف الحقائق او تزييفها، وتغييب الرأي الآخر، يمكنه ان يسيطر على ارادة الناس فهو مخطيء.
وكلمة عتاب لا بد منها اوجهها لكل الاساتذة والمربين والمربيات في المدارس الثانوية، فنحن أول من يطمح ويعمل على نشر التوعية السياسية في المدارس، ولكن شتان ما بين التوعية السياسية والسماح، وان بغير قصد، بمحاولات التضليل ومسح الأدمغة للجيل الشاب .
[email protected]
أضف تعليق