تنطوي تصريحات المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا على دلالات مهمة تتصل بموضوع النزاع السوري المستمر إلى هذه اللحظة، في حين لا يبدو في الأفق ولا بصيص واحد من الأمل يتعلق باحتمال إيجاد حل سياسي لهذا النزاع الصعب والمعقد.
دي مستورا الذي سبق وأن التقى الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم أكثر من مرة، صرح للصحافيين بعد لقائه وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس في فيينا، بأن الحل في سورية سياسي وأن الأسد جزء من هذا الحل، مؤكداً مواصلته إجراء مناقشات مع القيادة السورية في سبيل إنهاء هذه الأزمة.
هذا أول تصريح مهم يصدر عن المبعوث الأممي إلى سورية، بعد أن عين خلفاً لنظيره الأخضر الإبراهيمي الذي لم يتمكن من تسوية النزاع السوري، وكذلك الحال بالنسبة للمبعوث الأول كوفي عنان، الذي حاول إيجاد نقاط مشتركة تجمع أطراف النزاع السوري، دون أن يتمكن من ذلك.
لماذا تصريح دي مستورا مهم؟ أولاً لأنه ومنذ البداية كان يتجنب الدخول في تفاصيل وتعقيدات المشهد السياسي في سورية، وربما يعود هذا إلى اعتقاد منه أن ذلك سيؤدي إلى حرق أوراقه على الفور، وربما الإطاحة بجهوده وخروجه من المهنة المكلف بها، وثانياً لأن شغل هذه الوظيفة بالنسبة للاعبين الدوليين المنخرطين في النزاع السوري، يتطلب أن يكون دي مستورا حيادياً بشكل تام وتصريحاته محسوبة على المسطرة.
أما وأنه أفصح عن رأيه في حلول النزاع السوري، فتصريحاته هذه ستجد "انبساطاً" من قبل أطراف محسوبة على الحكومة السورية، ناهيك عن الموقف الرسمي السوري الذي رحب بهذه التصريحات وأكد وقوفه مع مساعي المبعوث الأممي بخصوص تجميد النزاع في مدينة حلب ابتداءً.
الأطراف التي لم تعجب بتصريحاته معروفة وواضحة لدى المتابعين للشأن السوري، حيث أكدت واشنطن وباريس مجدداً أن الرئيس الأسد جزء من المشكلة وليس الحل، وأن رحيله يشكل مقدمات للحل في هذا البلد الذي يشهد نزاعاً كارثياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهذا الموقف تتبناه دول كثيرة من بينها بريطانيا وألمانيا والكثير من دول الاتحاد الأوروبي.
مع ذلك فإن الولايات المتحدة التي تقود تحالفاً دولياً لمحاربة تنظيم "داعش" في كل من العراق وسورية، لم تأخذ منذ فترة مواقف ومبادرات تستهدف إزاحة الرئيس الأسد عن المشهد السياسي السوري، مكتفيةً باعتبار مواجهة "داعش" أولوية الأولويات بالنسبة لها.
حتى أن الكثير من السياسيين الأميركيين اشتكوا من عدم وجود استراتيجية أميركية حول سورية، وهذا الأمر كان واضحاً عند الرئيس باراك أوباما، الذي يبدو أنه فضّل أن يأخذ النزاع مساره العسكري، دون الحاجة إلى أي تدخلات سياسية لإنهائه بالطرق السلمية.
المعنى أن لدى صانع القرار الأميركي استراتيجية تستهدف قتل سورية وإخراجها من معادلة الدول القوية والفاعلة في الشرق الأوسط، وإلا كنا لاحظنا حراكاً أميركياً على الصعيد السياسي لإنهاء الأزمة السورية، لكن الإرادة ما تزال غائبة عند الأميركان لحل الأزمة السورية.
ويبدو أن ما دفع دي مستورا لقول هذه التصريحات، اقترابه من الواقع السوري ومعرفته بأن النظام ما يزال قوياً ومتماسكاً وباسطاً سيطرته على الكثير من المناطق السورية، وأن جزءا كبيرا من الشعب السوري يحترم قيادته ويعتبرها أساس الشرعية.
وأيضاً يتأكد لدى المبعوث الدولي أن المعارضة السورية في صيغتها الحالية غير قادرة على الإمساك بالسلطة، وأنها في موقع التشتت والتقاتل فيما بينها، إلى جانب أن ظهور تنظيمات متطرفة وعلى رأسها "داعش"، ربما يعطي انطباعاً أن الرئيس الأسد يشكل الخيار الأفضل لقيادة سورية، أقله في هذه المرحلة.
هذا المعطى انتبهت له دول غربية كثيرة ومن بينها واشنطن، التي صدرت عنها تصريحات غير رسمية وفي أكثر من مناسبة، أن السكوت عن الرئيس الأسد قد يكون بداية التحول للتفكير الجدي بالموافقة ضمناً على قبوله في السلطة، باعتبار أن الرجل أمر واقع وأفضل الشرور بالنسبة للغرب الذي يتحسس كثيراً من "داعش" ومن مخاوف توسعه.
وعلى كال حال، ما تزال المعادلة السورية مستعصية على الحل، خصوصاً وأنه لا توجد إرادة حقيقية تعمل على توفير ضرورات الحل السياسي في سورية، وما يحضر فقط حتى الساعة هو كيفية مواجهة "داعش" ومنع تقدمه وإنهاء سيطرته في شمالي سورية والعراق.
ثم إن لكل من موسكو وواشنطن مواقفهما المتعارضة التي لا تخدم بتضاربها الملف السوري، ذلك أن روسيا تسعى لإيجاد مخرج للأزمة السورية عبر توسطها سياسياً بين مختلف الفرقاء السوريين، دون أن تسقط حقها في دعم النظام السوري، بينما لا تعطي الولايات المتحدة أي انتباه للدور السياسي، وهي الآن بصدد تدريب آلاف من عناصر الجيش السوري الحر المعارض، لمواجهة "داعش" والنظام السوري.
من المرجح أن لا تلقى خطة دي مستورا المتعلقة بتجميد القتال في مدينة حلب أي نجاح، بالرغم من أن النظام السوري أبدى موافقته على هذه الخطة التي قال إنه مستعد لوقف القتال في حلب لعدة أسابيع، بينما رفضت أطراف المعارضة السورية اللقاء بالمبعوث الدولي، ورأت منذ فترة أن مثل هذه الخطة تخدم القوات الحكومية السورية التي يمكنها الاستفادة من عامل الوقت في تعزيز قواتها في أماكن أخرى.
قد يكون السيناريو الوحيد الواقعي للوضع السوري، يتصل ببقاء النزاع بين الفرقاء السوريين على حاله، في ظل غياب الإرادة الجمعية لتوفير منصة حوار سياسي جدي تجمع على إنهاء الحل بالطرق السياسية والدبلوماسية لا بالعسكرية.
وبقاء النزاع على أشده سيعني أن هناك كُلفاً يدفعها اللاعبون الكبار في الشأن السوري، على أمل إنهاء النزاع عسكرياً، وعلى أمل إضعاف واستنزاف سورية بعد أن تضع الحرب أوزارها، ومن ثم إعادة بنائها من جديد وامتصاص ثرواتها وربطها بديون، ما يجعلها غير قادرة على النهوض كما كانت في السابق، إلا بعد عشرات السنين من الكدح والعمل.
وما يلاحظ من هذا النزاع أن سورية سوف لن تكون حرة في تصريف شؤونها الداخلية والخارجية، وإنما ستكون رهينة لمنطق الفائز والخاسر في هذا النزاع المدول، الذي هو واضح للجميع أنه نزاع بالوكالة بين القوى العظمى التي تهدف إلى ضبط وإعادة رسم ملامح النظام الدولي.
وللأسف فإن من يدفعون الثمن الفادح هم من الشعب السوري ما بين قتيل وجريح ومشرد ولاجئ.
[email protected]
أضف تعليق