دائماً كنّا نحذّر من تسييس الدين، لأن خطر ذلك أكبر مما يتوقع الناس البسطاء، على قاعدة أن الدين ثابت والسياسة متغيرة... ولا يجوز أن تتغير المفاهيم والمعتقدات الأساسية في الدين لأن ذلك كارثي.
وزارة الأوقاف ومنذ سنوات حددت القواعد الأساسية للخطابة في المساجد، بمعنى أنها ارتأت أن تكون المنابر فقط لخطباء متفقهين وحدويين، قادرين على لمّ الناس حول المفاهيم والأخلاق السامية للإسلام، وحول سماحة الدين ووسطيته، وليس حول تطرف المدعين بالانتماء إليه وإرهابهم.
ولكن يبدو أن توحيد خطبة الجمعة بمعنى طرح موضوع آني للحديث عنه لم يؤتِ ثماره، ربما لعدم وجود مراقبة حقيقية.
استمعت إلى خطبة الجمعة في أحد مساجد محافظة القدس واستبشرت خيراً عندما قال الخطيب إن موضوع الخطبة هو «الأمن المجتمعي» وظننت أنه سيتحدث عن خطورة التطرف والإرهاب، ووصم الإسلام والمسلمين بهما في العالم، وعن إجرام «داعش» والتحذير من أن يغرس البعض نباتات الهالوك المتمسحة بالدين في مجتمعنا، والحثّ على التربية الصالحة.. لكن الخطيب حوّل أساس خطبته إلى جرائم الاستعمار والاحتلال الأميركي للعراق وحرق المواطنين هناك، واستشهد بملجأ العامرية. وقال: لماذا لم يتطرق الإعلام إلى هذه الجرائم وجرائم الحرق في غزة وفقط يحاول أن يبتز المسلمين والإسلام... حتى آخر الخطبة لم يتطرق إلى مفهوم الأمن الفلسطيني الداخلي، أو إلى جريمة «داعش» بحرق الكساسبة، أو إلى ملايين العرب الذين تظاهروا أو وقفوا ضد الإرهاب مدافعين عن الإسلام والمسلمين.. وكأن أمن المجتمع هو في استنكار جريمة ملجأ العامرية في القرن الماضي...
لا أيها الخطباء ولا يا وزارة الأوقاف يجب أن تكون هناك محاسبة لهؤلاء الذين في قلوبهم دواعش أكبر من صغيرة، وربما هم منافقون يؤمنون بالتقية، يحاولون إخفاء ما في صدورهم... يبثُّون سمومهم بطريقة غير مباشرة، ما يعني أننا بحاجة ليس فقط إلى تحديد موضوع الخطبة، وإنما التطرق إلى الأفكار الرئيسة فيها. من يعجبه فليصعد إلى المنبر ومن لم يعجبه فليذهب إلى حيث يعتقد، لأن هؤلاء الخطباء يقبضون رواتبهم من الضرائب التي ندفعها نحن لهم.
في إطار آخر، حذّرت «حماس» من أعمال مجنونة إذا ما استمر الحصار والعدوان على قطاع غزة.
الحصار، كل فلسطيني عاقل يدينه ويعتبر أنه جريمة حرب ترتكبها سلطات الاحتلال بحق أبناء شعبنا أطفالاً ونساءً وشيوخاً، ولكن من منطلق المسؤولية، نتمنى ألا تكون تلك التصريحات تعني الرجوع إلى الخلف والسقوط في دوّامة أعمال، يعتبرها العالم اليوم، إرهابية، وربما يحاكم عليها... وعليه، فإن الخيار هو الوحدة الفلسطينية، هو المصالحة الحقيقية القائمة على مفهوم سلطة واحدة، وطن واحد، حدود واحدة، لا حكومة لا تحكم، وسلطة موجودة بالاسم، وأمن مسيطر عليه بالكامل من حركة حماس.. أما من يعتقد أن الأعمال المجنونة سترفع الحصار وستحقق المصالحة فهو مخطئ.
هناك مستجدات في المنطقة، ووضع جديد يجب أن نحافظ فيه بالحد الأدنى على ديمومة القضية الفلسطينية، وحذاري من أن نغرق في التطرف أو الجنون المدمِّر الذي سيدمِّر قضيتنا بشكل كامل، وسيظهرنا أمام العالم بأننا لسنا مختلفين عن مجموعات وقطعان إرهابية، وربما سيضطرّ العالم إلى محاربتنا.
مرّة أخرى، نتوجه إلى إخواننا العقلاء في «حماس» أن يعيدوا النظر بهذه التصريحات الخطيرة التي لن تمسّ في النهاية إلاّ قضيتنا وشعبنا الفلسطيني.
[email protected]
أضف تعليق