رسالة إلى رئيس الدولة
السيد رؤوبين ريفلين المحترم تحية وبعد،
هل تذكر عندما حضرت إلى قرية عسفيا بعد احتراق الكرمل، كان برفقتك طفل أعلمتنا بأنه حفيدك، اعترضتك يومها أمام مدخل المجلس المحلي وقلت لك مازحًا: إني أريد أن أتصادق مع هذا الطفل كي ينصفنا عندما يكبر ويتولى مهام سياسية في الدولة.
أجبتني قائلًا: لا سمح الله لن ادعه يصبح سياسيا.
أذكرك اليوم بذلك بعد الاعتداءات المستمرة في هذه الدولة على كل من هو عربي. ومن ضمنهم الدروز حيث تم قبل أيام الاعتداء على الشاب تومي حسون من قرية دالية الكرمل، وكنتَ قبل أسابيع قد صرحتَ مستغربًا عن مدى الانهيار الأخلاقي المستمر في الدولة.
هناك مثل شائع عندنا يقول "إذا عُرف السبب بطل العجب".. الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، هي أن العنف يولد العنف، لقد أدركت وزيرة القضاء السابقة تسيبي ليفني بأن المنطقة مقبلة على موجة عنف غير مسبوقة وذلك اعتمادًا على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.. لقد قتل هناك بمختلف الأسلحة ومنها المحرمة دوليا أكثر من 2200 مواطن، ومن ضمن من قتلت 92 أسرة أبيدت عن بكرة أبيها.. هذا بالإضافة إلى المصابين الذين يفارقون الحياة تباعًا والأطفال الذين يموتون بسبب البرد بعد نسف بيوتهم وافتقادهم إلى المساكن، السيدة ليفني ليست عبقرية ولكنها تدرك بأنه من الطبيعي أن "العنف يولد العنف".. لقد استوعبت هول الجريمة. وقد تم بالأمس الاعتداء على الشاب "تومي حسون" الجندي المسرح الذي عمل قبل فترة قصيرة سائقا لمستشار حضرتكم، لقد تم الاعتداء عليه لأنه تكلم باللغة الأم، اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم الذي ترجمه إلى اللغة العبرية البروفيسور يوسف يولي ريفلين، والد حضرتك.
سيد ريفلين.. لم يشفع للشاب اسمه " تومي" ولم تشفع له خدمته العسكرية، كما لم تشفع له طائفته التي تخدم شريحة منها في جيشكم، إذ اضطُهدت طائفته في هذه الدولة أكثر من كافة الشرائح، كاتب هذه السطور كان عضوًا في اللجنة المالية المنبثقة عن أعضاء المجلس البلدي عند توحيد عسفيا ودالية الكرمل وقد تبين لنا بان الطائفة الدرزية لا تحصل على المستحقات التي تحصل عليها باقي الشرائح، كما تم سلب 83% من أراضيها وهنا أطلب منك أن ترمي بثقلك لمنع مواصلة اضطهادنا واستغلال بساطتنا، والسؤال الذي يطرح هو: إذا كانت معاملتكم هكذا مع من يخدمكم.. مع من تدعون بأنه صديقكم فما بالكم مع من تعتبرونه عدوكم؟!
سيد ريفلين الاعتداء على الشاب "حسون" لم يكن الاعتداء الأول، فقد جرى قبل فترة اعتداء على ثلاثة شباب دروز في مدينة نهاريا لأنهم تكلموا اللغة العربية في دولة اليهود؟ وقد طلبت المرحومة أهوبا تومي التي اصيبت بحروق في مأساة حريق الكرمل أن لا يعتبر هذا الاعتداء جرى على خلفية عنصرية؟! وتم اعتداء على مفتش من قرية بيت جن يعمل في وزارة المعارف التي أعدت برامج تجهيلية خاصة بنا لنبقى بسطاء يسهل على السلطات استغلالنا.
الحقيقة هي أن خلفية الاعتداءات واضحة تماما فالأجواء مشحونة بعد أن حولت الأحزاب اليمينية المتطرفة الصراع إلى حرب دينية، تم خلالها الاعتداء على المسجد الأقصى.. وقد تم حرقه في السابق على يد المتطرفين اليهود، كما قوضتم أساساته بادعاء أنه بني على أنقاض الهيكل فتبين بان لا أساس لذلك ووفقا لما قاله عالم الآثار البروفيسور يسرائيل لفكنشنك:
"لقد بحشنا شمالا وجنوبا شرقا وغربا وإلى العمق فلم نجد أي أثار للهيكل".
واليوم بالرغم من معرفة الحقيقة ما زلتم مصرين على كون حائط البراق هو الحائط (المبكى) المتبقي من الهيكل كي تبقوا متمسكين حول وهم يجمعكم في محاولة لتبرير تمسككم بالأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، فتشوا عن الهيكل في مكان آخر، والأنكى من ذلك هناك منكم من يدعو إلى تقسيم مسجد الأقصى المبارك بينكم وبين المسلمين، وكل من يريد أن يرفع أسهمه السياسية من وزراء وغيرهم يذهب ويستفز المصلين هناك؟!
السيد رؤوبين، هناك من البسطاء والجهلة من لم يستوعب بعد ترابط الأمور بعضها مع بعض ولا يدري بان كل فعل يولد رد فعل ويسأل: ما علاقة هذا بذاك، لقد أجرت صحيفة "يديعوت احرونوت" مقابلة مع الجنرال "عميرام ليفي" الذي خرج إلى التقاعد مؤخرا، قال بالحرف الواحد (ومعذرة) قال: "نحن خراء شرسون حيث نعطي التعليمات للضباط ليقوموا بتأخير امرأة فلسطينية حامل على الحاجز كي تجهض." وماذا سيفرز ذلك من الجانب الفلسطيني.. أسألك بالله عليك.. ماذا تتوقع إزاء ذلك.. ماذا سيفرز سجن الشعب الفلسطيني داخل الجدار العنصري؟ ماذا ستفرز إقامة الحواجز وإذلال السكان وإجهاض النساء؟.. ماذا سيفرز حجز أو سرقة أموال الشعب الفلسطيني؟ ماذا سيفرز قلع أشجار الزيتون وغيرها..
ماذا سيفرز حرق المحاصيل وتجريف الأراضي.. ماذا ستفرز سرقة المياه.. ماذا ستفرز سياسة الاستيطان.. ماذا سيفرز استفزاز المستوطنين والاعتداء على الشعب هناك تحت مظلة وحماية الجيش؟ أن غض الطرف من قبل الجيش ما هو إلا تشجيع للمستوطنين الذين يعتقدون بان الاعتداء على العرب، ايًا كانوا، هو من الأعمال البطولية، وعلى هذه الارضية تم الاعتداء على الشاب "حسون "، اعتقد أنه آن الأوان لأن تجري الحركة الصهيونية عملية محاسبة الذات والتخلص من الفكر العنصري المعادي للسلام والتي جاءت على لسان "هرتسل" حيث قال:
"إذا لم ينوجد العدو للشعب اليهودي فعلينا أن نخلق ذاك العدو كي يتحد شعبنا لأن السلام من شأنه أن يؤدي إلى حرب أهلية فيما بيننا؟!"
كما أن التصريحات المهوَّسة التي تأتي على لسان "نتنياهو" و"بينيت" و"لبرمان" وغيرهم وقبلهم بيغن الذي قال: إن قدرنا أن نبقى في حالة حرب دائمة إلى الأبد".
إن مثل هذه التصريحات تـُفقد الأمل بغد جديد مشرق تنعم به شعوب المنطقة بالهناء وتؤدي إلى إبقاء جميع الأطراف في حالة من الاستنفار والتوتر. من هنا أفهم لماذا قام هؤلاء الصبية بالاعتداء على الشاب "حسون" فهم ضحية الأجواء التي يستمدون منها تصرفاتهم وأحيل المسؤولية إلى السياسة العنصرية التي تنشرها الشخصيات السياسية الرسمية التي لا تنظر إلى إبعاد تصرفاتها وأقوالها والتي تُنتج الأحقاد وبالتالي العنف وتورث ذلك للأجيال القادمة.
سيد ريفلين، لقد جرت قبل أيام محاكمة هادي قبلان الجندي الذي قتل المواطن اليهودي في باحة حائط البراق، وقد جرت العادة عندما يقتل المواطن اليهودي مواطنًا عربيًا أن تُصدر أجهزتكم تقريرًا يزعم بان القاتل يعاني من خلل نفسي الأمر الذي لا يؤهله للمحاكمة، فما رأيك أن نقلب الآية هذه المرة.. أتحدث بمنتهى الجدية.
سيد ريفلين، الحقيقة صعبة للغاية، خاصة على من عاش وسط الأوهام وتوطنت ذهنه تلك الأوهام، وللنهوض من ذلك بحاجة إلى العظماء كي يخلِّصوا شعبهم منها، لذلك أرجو أن يتم دراسة ما جاء في رسالتي إليك لاستخلاص العبر والعمل بوحي منها، لا أن ترسل لي رجال المخابرات الذين كانوا يحققون معي في مكان عملي ويتم طردي من كل مكان عمل عملت فيه بسبب موقفي إلى جانب الحق. وشكرًا.
هادي زاهر
المواطن العربي الفلسطيني ابن الطائفة الدرزية
[email protected]
أضف تعليق