فلينظر من له بصر وبصيرة الى التاريخ، كم مرّ على هذه الدولة من الأهوال وتآمر الأنظمة والرجال والدسائس وتعبئة الرأي العام بالوساوس، فلينظر كم من غزوة كانت الدولة والوطن هدفها، وكم من شهيد أرخص روحه أو قتل غدرا وغيلة، وعلى رأسهم الملك عبدالله الأول على بوابة الأقصى، وغير بعيد عنه الرئيس هزاع المجالي وبعده بسنوات الرئيس والمشروع الوطني الشهيد وصفي التل، وكيف انقلبت المقاومة من مقاومة العدو الإسرائيلي الى مقاومة الدولة واشتركت فيها شرذمة أردنيين أيضا، ولم يفت في عضد هذه الدولة ولم يركع الأردنيون ولم ينكصوا عن شرفهم الوطني غير عابئين بمن خان وبمن فسد ، وقدم الآباء أبناءهم أبطالا باسم الوطن لا باسم العائلة والعشيرة.

اليوم يقف الأردنيون صفا واحدا من كل بادية وقرية ومخيم ومدينة ومحافظة ، ليقولوا نحن سبعة ملايين معاذ، وطيارنا الباسل ليس أول الأبطال ولن يكون آخرهم ، ولعل سلاحه سلاح الجو الأردني سجل بطولات خالدة حيث لا يزال الطيارون الشهداء فراس العجلوني وموفق السلطي والآلاف من رفاقهم في مختلف أسلحة الجيش الأردني الباسل يتربعون على قائمة الشرف من شهداء وجرحى ، ولم تمحُ السنون الطوال إرثهم الذي تركوه لعائلاتهم ولعشائرهم ووطنهم ، فكل بطولاتهم محفوظة في ذاكرة لا يمكن أن تتلف ، مقابل بعض الأسماء التي خانت أو انقلبت أو تقهقرت أو نكصت عن الواجب ولم تضر الوطن شيئا ولم ينسهم الناس أيضا.

يجب أن يعلم الجميع أن تنظيم داعش لا يدافع عن وطن لأنه ليس صاحب أرض ولا قضية ، وأتباعه جاءوا من مختلف أصقاع الأرض ليحجزوا لهم تذاكر لدخول الجنة ، وكيف ذلك وهم يقتلون الأبرياء من كل دين وملّة ، حتى رفاقهم في التنظيمات والمجاهدة التي يدعون نالهم من القتل ما تشمئز منه النفوس، ولديهم من الخبثاء ما يمتعهم بمكر لا يستهان به ، فأرادوا خلط الأوراق والإيقاع بوطننا عن طريق حرب نفسية، لجعل الرأي العام الأردني ينهض بالفوضى ولكن كان شعبنا أكثر وعيا وانتماء، فأفشل ما يمكرون ، وإن استاء الناس من بعض التصرفات والتصريحات فهي ليست تفريغ شحنات سالبة عند المبتزين والمتسلقين وأعوان الأعداء الذين انسلوا مندسين بين جموع الأهالي الذين ينادون بإطلاق سراح معاذ ، وإن استثنينا مشاعر عائلته التي نقدر عمق الفجيعة ، فلا يحق لأحد أن يتحين الفرصة ليصعد على أكتاف الناس ليحرض الشارع ضد الدولة والجيش الذي حمى الأردن منذ خليقته، أو ينشر الأخبار التي يتلقاها من إعلام خارجي سخيف، وهو بذلك يخدم الأعداء ويتحول الى عدو متربص في الداخل.

لقد سمعنا كثيرا من العتاب والتشفي والأقاويل التي تربط تدخل الأردن بالتحالف ، فلا بأس إن كان هذا رأي الجميع، ولكنه رأي البعض ويحترم لو كان وجهة نظر دون تشف منهم أو غايات رخيصة ، فقد كشفت لنا الأيام كماً هائلا من الأسماء التي استغلت السنوات الماضية لترفع شعارات مناهضة ومنها لا يزال لغايات الابتزاز والتكسب ، وبقي الوطن سائرا بتوفيق من الله ووعي المواطن.. وصبر القيادة، ولكن فليعد الناس ليقرأوا التاريخ مرة أخرى فلقد كان الوطن مستباحا من مختلف المليشيات وجواسيس الأعداء وحتى الجيوش المتربصة ، فبعد معركة الكرامة المجيدة التي حقق جيشنا النصر فيها على عدونا الأكبر وصلت فرق من الجيش السوري والعراقي آنذاك الى قريب من النعيمة شمالا والمفرق شرقا في انتظار لدعم إسقاط الدولة و تم دحرهم لأن جيشنا الباسل جيش عقيدة وطنية وعسكرية لا جيش تنظيمات وأحزاب وجمهوريات عسكرية مزاجية.
اليوم وحتى نقطع الطريق على الجميع علينا أن نعيد توجيه بوصلتنا نحو وطننا، وأن نلتف جميعا خلف جيشنا وأن نكون أقوياء أمام غايات الخبثاء ، ممن يرموننا بشواظ أحقادهم ونحن ننساق لغاياتهم لأننا لا نفكر ولا نستذكر أن لكل واحد منا حياة واحدة والموت هو نهايتنا جميعا اليوم أو مهما طالت بنا الحياة ، فكم من رفاق معاذ البطل من أبطال سلاح الجو استشهدوا إثر سقوط طائراتهم أثناء التدريب أو الطلعات الإعتيادية، فتنظيم داعش يراهن على فوضى بيننا، ونحن نراهن على شرف الوطنية وبطولات آبائنا وأجدادنا ومستقبل أجيالنا وتاريخ الأردنيين الذين لا يُركعّون، ولنستذكر حكمة الشاعر حين قال :
لو مات منا إمرؤ في الأرض ندفنه... لو ماتت الأرض قل لي أين ندفنها.؟ 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]