نَكتُب عن الحكيم القائد الحاضر دائِمًا، هو ليسَ الراحل إلاّ جَسدًا، وتبقى الفِكرة أقوى من الرَحيل، ولكن لا بُدَّ لنا من الإشارة إلى مقولَة " لا عُذرَ لِمَن أدركَ الفِكرةِ وتَخلَّى عنها "، ناضلَ في عنفوانِ شبابهِ وهو في أيامِهِ الأخيرة من الحياة، لَم يَكُن يخلق إنطباعًا عندَ زائِرَهُ بأنَّهُ رجلٌ في السبعينات من عُمرهِ أبدًا، هو في عنفوان الشباب كانَ في كل المَراحل ورغمَ كل الهزائِم والإنكسارات بقي الحكيم، على غير ما أصابَ قادة كبار، بقيَ صامِدًا مُتمسكًا بالثَورة ونهج المقاومَة حتى الرَمق الأخير من عمرهِ.
الكتابة عن الحكيم ليست ترفًا، ولا يُمكن أن نقفزَ عن شخصيّتهِ الموحدة دائمًا، وهو العظيم بمواقفهِ الرافضة للإقتتال الداخلي، كانَ معروفًا ومسشهودًتا لهُ برفضهِ لرفع البُندقية في وجهِ أخاهُ الفلسطيني ورسَّخَ هذه الثقافة في جبهة الشَعب التي أسَّسها ورسمَ مع رفاقهِ المؤسسين معالِمَ نهجها الثَوري.
قبلَ مدة وجيزة قالَ لي أحدَ الأصدقاء من الرفاق السابقين في أبناء البَلد مِمَن تَخلّوا عن الفِكرةِ وخانوها لِصالِحِ مشروع الهزيمة، قالَ باسِمًا مُستهزئًا، أو محاولًا ذلكَ: " قيلَ لي يا أبو الأسعَد بأنَّكَ كتبتَ مقالًا عن جورج حبش وفيهِ تَتَحدَّث عن نفسِكَ أكثر من الحَكيم "... فَأجبتَهُ بأنَّهُ فخرٌ لي أن أتحَدث مُطَولًا عن لقائاتي بوالِدي جورج حبش، نعم إنَّهُ الوالد والمُعلم، ولكن قُل لي يا صَديقي: "لماذا هذا الحقد على ما أكتُب عن الحكيم؟" ولَم تأتي الإجابة بغير بسمة صفراء وعبارة "هكذا قيلَ لي".. وأنا لَم أنكِر "التهمة"، فَالحَكيم رمز من رموز الثَورة الفلسطينية ورمزًا أمميًا وقَوميًا، ومَن خانَ فكرة الحكيم حتمًا سَيغضَب حينَ يكتب عنهُ أبناءهُ ورفاقَهُ من دونِ تحريف.
وبما أنَّنا في فترة إنتخابات للكنيست الصَهيوني لا بُدَّ لنا من تعريَة بعض محاولات التجنّي على حكيم الثَورة وإرثِهِ ومواقفهِ خاصّة فيما يَخُص الكنيست الصَهيوني، فقد كان جورج حبش من أشد المُعارضين للتطَبيع مع الصهيونية والإحتلال وإعتَبرَ الكنيست جهازًا صهيونيًا خطيرًا بِإمتياز، وطبعًا كانَ مُعارِضًا لخوض الجماهير العربية لهذه الإنتخابات ولكنَّهُ لَم يُخَوِّن من يخوضَها ويُشارك بها، فقد خضنا نقاشًا مفتوحًا حول الأمر مع رَجُلًا لا نَكنُ لهُ الإحترام وحَسب، بل إعتبرناهُ وما زلنا النَموذَج والمُعَلّم، وكانَ دائِمًا من أشَد المُتحمسين لِموقف المُقاطعة للإنتخابات ولَم يُؤيِّد في يوم من الأيام دخولنا للكنيست، والحقيقة نحنُ لَم نطلب منهُ أن يُؤيد أو يُعارِض، بل كُنا نخوض نقاشًا مع إنسانًا ثَوريًا، نُحبَّهُ ونحترمَهُ ونُقدرَ مواقفَهُ إلى أبعَد الحُدود، وكانت علاقتنا معهُ من هذا الباب، ولم تَكُن يَومًا على قاعِدة التَبعية لا في الرأي ولا القرارات ولا التَوجيهات، فحركة أبناء البَلَد مُستقلة بمواقفها وسياساتها ونهجها، وهيئاتها فقط هي التي ترسم سياستها وإن كنا نتقاطع مع الجبهة الشعبية في برنامجَ الدَولَة العَلمانية الديموقراطية على كامل التراب الوَطني الفَلسطيني، فأن يأتي أحد الرفاق ويقول على صفحتهِ على الفيس بوك ما يلي: " فان الجبهة الشعبية ايدت كل قرارات ابناء البلد بما فيها الترشح للكنيست وعلى رأسها المرحوم الراحل الحكيم جورج حبش "، هذا كلام فيهِ تجَني على أبناء البَلَد أولًا وعلى الجبهة الشعبية والشهيد الراحل جورج حبش، وهو لَم يحصَل أبدًا ... وَلَم تُقر أبناء البَلَد أبدًا الذَهاب للكنيست الصَهيوني ورغم خطيئة الحركة في مشروع التجمُع الوَطني الديموقراطي إلاّ أنَّ البيان التاريخي جاءَ لِيُصَحّح الخَطأ وكانَ تحتَ عنوان " أخطَأنا وسُنُصَحِّح الخَطأ" وفعلًا هذا ما حصَلَ فيما بَعد، وما زلنا نشهَد نهوض أبناء البَلد حتى الآن بمواقفها المبدئية الراسخة بعيدًا عن التنازل السياسي والسُقوط الأخلاقي الذي لحقَ بأصحاب المَواقف الثَورية.
وفي مقال طويل ولا عرضَ لهُ يحاول عوض عبد الفتاح الإستنجاد بالحكيم والجبهة الشعبية، وهو القائل بأنَّهُ ما زالَ مُتمسكًا بمواقفهِ السابقة من الكنيست ويدعو الناس للتصَويت، لا يُريد أن يَتلَوث بالكنيست ولكن لا مانعَ لديهِ من أن تَتلوثَ الناس بذلك، وهذا بحسبِ ما يذهب إليهِ في أقوالِهِ، عن أي مبدأ تَتحَدّث يا أبا أشرف، وأي جبهة شعبية تلك التي تستنجد بها لتُبرِّر تخليكَ عن أبناء البَلد الفكر والتنظيم الثَوري والصَوت المُنادي في تحرير فلسطين، أهي قناعات جديدة! أم ماذا؟
جورج حبش يا أصحاب الفَخامةِ والسيادَة والأمانَةِ، لا يتأذى بتزويركُم لهُ لأنَّهُ أعلى من أي تزوير وتشويه وتَحريف ...
"لا عُذرَ لِمَن أدركَ الفِكرة وتَخلَّى عنها"...
معًا على الدَرب
أبو أسعَد كناعنة / فلسطين
26/01/2015
[email protected]
أضف تعليق