لا ضير أن أبدأ مقالي هذا الذي يتناول موضوع على جانب كبير من الأهميّة، على الأقل من وجهة نظري، أن أبدأه بطُرفة، وفي سياقنا فشرّ البليّة ليس ما يضحك وإنما ما... . ضف ما شئت عزيزي القاريء ودون حرج!

يتناقل في الساحة العربيّة الدرزيّة عن "كحلون" قولا: "ما هذا كل الدروز يريدون أن يكونوا أعضاء كنيست؟!"، فما كاد الرجل يعلن عن خوضه معركة الانتخابات وارتفعت أسهمه في المزادات أو المناقصات الاستطلاعيّة، حتى تهافت على أبوابه ما لا يقل عن "دزينة" من "الشخصيّات الدرزيّة" ومنها ثلاث نساء وكلهم يتوسل إليه أن يضمهم إلى قائمته. ما لا يعرفه هؤلاء أن كحلون "عارف البير وغطاه" فالرجل لطيف سلوكيّا وحين تعارفنا في الدورة ال-17 للكنيست وكان الليكود غداة هزيمة نكراء في الانتخابات، فوجدته يسألني استنكاريّا: "ما هذا، ما الذي فعله بنا الدروز، حتى أصوات عائلة واحدة لم يعطونا؟!".

لا يخلو اجتماع جماهيريّ لحزب صهيونيّ في الدولة من دروز وكي يظهرون صار لكل طامح حزبي رفيق "متعمّم" يتصدّر وإياه الصفوف الأولى من اجتماعات "بنيت" و"ليبرمان" يمينا حتّى "ميرتس" يسارا. سقى الله أيام زمان (ورغم اني لست متدينا) حين كانت للعمامة حرمة وللمتعمّم خطوط حمراء، لكنّ اليوم ضاعت الحرمة عن كل شيء وبهتت لا بل امّحت كل الخطوط كما ضاع الكثير غيرها من تراثنا العربي وبهُت وامّحى.

ومن المهم إلى الأهم، الحقيقة التاريخيّة اليوم هي أن جيل "القيادات الدرزيّة" الماسكة في زمام الأمور قطريّا ومحليّا، هي من جيل مدرسة "حلف الدم" جيل تربّى في فترة المناهج التعليميّة التجهيليّة فترة "التراث الدرزي" و-"القوميّة الدرزيّة"، هذا الجيل مقطوع الجذور مقطوع كل أواصر العلاقة بكلّ ما هو عروبيّ، تربّى في غالبيّته في المؤسسة العسكريّة دون أي ثقافة أكاديميّة إلا ما وفّرت له المؤسسة العسكريّة، وبالتالي هو فاقد للتطلّعات، فلا هو يهوديّ ليتطلّع إلى الاندماج في المؤسسة كما زملائه اليهود ولا هو عربيّ ليتطلّع إلى الاندماج في شأن الأقليّة العربيّة، وأقصى وأعلى ما تبقّى له رئاسة مجلس بلده أو عضوية الكنيست، وفي الحالتين لا حاجة به لا لفكر ولا لمباديء، ولذا لا تهمّ الطريق "كحلونيّة" كانت أو غيرها !.

بالمناسبة هذا الجيل نما وترعرع وتشكّلت شخصيّته في العقود التي كانت فيها نسبة الطلاب الجامعيين من الدروز، أدنى من أدنى نسبة في العالم. كنت أيام دراستي الجامعيّة من محرري "الجديد الجامعي" (ملحق لمجلّة الجديد) والتي لم يطل عمرها، وكذلك لنشرة لجنة الطلاب العرب في جامعة تل أبيب "الشيخ مؤنس"، وقد نشرت فيهما حينها دراسة تعقيبا على تقرير لليونسكو كان صدر حينها يفيد أن أخفض نسبة طلاب جامعيين في العالم هي في البرازيل (10 طلاب لكل 1000 نسمة)، وتبيّن حسب الدراسة أن نسبة الطلاب الدروز وحسب قائمة القرى هي من 2 إلى 5 طلاب لكل 1000 نسمة.

هذه الحقيقة التاريخيّة هي جزئيّة وتتمّتها هي، أن المعسكر الذي استطاع أن يتخطّى مدرسة "حلف الدم"، معسكر القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة لم يستطع حينها ولأسباب شتّى موضوعيّة، أن يكون ندّا لهذه المدرسة رغم جهود هذا المعسكر الكبيرة.

وفي سياقنا، كان تعداد العرب الدروز في ال48 وبعد النكبة (13172) نسمة، ولو توحّدوا حينها جميعا لما كان باستطاعتهم إيصال رُبع عضو كنيست، ولكن وبغض النظر ولأسباب لا مجال للدخول فيها الآن، عملت المؤسسة على أن يكون لهم وفي غالب الأحيان ممثلان ومن خلال القائمتين العربيّتين حينها المرتبطين مع حزب "المباي" الحاكم، واللتين كما هو معروف شُكّلتا دائما على أساس (مسلم - مسيحي- درزي)، ومن أبناء العائلات العربيّة الكبيرة التقليديّة والتي ارتبطت بالمؤسسة قبل وما بعد النكبة.

كانت نقطة التحوّل حين بدأ العرب ينفضّون من حول هذه القوائم العربيّة، فاتخذ خليفة حزب "المباي" "المعراخ" و"العمل" اليوم، له نهجا أن تشمل قائمته مرشحا "عربيّا" وآخر "درزيّا" بغض النظر عن قوة الدرزيّ الالكتوراليّة، ولحقه في ذلك الليكود "درزيّا".
سلك الدروز في شكل الاقتراع في هذه المرحلة وما زالوا، سلوكا شخصيّا بمعنى أنهم يصوّتون للمرشّح الدرزيّ شخصيّا وليس انطلاقا من تماهٍ مع هذا الحزب أو ذاك، وهذا ما يفسّر قول "كحلون" الذي ابتدأت به، ولأنه لم تشمل حينها قائمة الليكود مرشّحا في مكان متقدّم فحجب الدروز عنها أصواتهم وصوّتوا للقوائم التي كان فيها مرشحّا درزيّا في مكان متقدّم بغضّ النظر إن كان في حزب صهيونيّ أو عربيّ.

هذا السلوك ما زال قائما حتّى اليوم عند الغالبيّة من الدروز، وحين انحسر تأثير العائلات التقليديّة وأثبتت الانتخابات أنه يمكن لابن عائلة عاديّة "شويّ فهلوي" أن يكون عضو كنيست (أقصى التطلعات عند "النخب"!)، اندلق "الفهلويون" من كل حدب وصوب على الساحات الحزبيّة الصهيونيّة وما جذّر هذا الاندلاق أكثر، هو وصول خمسة أعضاء كنيست دروز من خلال الأحزاب الصهيونيّة في الدورة ال-18 للكنيست "ما في حدا أحسن من حدا"، هذه السلوكيّة مستمرة حتى الآن وبأكثر اندلاق ونشهدها في الانتخابات الحاليّة بكل تجليّاتها المُضحكة المُبكية والمثيرة للاشمئزاز والسخرية.

كل هذا هو جانب واحد من الصورة، ولا تكتمل الصورة إلا إذا عرّجنا على الأحزاب "العربيّة". حتى انتخابات العام 1969 كان الحزب الشيوعي يحصل بين الدروز على مئات قليلة من الأصوات ربّما لا تتعدّى الثلاث، وعدد المنتسبين له لا يتعدى أصابع جسم الانسان، رغم أن الفترة كانت في عزّ مصادرة أراضيهم، وغالبية قراهم لم تكن قد وصلتها الكهرباء حينها، وشبانهم يُساقون عنوة للخدمة العسكريّة.

جاءت هذه الانتخابات (1969) ليتعدّى عدد المصوتين للحزب الشيوعي في القرى الدرزيّة ال-1000 مصوّت، وللمثال كان الحزب الشيوعي في بيت جن بالكاد يحصل في الانتخابات على خمسة 5 أصوات فإذا به يحصل عام 1969 على 153 صوتا، مما حدا بصحيفة "يديعوت أحرونوت" بعيد الانتخابات أن تخرج بعنوان صرخت فيه: "حتى أنت يا بروتس!". ما من شكّ أن لمنظمة الشباب الدروز الأحرار التي كان أسسها ورأسها طيب الذكر سميح القاسم ومن أعضائها محمد نفاع ونايف سليم، كان الأثر الكبير في ذلك خصوصا وأن غالبيّة أعضائها كانت منضوية تحت عضوية الحزب الشيوعيّ.

تزامن هذا مع ازدياد ملموس شهدته السنوات الما قبل، في عدد رافضي الخدمة العسكريّة الإجباريّة وتنامى هذا التوجه الانتخابيّ في السنوات التي تلت وتنامت كذلك حالات الرفض، وجاء إدراج سميح القاسم لاحقا على لائحة الحزب الشيوعي للكنيست ليعطي دفعا آخر لهذا التوجه وخصوصا وأن الحاجز الذي كانت رسّخت بنيانه السلطة مع أزلامها بين الدروز وبقيّة العرب تصدّع في العام 1969، دون أن ينهار .
ردّت المؤسسة بحملة شعواء ضدّ الوطنيّين العرب الدروز من ناحية، ومن الأخرى جنّدت "النخبة" من أزلامها موفرة لهم كل الدعم لصدّ هذا التوجه، وصارت قضيّة ضمان تمثيل الدروز في الكنيست رغم قلّة نسبتهم (%1 من مواطني الدولة و%7 من العرب) قضيّة الحزبين الأكبرين، العمل والليكود، وبالتنسيق التام بينهما توصية طبعا من المخابرات، فضمن كل حزب لهم مقعدا على لائحته مستثمرا كذلك التنافس بين العائلات التقليديّة في قراهم، وكل عائلة تجمع لفيفها المحلّي ليصوتوا ليس للحزب بل للمرشح في الحزب شخصيّا ركضا وراء مصالح حياتيّة رهنتها المؤسسة بهؤلاء المرشحين قبل هذا وبعد هذا، (بدءا من رخصة بارودة صيد ومرورا بتوظيف معلم أو حارس حدود أو سجّان وانتهاء حتى بالقبول لمواضيع معيّنة في الجامعات كالطب مثلا)، ودون أن تغفل المؤسسة القيادة الدينيّة أو تنتقص من بقيّة الزعامات العائليّة والبدائل "المتعلمة" التي صنّعتها .

رغم ذلك، ظلّ التيار الوطنيّ الذي رأى في البيت العربيّ بيتا، يتنامى وإن بمحدوديّة امكانيات، وما من شكّ أن الحزب الشيوعي دعم هذا التيار ميدانيّا، وبما لا يقل أهميّة بإرسال العديد من أبنائه في منح دراسيّة للأقطار الاشتراكيّة، وعلى المستوى الانتخابيّ البرلمانيّ جاء ترشّح محمد نفاع للكنيست في انتخابات عام 1988 وإن بالمناوبة، دفعا آخر هاما، فارتفعت أصوات الجبهة في بيت جن مثلا بنسبة %400 وشهدت زيادة ملحوظة في بقيّة القرى، وجاءت بعدها في العام 1989 الانتخابات المحليّة لتحقق الجبهة إنجازا آخر في رئاسة مجلس محلّي بيت جن، ليلخّص الحزب حينها وبقلم طيب الذكر توفيق طوبي، أن هذا من أهم الانجازات التي حققتها الجبهة.


العرب الدروز وتاريخيّة سلوكهم الانتخابيّ البرلمانيّ

الجزء الثاني...

الازدياد المضطرد في التصويت للحزب الشيوعي بين الدروز وإن تأثر بوجود شخصيّات درزيّة على اللوائح ولكنه لم يكن بسبب ذلك، ومع هذا تكمن أهميته في إفشال ولو بشكل جزئيّ مخطط الفصل المؤسساتيّ، وإفشال المؤسسة وأزلامها في إعادة ترميم ما تصدّع في جدار العزلة، وهنا كان على الأحزاب "العربيّة" ليس فقط الجبهة وإنما التقدميّة حينها والعربيّ الديموقراطي ولكن بالأساس الجبهة تجذير هذا التحول في السلوك. وإن كان الحزب العربيّ الديموقراطيّ أولى بعض الاهتمام غير أن التقدميّة بتاتا لم تول الأمر أدنى اهتمام، والجبهة التي حقّقت اختراقا مهمّا لم تستثمره كيفما يجب، ولا أقصد الكتوراليّا فقط وإنما مبدئيّا كذلك.

الازدياد المضطرد في التصويت للحزب لم يرتبط بشخص المرشّح ولكن ذلك عزز هذا السلوك، إلا أن انتخابات عام 1992 جاءت لتشكّل "سوء استثمار" للسلوك الانتخابيّ الجديد للعرب الدروز، وذلك على خلفيّة تحييد محمد نفاع من قائمة الجبهة، والذي فُهم حينها أنه جاء على خلفيّات انتمائيّة ضيّقة ليس فقط للقطاعات التي جدّدت سلوكها وإنما لبعض أهل البيت. 

ولكن النقطة الفارقة الأهم أن تصدّعا بدأ على خلفية ذلك في صفوف القوى الوطنيّة، ولم تشفه انتخابات ال-1996 رغم ترشحّ "درزيّ" في القائمة المشتركة حينها (الجبهة التجمع) وإن كان له حصّة تناوبيّة في عضويّة الكنيست حسب الاتفاق المبرم، وهذه المرّة بتاتا لم يكن التصدّع على خلفيّات موضوعيّة، ولازمت آثاره مسيرة تلك القوى في السنوات التي تلت وما زالت حتى اليوم ممّا ساهم في تجذير السلوك الانتخابيّ التقليديّ أو على الأقل لم يحد منه.

جاءت سنوات العقد الأخير من الألفيّة السابقة عجاف حتى النخاع في العمل الوطنيّ بين العرب الدروز، وعلى الصعيد الانتخابيّ شهدت انتخابات 1999 محاولة أخرى لترشّح رفاق "دروز" في قائمة الجبهة باءت بفشل ذريع، ومحاولة أخرى لحركة المبادرة التي كانت انشقت عن لجنة المبادرة للترشح في القائمة الموحدة إلا أنها أيضا فشلت. وكانت هنالك مجموعة أخرى ضمن جبهة الوحدة الوطنيّة ولاحقا حركة الوحدويين الوطنيين والتي خاضت الانتخابات بتحالف ضمها والحركة العربيّة للتغيير والتجمع في قائمة حملت اسم "التجمع الوحدوي الوطني" مثّل الوحدويين فيها كاتب هذه السطور، ورغم أن الترشيح جاء باسم الوحدويين الوطنيين إلا أن ذلك شهد اختراقا ملحوظا في الساحة العربيّة الدرزيّة ولم تكن بعد زيارات التواصل قائمة.

هذا التشظي في الحركة الوطنيّة العربيّة الدرزيّة من ناحية، ومن الأخرى انحسار تأثير القيادات التقليديّة أبناء العائلات الكبيرة، وخروج خريجي مدرسة "حلف الدم" إلى الساحة وبالذات المتقاعدين العسكريين منهم، ساهم كل هذا في أن يظلّ السلوك الانتخابي المسيطر هو السلوك التقليديّ الشخصيّ المفتش أصحابه عن أي حزب "يظبهم" المهم أن "يعملهم" أعضاء كنيست. هذا السلوك تعزز أكثر وبعد أن تخلخلت الخارطة الحزبيّة الصهيونيّة فصار لهؤلاء فضاء أوسع وفي كل عرس حزبيّ صهيونيّ تجد لهم قرصا يتشاركون فيه مع قطاع من المصوتين، فلا يبخل (!) الدروز بأصواتهم على أي حزب وأي كان، خصوصا وأن في صفوفه من لدنهم ابنا سيوفر لهم جنّات النعيم من خلال حزبه !.

دخول التجمع الوطنيّ على الساحة شحذ كذلك همم الجبهويين تنافسيا، فشهدت انتخابات ال-2003 ارتفاعا جدا جدّي في تصويت العرب الدروز للأحزاب العربيّة، وبالمناسبة دون أن يكون هنالك مرشح "درزيّ" على اللوائح، وهذا التوجه ازداد بشكل كبير عام 2006 إذ وصلت نسبة التصويت للتجمع في بعض القرى (ليس بيت جن) %28 وقدّرت أصوات التجمع ما بين 5000 إلى 6000 آلاف صوت والجبهة بين 2000 إلى 3000 صوت، وهذه أرقام جدّ كبيرة ومفاجئة، وليس فقط بسبب ترشّح "دروز" أو زيارات التواصل، وإنما مثلما تبيّن لاحقا في الدراسات التي صدرت عن مؤتمر هرتسليا للشؤون الاستراتيجيّة وقسم العلوم السياسيّة في جامعة حيفا، أن هنالك تحوّلا هام لدى العرب الدروز بدأت بوادره الميدانيّة في بداية العقد الأول من القرن الأول من الألفية الحالية.

الأحزاب الصهيونيّة ردّت بفتح الأبواب أكثر لمرشحين دروز في أماكن مضمونة أو متقدّمة وبدل الحزبين صار بأربعة وبخمسة مرشحين في انتخابات الدورة ال-18 العام 2009، خصوصا وأن المؤسسة رأت أنه في الدورة 17 للكنيست صار النائب التجمعيّ "الدرزيّ" عنوانا لقضايا العرب الدروز. في هذه الانتخابات ال-2009 "تنافس" على الصوت الدرزي أربعة مرشحين مضمونين أو شيه مضمونين في الأحزاب الصهيونيّة وواحد في الأحزاب العربيّة امتنع فيها عن التصويت قرابة ال%50 من الدروز وهذا بحد ذاته كان مؤشرا هاما، وحلّ المرشح المتقدّم في الحزب العربيّ (التجمع) ثالثا متقدما على مرشّح كديما والليكود، إلا أن التاريخ أعاد نفسه لشديد الأسف وإذ بالنائب التجمعيّ "الدرزيّ" "تروح عليه" وطنيته وقوميّته وعروبيّته ولا يبقى منه إلا درزيّته لدرجة أن أحد "المفكّرين الأفذاذ" في التجمع استطاع أن يفرز أصوات الدروز للتجمع ويحددها بمنزلة الآحاد حتى فنشر "بحثه" مفيدا أن التجمع حصل فقط على 2556 صوتا بين الدروز!؟.

هذا السرد التاريخيّ للسلوك الانتخابيّ للعرب الدروز هو ليس للتأريخ وإنما للتوخي، فهنالك في الأحزاب ومن خارجها الأكْفاء الكثيرون الذين يستطيعون أن يتبوؤوا عضوية الكنيست وحبذا لو كان هذا هو المعيار وبغض النظر عن "نوع الوِلاّدة"، ولكن ما دامت مصطلحات (الأطياف والشرائح والقطاعات ووو) دخلت القاموس ومنذ العام 1992 على الأقل وجهارة، فالمتوخى من أصحابها إن أرادوا عودة سريعة لقطاعات واسعة على الأقل من العرب الدروز إلى البيت الطبيعي ومن أجل سلامة هذا البيت، أن يأخذوا بالحسبان هذا السلوك الانتخابيّ للعرب الدروز وعلى الأقل في قائمتهم المشتركة المزمعة.

هذا السلوك أولا لا يختلف بماهيّته عن السلوك العربيّ العام للقطاعات غير المسيّسة من المصوتين وهي الغالبيّة، وثانيّا إن استثمار هذا السلوك في الاتجاه الصحيح وبعد أن تصدّع الحاجز الذي أعلت بنيانه المؤسسة كفيل بأن يهدم هذا الحاجز إلى غير رجعة، فلا يستهينَنّ أحد بمعنى أن يكون ممثلا عربيّا درزيّا في القائمة العربيّة المشتركة (رغم أني على المستوى الشخصي لا أحبّذ مثل هكذا قائمة)، وشعبنا أثبت في انتخابات ال-2009 على الأقل أن شكل ولادة الوطنيّ البيولوجيّ بتاتا ليس لاعبا عنده والمؤسف أنه يلعب في عقول بعض القيادات، فلم تشمل قائمة التجمع في هذا العام كل ما اصطلح على تسميته أطياف شعبنا وزادت أصواتها عن الانتخابات التي سبقت 1200 صوتا.

وإن كان لا بدّ من برهان فالتجربة أكبر برهان كما يُقال، ولي تجربة فيما أقول ولولا طول الحديث لسقت مائة مثل في معاني ونتائج مثل هكذا وجود في محطات كثيرة، ولعلّ في استقتال واستكلاب واستضباع واستشراس المؤسسة في ملاحقة رموز هذا التوجه وهذا التيار، أكبر بيّنة لأهميّة وأبعاد ما أقول.

مبدئيّا، وهذا هو رأيي الشخصيّ أربأ بالأحزاب العربيّة أن تسلك سلوك الأحزاب الصهيونيّة في هذا المجال وليكن المرشح فيها ليس على حسب "الكوتا" أو "الأطياف" أو "الشرائح" والبديل الأهم هو العمل الميدانيّ بين العرب الدروز والتواصل معهم بغض النظر عن وجود أو عدم وجود مرشح "درزيّ" أمّا والحالة كهذه فلا ضير في ذلك إن كان "قد الحمل" فكرا وعملا، فالوطنيّ هو وطنيّ بغض النظر عن شكل ولادته، وهنا تقع مسؤوليّة بدرجة متساوية على القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة ولكنّا جميعا لم نرق إلى المطلوب وأسباب التشظّي أبدا ليست موضوعيّة، وهنا أيضا لم تفعل الأحزاب العربيّة ما هو مطلوب ومتوخى منها كذلك، لا بل أكثر من ذلك في غالب الأحيان ساهمت في تجذير هذا التشظّي ومن مناظير حزبيّة ضيّقة بعيدة كل البعد عن البعد الوطنيّ لحالة هي خاصّة وطنيّا ، كان يجب أن يكون التوجه نحوها من باب التعددية وليس من باب الاستفادة الحزبيّة الضيّقة.

كي يكون ما قلته في هذه النقطة أعلاه واضحا وجليّا أسوق مثلا هذه الحقيقة التاريخيّة: عندما أعيد تشكيل سكرتارية لجنة المتابعة قدّمت للجنة ورقة عمل شاملة وجرت الكثير من الاتصالات حول الحاجة الوطنيّة لأن تضم السكرتاريا ممثلين اثنين عن التيارين المركزيين العربيين الدرزيين الوطنيين، إلا أن الورقة أجهضت واللجنة بكل مركباتها لم تُعر ( وهذا فعل مخفف) هذا الطرح الاهتمام المطلوب وبسبب مناكفات حزبيّة وفئويّة، وظلّت سكرتاريا اللجنة دون تمثيل وطنيّ عربيّ درزي كحاجة وطنيّة لحالة خاصّة.

هذا السلوك الانتخابي ليس قدرا من السماء وإن توفرت النيّة المقرونة بالعمل لدى الأحزاب والحركات العربيّة والقوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة فيها والمستقلّ منها، حتما سيتغيّر هذا السلوك لأنه، وحتى حياتيّا، مهما اعتقد سكان أو بعض سكان "جزيرة" التعايش معها لكن التعايش مع "المحيط" هو الأهم وليس مع الجزيرة.

سعيد نفاع
أواسط كانون ثاني 2015

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]