يكون هدرا للوقت أن يسأل احد عما اذا كانت المقاومة سترد على عدوان إسرائيل الصارخ ، باستهداف محور المقاومة على ارض سورية محررة و النيل من قادة و مقاومين سبعة ارتفعوا شهداء بعد أن أصابتهم صواريخ موجهة من مروحية صهيونية خرقت خط وقف اطلاق النار في الجولان و انتهكت اتفاقية فض الاشتباك للعام 1974 والموقعة برعاية الأمم المتحدة ، صواريخ أكدت فيما نجم عنها وحدة محور المقاومة و أظهرت فعليا أن الإعلان الذي عبرت عنه الصورة الثلاثية التي جمعت في شباط 2010 رئيسي ايران و سورية و أمين عام حزب الله ، هو إعلان للعمل باستراتيجية وحدة الجبهة مع تعدد محاور القتال فيها . فالسؤال إذن ليس هل ترد بل هو كيف يكون الرد، وهل من تداعيات ستترتب عليه، وإلى أين تتجه المنطقة بعده.
فالرد محتم، ولا يمكن لمحور المقاومة أن يسكت على عدوان أرادت منه إسرائيل توجيه رسائل استراتيجية وعملانية وسياسية هامة، وأن تهدم معادلات وتقيم خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة تتجاوز كل المنجزات والمكاسب التي حققها محور المقاومة خلال العقدين الماضيين. لذلك من البديهي أن يكون للرد المحتم طبيعة استراتيجية قبل كل شيء. ثم إن محور المقاومة ملزم بالإجابة على الرسائل الإسرائيلية برد يحمل لها إجابات تعاكس ما تبتغيه أي يجب إن يعطل الأهداف الإسرائيلية من العدوان وأخيرا يجب أن تعاقب إسرائيل على فعلتها حتى تدرك بان جريمتها لا تمر هكذا لردعها عن ارتكاب مثيل لها مستقبلا ولتكريس معادلة توازن الردع بكل تأكيد، ولهذا نرى أن الرد الذي ستواجهه إسرائيل سيكون ردا مركبا ذو أبعاد ثلاثة: بعد استراتيجي، وبعد تعطيلي لأهداف العدوان، وبعد عقابي رادع.
ففي البعد الأول أي الاستراتيجي فأننا نذكر بما كان الرئيس الأسد قد أعلنه قبل سنتين تقريبا لجهة تغيير الوضع على جبهة الجولان والتحضير لفتحها أمام المقاومة الشعبية، كما والتوقف عند تأكيد السيد حسن نصر الله مؤخرا بان المقاومة الشعبية السورية باتت حقيقة قائمة في الجولان وأن المقاومة الإسلامية تقدم لها ما أمكن من خبرات، أما الآن فأننا نعتقد بان تلك المقاومة ستنطلق مستندة إلى محور المقاومة كله بعد توسيعه بعودة من غادر والتحاق فصائل جديدة به، ستنطلق في مهمة مقدسة هي تحرير الأرض بعد تغيير الواقع على خط إطلاق النار في الجولان الذي أسقطت إسرائيل بعدوانها ما كان ينظمه من بنود اتفاقية فض الاشتباك، وبات على إسرائيل أن تواجهه جبهة مقاومة واحدة طولها أكثر من 150 كلم تبدأ من الناقورة غربا وتصل إلى الحمة الأردنية شرقا مرورا بالجولان.
أما في البعد الثاني أي تعطيل أهداف العدو فأننا نتوقع أن يقوم محور المقاومة بدراسة أهداف العدوان بتروي وعمق وتأن وبمنهجية علمية ثم ينطلق عاملا على تعطيلها بشكل أكيد.
فقد شاءت إسرائيل بعدوانها أن تقطع الطريق على محور المقاومة في سعيه لتوسيع مفاعيل معادلة توازن الردع وتمديد خط المواجهة المقاومة الفعلية من لبنان إلى الجولان، وهنا يكون الرد بتأكيد الاستمرار في العمل في الجولان وتطوير المقاومة الشعبية السورية فيه مدعومة بخبرات وقدرات المقاومة الإسلامية التي ينظمها ويقودها حزب الله. ويجب أن تدرك إسرائيل أن جبهة الجولان فتحت أمام المقاومة ولن تغلق قبل تحرير الأرض.
و قد شاءت إسرائيل أن تؤكد جديتها في إقامة الحزام الأمني في الجولان لتولي شانه المباشر لإرهابيي جبهة النصرة الذين يعملون في خدمتها كما عمل في خدمتها يوما في لبنان ما اسمي جيش حداد أو جيش لحد ، و هنا سيكون الرد متضمنا تأكيدا من سورية و بدعم من محور المقاومة بان الحزام الأمني لن يكون له نصيب في الوجود ، و لن يكون له إمكانية الاستمرار إن حصل ، و ستستمر قوات الجيش العربي السوري و معها القوات الحليفة و الرديفة في عملها و إمساكها بالسيطرة على الموقف على خط وقف اطلاق النار و فض الاشتباك مرحليا حتى تحين ساعة التحرير لتندفع عندها عبره و تحقق الأمل المرتقب.
وفد تكون إسرائيل رغبت في إحداث صخب أو ضجيج ما في المنطقة يدفع بالمفاوضات الدولية المرتقب أن تفضي إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني يرسى حلا يصفه الإسرائيليون بان سيكون بالغ السوء عليهم وأن مصلحتهم تكمن في منعه، وهم عجزوا عن ذلك سياسيا بعد أن أعلن أوباما بانه ماضي قدما في المفاوضات وبانه سيستعمل الفيتو ضد أي قرار من الكونغرس لفرض عقوبات على إيران من اجل إجهاض المفاوضات. وسيكون الرد أيضا بالمضي قدما في المفاوضات وتوقيع الاتفاق بما بكرس الحقوق النووية الإيرانية.
إن إسرائيل التي تشعر بالضيق والحرج إقليميا ودوليا، وتدرك أن استعمالها للإرهابيين لإسقاط سورية، بات امرأ عقيما لن يحقق شيئا مما توخت، ترى أن الدخول المباشر على خط المواجهة، وفرض امر واقع على جبهة الجولان قد يحقق لها شيئا مما عجزت عن تحقيقه عبر مرتزقتها من الإرهابيين، لذلك سيكون الرد بالمضي قدما في عمل الجيش العربي السوري الحاصد للإنجازات في الميدان والمعطل للأهداف الإسرائيلية تلك.
أما على صعيد البعد العقابي الردعي والذي سيتمثل بالرد العسكري الأمني المباشر، وهو ما يكاد ينحصر فيه حديث أو تفكير معظم المتابعين عند ذكرهم للرد المنتظر، فإننا نرى أن تحديده يكون بمنهجية تخالف ما سبق، إذ ليس مقبولا أن نقول متى وأين وكيف سيكون الرد وما هي النتائج المحتملة أو التداعيات المترتبة عليه، لان الخوض في مثل هذه المسائل يعتبر مناقضا للقواعد العسكرية المبنية على وجوب التكتم وضرورة تحقيق عنصر المفاجأة لضمان اعلى نسبة من نسب النجاح. وأن العناصر التنفيذية للرد هذا تحدد بنتيجة تقدير موقف يتم وفقا للأصول وعلى الوجهين العملاني والاستراتيجي، وهذا ما تتقنه المقاومة ومحورها، وكما أن الردود الاستراتيجية والتعطيلية تكون فعلا جماعيا مشتركا يقوم به محور المقاومة فان الرد العقابي سيكون كذلك، مع توزيع الأدوار بين المكونات،
وهنا نرى من الخفة والتسرع أن يبادر أحد إلى تحديد شيء من جزئيات تنفيذ الرد العقابي قبل حصوله، من قبيل التوقيت والمكان والنطاق والوسيلة المستعملة والمدى، وإن جل ما يمكن تحديده أو إعلانه هو القول ببعض الضوابط في الرد دون أن تكون هذه الضوابط من قبيل ما يغل اليدين أو يصل إلى التضييق الذي يمنع التنفيذ، لذا نقول بضوابط العمل ولا نقول بموانع الرد وفي هذا الإطار نتحدث عن ضوابط أربعة:
الأول يتعلق بحجم الرد الذي ينبغي أن يحقق الردع المطلوب و ينزل العقاب المؤلم و الثاني يتعلق بالقدرات حيث لا يكلف أي مكون من مكونات محور المقاومة بما لا يستطيع القيام به ، و الثالث أن لا يشكل الرد جسرا لعبور إسرائيل للخروج من مأزقها و الحاق الضرر بالمكونات الشعبية لمحور المقاومة ، و أخيرا أن لا يكون الرد جسرا يعبر عليه نتنياهو لتحقيق مصالحه الانتخابية أو أهدافه الجيوسياسية ، و بعيدا عن هذه الضوابط فكل شيء ممكن دون الخوض فيه علنا حتى لا يجهض العمل بالإعلان المسبق عنه إذ يكون من الحمق إن لم نقل اكثر أن يسرب احد أو يوحي احد باي احتمال حول شيء مما ذكر ، لان ذلك قد يشكل خدمة للعدو و يعقد عمل محور المقاومة و يخفض فرص النجاح في الرد ، و لنتذكر أن بقاء العدو متخبطا في دائرة القلق و الانتظار هو جزء من الرد العقابي أيضا .
[email protected]
أضف تعليق