كل التقدير والاحترام، والشكر والامتنان، للجبهة على التركيبة النوعية لمرشحيها الستة الأوائل لقائمتها البرلمانية. لقد بدّلت وجددّت ثلاثة نواب من أعضاء كتلتها البرلمانية وضمنت المكان الثاني للمرأة. وجميع الستة بالامكان اعتبارهم من الجيل الشاب والمتوسط وكفاة للقيام بالمهمة. إذ جميعهم نشطاء جماهيريون وأهليون وميدانيون، ومثقفون وأكاديميون يمتازون بالمعرفة وبالخبرة العملية الميدانية وبعيدون عن العصبية والفئوية المنغلفة.
وحدها الجبهة، من بين كل الاحزاب والحركات الفاعلة بين الجماهير العربية في البلاد جرأت على إحداث هذا التغيير. وحدها أصغت للنداء الجماهيري عمومًا وللشباب خصوصًا بضرورة التجديد وبإعطاء الجيل الصاعد حقه في تبؤ مركز الصدارة البرلمانية لمتابعة طريق الجيل القديم - راية جيل يمضي وهو يهز الجيل القادم، قاومت فقاوم.
وحين اعادت الجبهة ترشيح النائب دوڤ حنين وبأغلبية كبرى للأصوات (٧٥٪ - وكان نافسه على المقعد الثالث رفيق يهودي)، ضمنت ليس فقط التركيبة العربية اليهودية للكتلة البرلمانية القادمة، وإنما أيضاً عضو برلمان بجيد العمل البرلماني ونشيط وخلّاق. وهذا باعتراف ليس الصديق فقط وإنما الخصم والعدو أيضًا.
وضمنت الجبهة في تشكيلة قائمتها التركيبة المتنوعة لشعبنا، مناطق جغرافية وانتماءات اجتماعية وأهلية بما فيها الدينية والمهنية وتشعبات الحراك الجماهيري الميداني. وأفضل ما حدث هنا أن الجبهة لم تقم بهذا شكلياً وميكانيكياً ولم تختر مَن هو غير مناسب لمجرد تغطيته لخانة اجتماعية أهلية ما. لقد دعمت الذي يستحق بسبب إرث ممارساته ومواقفه أولاً، ولكونه قادراً على تمثيل حزبه وجبهته وشعبنا عموماً بنجاعة. واذا كان يمثل أيضاً طيفاً من أطياف هذا الشعب... زيادة الخير خير. وما من مكان ضمن الستة الأوائل إلا وتنافس عليه أكثر من مرشح. لهذا لم تكن الديمقراطية مجرد فكرة تسمع وإنما ممارسة فعلية.
جيل قديم... شبابي الرؤية
لست من دعاة "صراع الأجيال" بالمطلق. فكم من "شاب" قد يكون أسوأ فكراً وممارسة من "ختيار" ما زال يتمتع بحيوية الشباب فكراً وممارسة. وإن كنت أنا "الختيار" أقول أن لكل زمن رجاله ونسائه. وعموما كل جيل جديد هو ابن لزمنه اكثر قدرة ليس فقط على النشاط، وإنما أيضاً على التجديد وفهم متطلبات الحاضر والمستقبل. ثم المراوحة في المركز نفسه لعقود أو حتى لسنوات عديدة تحمل في طياتها خطر النشوفة وتكرار الذات وعدم الابداع والتعب.
بناء عليه أقول: كل الاحترام والتقدير للنائب محمد بركة الذي رغم أنه لم "يشخ" فكراً ونشاطاً، ورغم طلب البعض منه للتنافس على المكان الأوّل، قررّ أن يسحب ترشيحه وأن يدعم الجيل الصاعد لمواصلة المشوار واستلام الراية دون أن يتخلى هو عن مواصلة نشاطه الفعّال في الحزب الشيوعي والجبهة. والأمر نفسه يجب أن يقال بحق النائب حنا سويد الذي بادر ومنذ أن جرى حل الحكومة وتقديم موعد الانتخابات الى الاستقالة من البرلمان واعلان عدم ترشيح ذاته لدورة قادمة.
لكن اسمحوا لي، أنا الشيوعي والجبهوي السابق المستقيل من صفوفهما عام ١٩٨٨، أن أقول كلمة حق وتقدير بحق السكرتير العام للحزب الكاتب محمد نفاع وبحق كوكبة اخرى من ابناء جيله "القديم" في قيادة الحزب والجبهة الذين رعوا وباركوا هذا التجدد الربيعي للحزب وللجبهة.
وبصفتي شيوعياً قديما وسابقا، اعرف كم يكون صعبا على الشيوعي الذي اعتاد لعقود العمل ضمن نهج فكري وتنظيمي محدد ومحكم، أن ينطلق خارج اقفاص المعتاد. لكن هؤلاء الرفاق في الحزب والجبهة لم ينطلقوا فقط خارج الروتين وانما حلّقوا أيضاً.
حبّذا لو يواصل الحزب والجبهة هذا التجدد والتجديد على مختلف مجالات العمل والأصعدة، بما فيها صعيد استكمال تركيبة قائمتهما البرلمانية بحيث تضم بين مرشحيها في الاماكن الشرفية كوكبة من شخصيات اجتماعية معطاءة ومحترمة جماهيرياً ممن لا يحملون لا بطاقة الحزب ولا بطاقة الجبهة... من مثقفين وأكاديميين وكتاب وفنّانين ومحاضزين مهنيين من شتّى الاختصاصات، رجالاً ونساءً.
الوحدة في الاختلاف
أعرف أن العديد من أعضاء الحزب والجبهة، بمن فيهم بعض أعضاء قيادة وبعض شباب كانوا يفضلون تشكيلة مغايرة للفائزين بهذا المقعد أو داك ضمن الستة الأوائل. هذا أمر وحق ديمقراطي. فقط في المقابر يسود اجماع عام وصمت عام بخصوص كل شيئ. فالجميع هناك لا يرون ولا يسمعون ولا بنطقون... ولا يفكرون. لذا أقول بورك الحزب والجبهة على هذا التمايز والتعدد والاختلاف الداخلي. لأنه في التربة الصحراوية الجافة لا ينبت ربيع الأزهار والنباتات والاشجار المثمرة المتنوعة المثقلة بتنوّع نكهاتها. ولا تعشعش بين أغصانها الطيور والفراشات. ولا تصدح عنها موسيقى متعددة الألحان والنغمات والكلمات. الطبيعة موحدة في اختلافها ومختلفة في وحدتها. هكذا هي الأحزاب الحية بل والإنسان الفرد.
المؤسف أن هذا الربيع الجبهوي لم يصل سائر أحزابنا وحركاتنا السياسية بقوائمها الانتخابية. واعتقد انها بهذا عاقبت نفسها اولا وعاقبتنا عموما كناخبين. وكل من يتصفح وسائل الاتصال الاجتماعي وشتى المواقع الاخبارية يلاحظ هذا الحماس الفائض لخطوة الجبهة بتجديد قائمتها. لقد التزمت الجبهة بجرأتها التجديدية تلك ليس فقط برغبة كوادرها وقواعدها وانما أيضًا برغبة الناخب وإرادة الشارع الجماهيري. شكرا لها!
[email protected]
أضف تعليق