هذا العنوان المُثير أعلاه، ليس مِنّي ، فقط النّقاط والقوسان منّي ،العنوان هو مقال للكاتب العبري : عوفر أديرت ،صحيفة هآرتس 2/1/2015،يتحدّث به عن عمليّات السّطو ،السّلب ،النّهب والسّرقة العلنيّة التي تقوم بها السّلطات الإسرائيليّة المختلفة على الكتب ،المخطوطات ،الوثائق، المطبوعات والمستندات الخاصّة منذ قيام الدّولة 1948 ،المُستباحون المنهوبون هم : اليهود القادمون من اليمن وعرب هذه الدّيار ،وكأنّ الاقتلاع ،التّهجير ،التّشريد والنّكبة لا تكفيهم ،ليتبعها التّطاول على كنوزهم الروحيّة والفكريّة معاً ،يُسهب الكاتب في تطاول السّلطات الإسرائيليّة على الكُتب الدينيّة للقادمين من اليمن بِحُجج واهية مثل : لا مكان في السّفينة الآن لصناديقكم ومدّخراتكم ،سننقلها لكم فيما بعد .....

الكاتب استعار عنوان مقالته من الآية الكريمة :يَأهل الكتاب ،وتعني أصحاب العهديَين القديم والحديث معاً ،وردت هذه الآية الكريمة أربعاً وعشرين مرّة في سُور :البقرة ،آل عمران ،النّساء والمائدة ، منها :قُل يَأهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ،لِمَ تُلبسون الحق بالباطل ،بين أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله .....الكاتب أضاف الى لازمة الآية كلمة : المسروق ،ليُصبح عنوانه : يَأهل الكتاب المسروق !استناداً على سرقة المطبوعات علانية في وضح النّهار ،ولم ترْعَوِ السّلطة عن نهب ،سلب ، سرقة ومصادرة الكتب الدينيّة العبريّة وتفسيرات واجتهادات حكماء يهود اليمن ،السّلطة الإسرائيليّة سلبت هذه المدّخرات بطرق منهجيّة بها الكثير من الغِش ،الخداع ، المكر والاحتيال ،مثل :افتعال حريق مُدَبّر في ميناء يافا ،لِإيهام أصحابها بِأن الكتب احترقت ،الطّلب من أصحابها الشّرعيّين إظهار مستندات ملك ،لازم هذا سرقة أطفال يهود اليمن في طريقهم الى أرض الميعاد ،والادّعاء فيما بعد بِأنّ الأولاد ماتوا ،وحفروا لهم قبوراً وهميّة وضعوا عليها لحدات كاذبة !
في نهاية المطاف وصلت الكتب الى معاهد جامعيّة ،مكتبات كُنُس ،متاحف ،تجّار خصوصيّين في البلاد والعالم ،الكثير منها وصل الى المكتبة الوطنيّة في القدس الغربيّة ولبعض الأرشيفات ،ثمّ يتساءل الكاتب :كيف حُفظت كتب التّوراة في الخارج ؟وفي دولة اسرائيل ،بلاد العبريّين سُرقت !

وإذا قلنا :بقر الدّير بْزَرع الدّير !فالأمر خرج عن هذا النّطاق ،لِيصل النّهب الى المكتبات العربيّة في القدس إبّان الاحتلال 1948 ،من بين المكتبات الهامّة التي نُهبت : مكتبة طيّب الذِّكْر الكاتب الكبير والمربّي الفاضل :خليل السكاكيني 1878- 1953 ، عضو مجمع اللغة العربيّة في القاهرة الذي وضع مجموعة من الكتب الهامّة ،من بينها كتب تدريس اللغة العربيّة :الجديد في القراءة العربيّة ، طُبٍعَ تسع وعشرون طبعة ،وأنا من الجيل الذي حالفه الحظ من التّعلّم في كتابه :راس روس ! اعْتُقِل وسُجن الكاتب بسبب آرائه الثوريّة التقدّميّة ،كما التحق بقوّات الثورة العربيّة ،وكتب نشيد الثورة .....

الباحث الدكتور :جيش عميت ،درس الكثير من وثائق الأرشيفات فقال: القضيّة بدأت مع الحرب ،عاملو المكتبة الوطنيّة الجامعية رافقوا جنود جيش الدفاع ،وجمعوا عشرات آلاف الكتب ،الصحف والمخطوطات التي تركها العرب الذين غادروا بيوتهم في القدس ، أُشيرَ لهذه القضيّة في بعض الوثائق الدّاخليّة للمكتبة ،من خلال مراجعة الوثائق تظهر صورة مُركّبة ،البعض يرى بها عمليّة سلب ونهب ،البعض الآخر يرى بها عمليّة انقاذ وصيانة .

عمليّة جمع الكتب العربيّة حظيت باهتمام كبير على أعلى المستويات في الدولة ،شُكِّلت لجنة لمرافقة الجنود وجمع الكتب من البيوت ،حوالي 30000 كتاب ،مئات المخطوطات والمجلاّت المقدسيّة العائدة لمؤسّسات في منطقة المعارك ،تقول الوثيقة : أحد الأشخاص الذين أُخذت كتبهم هو خليل السكاكيني ،معلّم وكاتب عربي مسيحي ،مفكّر فلسطيني بارز،غادر بيته في حيّ القطمون يوم 30/4/1948 ،فيما بعد كتب في مذكّراته عن فراق كُتبه :لَكِ منّي السلام يا مكتبتي ،عليك َالسلام يا بيت الحكمة ،هيكل الفلاسفة ،معهد العلوم ،مجمع الأدب !كم من الليالي الطّويلة قضيتها بِكَ أقرأ وأكتب ،الليل صامت والرّجال نيام ...سلام لكِ يا كتبي المختارة ،العزيزة عليّ،لا أدري ما أصابكِ بعد الرّحيل ، أسُرِقتِ ؟ أحُرقتِ ؟

أنُقلتِ باحترام لمكتبة عامّة أو خاصّة؟ أوصلتِ الى الأكشاك والدّكاكين لتغليف البصل في أوراقكِ ؟...يعزّعليّ أسْرُكِ؟ لأنّكِ كنتِ غذائي الرّوحي ، كنتُ وما زلتُ مُحبّاً لهذا الغذاء ،التصقتُ بكِ ليل نهار ،كلّ من زارني ،ليلاً أو نهاراً، وجدني مواظباً على كتبي، هذا الاقتباس من :كتاب كذا أنا يا دنيا ،صدر بالعبريّة ،دار النّشر : صبعونيم 2007 .

كما يضيف الباحث عميت :في تقرير المكتبة الوطنيّة ظهر اسم السكاكيني مع قائمة ستّين شخصاً امتلكوا مكتبات ،ووصلت كتبهم الى المكتبة الوطنيّة ،في صيف 1967 ،بعد حرب الأيام السّتّة ،ابنتا السّكاكيني :هالة و دُمية ،زارتا المكتبة الوطنيّة ،هالة السكاكيني كتبت في كتابها :القدس وأنا ،صدر بالانجليزيّة 1987 ،تقول هالة : أمين المكتبة سمح لنا باختيار كتاب واحد من كتب أبي للتَصَفّح أمام ناظِرَيه فقط ،كأننا لصوص أدب خطيرتان،منتظراً استعادة الكتاب ، اخترنا كتاب :البخلاء للجاحظ ،هذا الموسوعي الذي عاش في القرن التّاسع ،الباحث عميت أضاف: توقيع السكاكيني ، بالحبر الأسود ، على كتبه ما زال ماثلاً للعيان ،في فاتحة أحد الكتب يظهر العنوان :سَرِيّ السكاكيني 1940 ،سريّ هو الابن البكر لخليل .

يمضي الكاتب قائلاً :مرّت سِتٌ وستون سنة، ومصير هذه الكتب ما زال عالقاً، صُنِفَتْ هذه الكتب في ستّين مجموعة ،طبقاً لأسماء أصحابها الفلسطينيّين ،مع إشارة أملاك متروكة .المكتبة الوطنيّة تتحدّث عن :6477 كتاباً ومخطوطة وتتعامى عن الرّقم 30000 كتاب ...الباحث عميت يضيف ما زالت الصّهيونيّة ودولة اسرائيل ترفض دائماً الاعتراف بأن الحضارة والثقافة اليهوديّة يمكنها أن تعيش كذلك خارج الحدود الاقليميّة لدولة اسرائيل ،بينما بروفسور آخر يعارضه الرّأي. بعد جولة مع هذه الدراسة ، يخلص الكاتب الى القول :في هذه المعاضل الأخلاقيّة يوجد عار ، يتوجّب طلب استغفار وتصحيح ،رغم الوصول الى المحاكم ،لِأنّ الوثائق الأرشيفيّة تشير الى الحَيف التاريخي والمطالبة بالتّصحيح ، إحدى إمكانيّات التّصحيح هي :الإفصاح عن أسماء المالكين العرب ،وقائمة الكتب المجموعة، وبأيّة طريقة وصلت هذه الكتب للمكتبة الوطنيّة ،وبهذا تَتَجَلّى شفّافيّة الأمور ،ما هو مصير الكتب ؟الورثة يطلبون استعادة أملاكهم ، والبعض يكتفي ببعض النّسَخ أو الاكتفاء بالتّصريح والحفظ لدى المكتبة الوطنيّة .لكن ردّ فعل المكتبة الوطنيّة يشير الى أنّها لا تريد المبادرة لِحَسْر اللثام عن أسماء أصحاب الكتب المسروقة ،ولا إعادتها لأصحابها ، إلاّ أنّها ستسمح بعرض هذه الكتب أمام الجمهور للمشاهدة فقط ،قدر الإمكان .الجملة الأخيرة للكاتب هي :يمكن القول بأن ورثة الكهنة اليمنيّين، عائلة السكاكيني الفلسطينيّة ،وآخرين كُثُر ،لن يحظَوا في المستقبل باستعادة كنوزهم الفكريّة التي رعتها عائلاتهم خلال سنين طويلة .

يبدو أن الحرامي ع َ راسو ريشة ،دائماً، وأنّ البِسّ المْخَرّب بيخاف من طَقْطَقة السُّكّرة ،بودّنا أن نشير الى أن المرحوم خليل / أبي سري / واجه الكنيسة الأرثوذكسيّة آنذاك علانية ،لأنّها تسلّطت علناً بقيادتها اليونانيّة على الرّعيّة العربيّة الأرثوذكسيّة ،تماماً كما هو الحال مع البطريرك تيوفيلوس وسيادة المطران الجليل حنّا عطا الله الشّامخ الأصيل ،والمجلس الملّي الأرثوذكسي و نشيطيه الإخوة/ات الوطنيّين الصادقين العرب الفلسطينيّين، وليس الآراميّين ،كما يُبرمج ويُخطّط لهم في الدّهاليز ! نقاط التّقاطع ،التّواصل ، توارد الأفكار ،الاعتزاز بالوطن والقوميّة ،المطالبة بتعريب الكنيسة، الصلاة والطّقوس وتحريرها من مغتصبيها الأجانب، التّاريخ يعيد نفسه، ا والتّقنيّات الحديثة في السّلب والنّهب الاستعمار هو نفسه ،ولو اختلفت الوجوه والاسماء ،الكاتب العبري ،الباحثون المشاركون وجريدة هآرتص يستحقّون التّقدير والاحترام على جرأتهم وإقدامهم لنشر هذه الفضائح الأدبيّة والفكريّة .

عنوان صحيفة هآرتس بيت خليل السكاكيني/اليوم روضة اطفال عبريه


المرحوم خليل السكاكيني في شبابه، شموخ وَتَحَدّ مع المتنبّي
كذا أنا يا دُنيا إذا شِئْتِ فاذهبي ويا نفس زيدي في كَرائِهها قُدُما
فلا عَبَرَتْ بي ساعةٌ تُعِزّني ولا صَحِبَتْني مُهجةٌ تَقْبَلُ الظّلما

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]