نجحت ادارة صحيفة تشارلي ايبدو في تعميق حجم العداء لها ولمنتجها الاعلامي رغم الاقبال الهائل على نسخ عددها الاخير في الاسواق , ولا يمكن قراءة الاقبال بوصفه تأييدا لخط الصحيفة في استهداف الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ولا استهداف باقي الانبياء والمرسلين , بل هي حالة انفعال معرفي ان جاز التعبير لرؤية هذه الصحيفة التي تعرّضت لعمل مسلح افضى الى مقتل عاملين فيها وهو سلوك مبرر تحديدا عن قطاعات كبيرة لم تكن تسمع بالصحيفة اصلا وممن يسميهم علم الاستطلاعات بالمترددين او ممن لا يملكون موقفا محددا .
النجاح الثاني الذي حققته الصحيفة هو اجهاض فكرة مظاهرة الجمهورية التي شارك فيها قرابة المليون انسان لاسترداد ثقافة الجمهورية التي اطلقت اول ثورة في العصر الحديث ونجحت في انتاج تمثال الحرية قبل ان ترتكب خطيئتها الاولى بإهدائه الى ولاية نيويورك الامريكية وثانيها السماح بالاستمرار في خدش وجدان اتباع الديانة الاسلامية والمسيحية مقابل توفير الحماية للسامية بوصفتها الاسرائيلية من اي اعتداء او انتقاد , حيث فصلت الصحيفة ذاتها رساما تهكم على السامية وحاكمته بعدها المحاكم الفرنسية وهذه طعنة لكل احاديث منظري الثورة الفرنسية عن العلمانية وحقوق التعبير .
طبعا لن تُغيّر رسومات الصحيفة موقف مسلم واحد عن ايمانه بديانته وافتخاره بانتسابه الى اتباع النبي العربي الامين الذي ارسله الله رحمة للعالمين , بنفس القوة التي لا يمكن فيها قراءة الاعتداء على الصحيفة بأنه انصاف لرسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ,فالفعلان مجرمّان بالضرورة , لكن اعادة الرسوم المسيئة والاستمرار في الغيّ سيجعل تبرير العمل المسلح ضد الصحيفة اكثر استساغة من متشددين ومن بسطاء لا يملكون الادوات المعرفية للتفريق بين ادانة الرسوم والانتقام من منتجيها , فحجم الايذاء النفسي للرسوم يفوق حجم الايذاء من الاعتداء على الصحيفة .
الرسوم المسيئة تغذّي التطرف وهذا اكثر خطورة من الارهاب لأن البيئة المتطرفة هي الحاضنة الملائمة للارهاب وهي مفرخة للارهابيين سواء الارهاب الديني الذي ينمو داخل كل التربات الدينية وليس داخل تربة دينية محددة او محصورة بالاسلام , فاليمين الصهيوني ارهاب داخل الفكر الديني اليهودي وتفجيرات مركز التجارة العالمي في امريكا قام بها متطرف من اتباع الدين المسيحي , ناهيك عن باقي اشكال الارهاب الذي يتغذى من التطرف .
الاستمرار في الغِيّ وادارة الظهر لمشاعر مليار وثلاثمائة مليون مسلم هو الارهاب الحقيقي لانه يعتدي على وجدان ومشاعر المسلمين والعرب وهنا نستحضر ما قاله المصري الفصيح مكرم عبيد ردا على الجنرال الانجليزي الذي حاول خلق وقيعة بينه وبين شيخ الازهر بقوله « انا مسلم وطناً ومسيحي عقيدةً « , فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام لا يخدش قيمته عند العرب والمسلمين والمعتدلين في العالم رسم كارتوني او يُحسب عليه وعلى اتباعه في العالم عمل ارهابي من مسلم يعاني من اختلال في الفهم العميق للدين الاسلامي الحنيف .
اعادة الكرة بالرسوم المسيئة لن تجعل العالم الاسلامي يتعاطف مع فرنسا وضحاياها , بل سيفتح ابواب الاسئلة الكثيرة عن جدوى السماح للصحيفة بالتطاول في ظل سابقة محاكمة الاساءة الى السامية حسب التعريف الصهيوني , وحينها سيقول العقلاء من العالم الاسلامي والعربي بأن فرنسا ذاقت من السم التي انتجته ودعمته في اكثر من بلد عربي وأن مشروعية ثورتها التي اذهلت العالم وكانت منارة لكثير من الدول في مهب الريح وانها فعلا باتت ساحة نفوذ للحركة الصهيونية العالمية التي تتغذى بالصراعات الدينية والمذهبية بل وتقف وراء كل ملمح تطرف وتدعم كل ملمح ارهاب في الدنيا حتى تتخفى وراءه وتخفي خلفه ارهابها الفجّ .
لن نؤجر عقولنا ونقول ان الرد على ريشة رسام هو طلقة او تفجير ولكن بالقطع ثمة وسائل كثيرة لوقف هذا الغي وهذه الاساءات التي لا يقبلها اي عقل رشيد , ولن تزيدنا رسوماتهم الا مزيدا من الفخر والعزة بأننا من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم .
[email protected]
أضف تعليق