مما لا شك فيه أن تجاوب الأحزاب العربية لإقامة قائمة عربية انتخابية واحدة (على الأقل المعلن لغاية الآن من قبل غالبية الأحزاب العربية الفاعلة)، جاء بالأساس كنتيجة لدعم الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا في الداخل لهذا الخيار، كما يتضح من كافة استطلاعات الرأي العام التي أجريت في الفترة الأخيرة، منها استطلاع مركز مدى الكرمل من الشهر الأخير الذي بين أن قرابة 85% من المستطلعين يؤيدون خوض الانتخابات في قائمة واحدة، ودعم قرابة 88% من المستطلعين لهذا الخيار في استطلاع واسع أجراه مدى الكرمل في أيار 2013، أي مباشرة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، شمل عينة تمثيلية واسعة جدًا (قرابة 1300 مستطلع). مما يعني أن موقف المستطلعين لا يعكس مزاجًا موسميًا أو متأثرا من اقتراب الانتخابات البرلمانية بل هو موقف مبدئي يعكس دعمًا ورغبة حقيقية. ولا ننكر وجود مصالح حزبية وحاجة مشتركة للتغلب على حاجز رفع نسبة الحسم، التي رفعت بالأساس بغية التضييق على الأحزاب العربية. مع ذلك، وحتى لو اعتبرنا جدلا أن مخاطر عدم عبور نسبة الحسم لعبت دورًا في هذا القرار، أعتقد أن قرار خوض الانتخابات في قائمة واحدة، ولو تحقق فعلا، سيكون أحد أبرز القرارات والتصرفات السياسية الجماعية التي اتخذها المجتمع الفلسطيني في إسرائيل منذ العام 1948، وأن هذا القرار عقلاني وفقا للحسابات الجماعية والحسابات الحزبية. وفي هذه الحالة فإن امتحان النتيجة أكثر أهمية من الدوافع والأسباب.

قرار من هذا النوع يعني أولا وقبل كل شيء أن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، بواسطة الأحزاب الرئيسية الفاعلة والتي تمثل غالبية المجتمع الفلسطيني، تشخص أن هناك تهديدًا حقيقيًا لمصالحها وحقوقها الجماعية وعلى مستقبلها. وفي هذه الحالة هناك وعي بأن العمل الجماعي ضروري ويعكس أهدافًا جماعية وجودية، وإلا لفضلت بعض الأحزاب "تسكير حسابات" مع بعضها البعض أو "الانتقام" من بعضها البعض. هذا القرار يجمع بين ثلاثة تيارات فكرية مركزية (ولو كان عدد الأحزاب أكبر من ذلك بقليل) هي التيار الأسلامي والشيوعي والقومي على هدف ومصير واحد لتكون مناسبة فريدة من نوعها في العالم العربي، تلتقي فيها هذه التيارات وتقول إن هناك إمكانية للتعاون وتقديم تنازلات في حال كان هناك تهديد جماعي، وتظهر أن هناك إمكانية للتعاون بين الخصوم السياسيين وبين التيارات الفكرية المتنافسة لو وضعت جميعها المصالح الجماعية القومية الحيوية على رأس سلم أولوياتها، وقلصت من تأثير المصالح الضيقة. بهذا المعنى فإن أبعاد هذا التعاون يمكن أن يشكل نموذجًا للأحزاب في الدول العربية وللتيارات الفلسطينية، ومن منهم غير مهدد بطريقة أو بأخرى. ويمكن أن نجزم بانه منذ نكبة العام 1948 لم يتخذ العرب في إسرائيل قرارًا سياسيًا جماعيًا واعيًا ومصيريًا بهذا الحجم، عدا عن التجربة الفريدة في يوم الأرض وهبة أكتوبر. لكن الاحتجاج والتظاهر الجماعي هو نوع آخر من العمل الجماعي ويختلف عن العمل السياسي البرلماني الجماعي، وتحقيق الثاني أصعب.

إلا أن اتخاذ قرار بالتمثيل الجماعي، وعلى أهميته، يشكل الشق الأول من عملية التحول الحقيقية في العمل السياسي الجماعي للفلسطينيين في الداخل، ويجب أن يتبعها تحول تجاه عمل جماعي مشترك لطرح المطالب الجماعية للأقلية الفلسطينية في إسرائيل أمام النظام الإسرائيلي، والعمل على ترتيب المكانة القانونية والسياسية والحقوق الجماعية. ناهيك عن فتح آفاق جديدة للتعاون بين المؤسسات الأهلية الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني التي عانت بسبب الخصومات السياسية الحزبية، وبينها وبين التيارات السياسية العربية، وفرصة تاريخية لإعادة بناء لجنة المتابعة.

بالتوازي إلى ما ذكر، هناك أهمية إضافية لخوض الانتخابات بقائمة عربية واحدة ورفع التمثيل العربي في البرلمان الإسرائيلي يتعلق بهوية دولة إسرائيل. ففي حال ارتفع التمثيل العربي بشكل جدي في البرلمان الإسرائيلي سيصعب على المؤسسة الإسرائيلية تسويق شرعية مطلبها للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. ناهيك عن امكانية منع وصول اليمين إلى سدة الحكم وهو اعتبار ثانوي حسب رأيي إذ علينا الامتناع من استعمال المفاهيم الإسرائيلية لتبرير قرارات فلسطينية مصيرية، ونحن في صدد مواجهة المشروع الصهيوني بكافة مركباته وليس فقط الشق اليميني منه. وفي هذا السياق لا بد أن نعي أن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل بكافة مركباتها وتياراتها السياسية تشكل المشروع الفكري والسياسي الممانع، لربما الأخير، أمام المشروع الصهيوني وهيمنته. وهذا يضعنا أمام مسؤوليات جمة، أبرزها تفكيك منظومة السيطرة والهيمنة الصهيونية والدفع نحو التحول الديمقراطي. تفكيك منظومة السيطرة الصهيونية يساهم في تحصيل الحقوق الفلسطينية الجماعية وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية عام 1967، وليس العكس.

في ظل كل هذا تبرز أهمية تقوية وتعزيز تمثيل ودور التيار القومي في الداخل الفلسطيني في القائمة العربية الواحدة. إذ سيكون على هذا التيار مهام عديدة، أبرزها الحفاظ على السقف السياسي لمواقف ومطالب القائمة الواحدة، والدفع نحو وضع مطالب جماعية تعكس الحقوق الجماعية للأقلية الفلسطينية كأقلية أصلانية ورغباتنا القومية وتطلعنا للحرية والكرامة. على التيار القومي أن يوضح بشكل جلي الربط بين المطالب اليومية والقومية وعلاقتها بتغيير مكانية الفلسطينيين من خلال العمل البرلماني للقائمة. كذلك على التيار القومي التشديد على خطابه وإبراز خصوصيته لكي لا يخبو في خضم العمل الجماعي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]