يوما الاثنين والثلاثاء الماضيان، كانت أسواق الضفة أشبه بـ»وقفات» الأعياد أو ربما أكثر من ذلك، حيث شهدنا هستيريا تسوق ليس لها مثيل للمواد الغذائية وحتى الملابس الشتوية، وبعض الاحتياجات الخاصة مثل الفوانيس التي تستخدم البطاريات الجافة صينية الصنع!

والمثير في ذلك أن التسوق الهستيري جاء في أيام صعبة، فلا رواتب لموظفي القطاع العام، وبالتالي انعكس سلباً على قليل من المدخرات لدى هؤلاء الموظفين، أو الشراء على الدَّين للذين مازال أصحاب المحلات التجارية لهم ثقة بهم.

في المجمعات التجارية الكبرى وخاصة في رام الله وصل الأمر لأن يصطف على الطابور مئات المواطنين الذين يجرُّون عرباتهم المليئة بكل ما يمكن أن نتصوره.. كميات مضاعفة من اللحوم البيضاء والحمراء، والخضار والفواكه والمعلبات وحتى المكسرات، كما يؤكد أحد المواطنين الذين يعملون في هذه المجمعات.

أما الأفران فقد شهت ازدحاماً لا مثيل له حتى في أيام الحصار والعدوان.. وكانت الطوابير الطويلة تؤكد هذه الهستيريا.. ومن كان يستهلك خبزاً بثلاثة أو خمسة شواكل في اليوم.. اشترى بما لا يقلّ عن 20 شيكلاً خبزاً ولماذا وكيف؟! لا إجابة سوى هستيريا التسوق.

لنعد إلى القصة الأساسية وهي المنخفض الجوي.. الذي ليس هو الأول الذي يضرب المنطقة، ولن يكون الأخير.. وخلال العقود الماضية لم تتوقف الثلوج من التساقط على الأراضي الفلسطينية، ولقد شهدنا ثلوجاً أكبر بكثير، وعواصف أقوى وأخطر من هذه العاصفة، دون أن يكون هناك تضخيم وتهويل للأمر.

المشكلة الأساسية هذه المرة هي في كيفية تناقل المعلومات وإعادة إرسالها، ولعلّ ما يميز هذه العاصفة التي كثرت مسمّياتها (في لبنان مثلا وصلت هذه التسميات إلى أكثر من خمس، حيث قامت كل طائفة أو حزب سياسي أو مجموعة إعلامية بإطلاق تسمية مختلفة لها)، إنها جاءت في وقت أصبحت فيه وسائل الإعلام المجتمعي مصدراً رئيسياً للمعلومة دون التأكد من صحتها، وفي كثير من الأحيان يتم تضخيمها كلما مرت على صفحة «فيسبوك» أو «تويتر» أو «لينكن» أو غيرها من هذه الوسائل.

ومع تهويل الإعلام المجتمعي لتأثير العاصفة، وكأن المنطقة ستمر بكارثة، وان الطرق ستغلق لمدة تزيد على الأسبوع، فإن هواة الطقس والمتنبئين بخبرات محدودة ساهموا، أيضاً، في نقل معلومات غير صحيحة، ولمدة أكثرة من أسبوع تقريباً والمعلومات يتم تضخيمها يومياً. فمن عاصفة أولى ستتبعها عاصفة ثانية أكثر عمقاً وعاصفة ثالثة ابتداءً من صباح الثلاثاء وحتى مساء الأحد، وأن كميات الثلوج ستتراكم على المرتفعات الجبلية التي يزيد علوّها على 1000 متر، ثم 900 متر، ثم 700 متر حتى وصل «الأوكازيون الطقسي» إلى المرتفعات حتى 250 متراً عن سطح البحر، يعني، أيضاً، مناطق الساحل وحتى صحراء النقب.

عملياً، كانت هناك خيبة أمل، وفجأة تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى حرب جديدة بين الناس ومتنبئي الطقس.. والخاسر الأكبر هو المواطن الذي تسوّق بنصف راتبه من المواد التموينية، التي ربما ستستهلك خلال أسبوع.. وخاصة اللحوم والفواكه، والتي ارتفعت أسعارها خلال الأسبوع الماضي.

وإذا كانت لنا عبرة من هستيريا التسوّق فهي: أولاً - لابد من الاعتدال حتى ولو أغلقت الطرق أسبوعاً، وهذا من شبه المستحيل، وثانياً - عدم الاعتماد على مصادر معلومات غير موثوقة ومهوّلة ومبالغة لكل ما تطرحه، وهنا نقصد صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المجتمعية على اختلاف أشكالها. فهل سنعتبر أم أننا سنكرر هستيريا التسوّق، ربما بعد عدة أسابيع؟!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]