كتبنا سابقا (1) عن فهمنا للتحالف أو الحِلف في فقهنا الاسلامي ومشروعية هذا الحلف بين الناس وضوابطه ، سواء في ذلك من تجمعنا معهم رابطة الاسلام أو العروبة أو الانسانية ، وقد رأينا أن تحالفات رسول الله صلى الله عليه وسلم اتسعت جماعة المؤمنين من المهاجرين والانصار وقبائل يثرب ويهود المدينة وغيرهم من الناس.
واعتبرنا أن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية شكلٌ من أشكال التحالف بين أحزاب وحركات ومؤسسات رسمية ( البلديات والسلطات المحلية العربية ) وكذلك التحالف الانتخابي المتوقع والمرجو في القائمة المشتركة بين الاحزاب السياسية المعنية بالتحالف.
والوحدة بالمطلق مفهوم أوسع وأعمق من مفهوم التحالف في سياق الحديث عن العلاقات بين الناس أو الجماعات ، ولا شك أن أسمى وأكمل معنى للوحدة هو رابطة الاخوة بين المؤمنين لقول الله تعالى: " وأنَّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " وقوله سبحانه " إنما المؤمنون إخوة " . ما دون هذه العلاقة المذكورة في الآيتين الكريمتين فان الوحدة تأخذ معنى نسبيا ، فهي تتجلى في علاقات التعاون والمشاركة والتناصح والتحالف والائتلاف وغير ذلك من أنواع العلاقات البينية التي تؤدي دورا في نسْج البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لأي جماعة من الناس أو قوم من الاقوام.
الحركة الاسلامية بمرجعيتها المتمثلة في القرآن الكريم والسنة المطهرة تؤمن أن كل أنواع ومستويات الوحدة مطلوبة ومرجوة ، وهي جزء من أهدافنا وبرنامج عملنا العام. فعلى المستوى الديني نعتبر جميع المؤمنين بالله تعالى أمة واحدة دون الناس ، سماهم الله المسلمين تجمعهم رابطة التوحيد والاتباع لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ويترتب على ذلك حقوق الاخوة والتكافل والتعاون والنصرة والعون والهمِّ الواحد ما استطعنا الى ذلك سبيلا.
والعرب قومنا على اختلاف دياناتهم وطوائفهم، المسلمون بمذاهبهم المختلفة والمسيحيون بطوائفهم المتعددة وكل من تحدث بالعربية لسانا وانتمى لهذه الامة بعاطفته وحمل همها فهم أخوة لنا ونحن اخوة لهم نتعارف بيننا، فنتشارك معهم ونتعاون ونتحالف معهم ونتكافل معهم. وهذه القاعدة تنسحب على علاقتنا بالناس اجمعين وإن كانت للعرب آكد ، لقول الله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ، وقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" .
وما لم يقاتلنا أحد الناس أو يعتدوا علينا أو يخرجونا من ديارنا فإنا نتعبد الله تعالى ببرهم والقسط إليهم والتعاون معهم ومد الجسور والتعارف والتآلف معهم لقوله تعالى "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".
أما من قاتلنا واعتدى علينا وأخرجنا من ديارنا وظاهر على إخراجنا فالحد الادنى عندنا عدم موالاته ولا نصرته ولا عونه على ظلمه وعدوانه، لقوله تعالى "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
الحركة الاسلامية تمارس هذه المعاني والقيم الاسلامية الانسانية السامية في الدعوة الى الله تعالى والتربية الاسلامية وفي علاقاتها مع الاخرين من أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل فمددنا الايدي والجسور من سنوات وسنوات ندعو الى الوحدة والائتلاف بين القوى السياسية العربية ومارسنا هذا النداء بصورة القائمة العربية الموحدة منذ العام 1996 وما زلنا نعمل على تأكيده وترجمته على نطاق اوسع.
لقد ذللنا في سبيل هذا المبدأ الكثير من العقبات والصعوبات وتجاوزنا الحواجز النفسية والافكار المسبقة التي فرقت أبناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد ومزقت في كثير من المراحل نسيجه الاجتماعي ووحدة صفه، وها نحن من جديد نمد أيدينا الى أهلنا وإخواننا فلسطينيي الداخل من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية؛ هيا لنبني وحدة صفنا من جديد نؤكد المشترك ونتعاون فيه، ونتفهم المختلف ونعذر بعضنا بعضا فيه ونواجه سويا تحديات الاحتلال والعنصرية وسلب الحقوق والتهميش. طريقنا في ذلك واضحة المعالم نبني تحالفنا الوطني الاستراتيجي من خلال لجنة المتابعة العليا ونعزز هذا التحالف بتحالف آخر له طابع سياسي من خلال القائمة المشتركة.
كلمة واضحة في سياق الحديث عن الوحدة بين جناحي الحركة الاسلامية المختلفين منذ العام 1996. أكدنا موقفنا مرارا وتكرارا ان الوحدة بين جناحي الحركة الاسلامية فرض واجب وليس خيارا ، وبيَّنا لإخوتنا في الجناح الشمالي في رسائلنا الموثقة الموقعة باسم حركتنا، أننا سنزيل أي عقبة في طريق الوحدة وسنذلل كل المعوقات ، وطالبناهم بفعل الشيء نفسه وهو عدم عرقلة مشروع الوحدة بأي شروط أو مواقف أو تصريحات أو تلميحات تعزز الانقسام وتبعدنا عن الهدف المنشود .
الوحدة في نظرنا ليست شعارات ولكنها مواقف وممارسات واحترام وقبول بالآخر ، والطريق اليها الحوار والتعاون والتقارب وبث روح الاخوة لا تسجيل نقاط على الآخر وتربص عثراته وزلاته وكلنا يخطئ ويتعثر الا المعصوم عليه الصلاة والسلام.
لقد ظُلِمنا عندما قيل إننا (انحزنا الى الكنيست) على الوحدة ، والله يشهد أننا سرّعنا وتيرة محادثات الوحدة قبل عامين حتى ننجزها قبل الاستحقاق الانتخابي ، والوجهة كانت الى تفضيل الوحدة بين شقي الحركة الاسلامية على المشاركة في الانتخابات بغض النظر عن اجتهادات كل طرف في المسألة ، ولكنها نزغات الشيطان التي سولت للبعض ان يجرح ويطعن ويشتم حتى أيقنا ان الوحدة ليست اتفاقا على ورق ومواقع ومناصب بل أخوة ومحبة وعفو وصفح وتسامح وقبول وتضحية وشراكة حقيقية لا تبعية وإقصاء.
نحن اليوم أقرب الى إخواننا من ذي قبل ونسعى الى تعزيز علاقتنا معهم والتنسيق معهم في اوسع دائرة ممكنة، ونحرص الا يمس هذه العلاقة أي شائبة ونتفهم اختلافهم معنا في مسألة المشاركة في الانتخابات حتى لو دعوا لمقاطعتها، أما أن نتهم بأننا (انحزنا الى الكنيست) ففي هذا القول ظلم كبير نربأ بإخواننا عنه .
[email protected]
أضف تعليق