يترقب الأردنيون، خلال الساعات المقبلة، بواكير المنخفض الثلجي العميق الذي اصطلح الراصدون الجويّون على تسميته بـ"هدى". ومن المتوقع، وفقاً لأغلب التقديرات، أن يبدأ تساقط الثلوج من مساء الثلاثاء، ويستمر إلى يوم الجمعة، مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
بالطبع، أعلنت المؤسسات المعنية، مثل أمانة عمان والدفاع المدني وشركة الكهرباء، خططاً للطوارئ، لتجنب ما حدث خلال كانون الأول (ديسمبر) 2013؛ عندما ارتبكت الدولة والمؤسسات في التعامل مع العاصفة الثلجية "أليكسا"، وبدأ المسؤولون -حينها- يختلقون المبررات والأسباب، ويتبادلون الاتهامات، لتفسير حجم التخبط في أداء المؤسسات، بخاصة في مجال الكهرباء وفتح الطرق والأنفاق، وإنقاذ المحاصرين والمرضى، في تلك الظروف الجوية السيئة.
الآن، إذا صحّت التنبؤات الجوية، فإن الدولة أمام اختبار حقيقي؛ الحكومة وأمانة عمان ووزارة البلديات وشركات توزيع الكهرباء والدفاع المدني. وسنراقب جيّداً فيما إذا كنا بالفعل قادرين على التعلّم من دروسنا السابقة وأخطائنا، أم لا.
أهمية ذلك تكمن في أنّه يعطي بالفعل إشارات ورسائل عن حيوية الدولة وسلامة أجهزتها وقدراتها، ومدى إمكانية التعامل مع التحديات المختلفة، سواء كانت طبيعية أم غير ذلك. أي أنّ هذا التجاوب يتجاوز فعلياً التعامل مع العاصفة الثلجية المرتقبة، إلى وصفه "امتحاناً مصغّراً" لما هو أكبر وأكثر دلالة بالنسبة للدولة والرأي العام؛ هل ما نزال خاضعين لعقلية الفزعة والارتجالية والتبريرات، أم أنّه يمكن لنا الانتقال إلى نموذج متقدم، مثل دول العالم المحترمة، في فن إدارة الإمكانات بنجاح؟
حتى لو لم تأتِ العاصفة المتوقعة بقوة العاصفة السابقة، ولا بنتائجها وحجمها، فإن من المهم أن تكون الاستعدادات على درجة كبيرة ومؤثرة. ذلك أنّ قوة الدول وتطورها لا يقاسان بالحروب والقوة العسكرية، بل بفعالية مؤسساتها وإدارتها إزاء التحولات والتطورات المختلفة.
خلال الأسابيع الماضية، أظهرت أمانة عمان مؤشرات مطمئنة في التعامل مع بعض المنخفضات الجوية المصحوبة بالأمطار؛ إذ تجنبت ما حدث في المراحل السابقة، وقامت الفرق التابعة لها بمتابعة الأنفاق أولاً بأول، ومنعت أي تجمع وتراكم للمياه فيها، ما منع حدوث اختناقات مرورية، كما وقع سابقاً.
المواطن هو، أيضاً، أمام امتحان حقيقي في تقديم سلوك متحضّر عقلاني خلال العاصفة الثلجية المقبلة، لكشف مدى قدرته على تحمل المسؤولية، بشكل مختلف عمّا حدث في العاصفة "أليكسا"؛ عندما خرج مئات الآلاف من المواطنين بسياراتهم إلى الشوارع من دون داع أو سبب حقيقي مقنع، ما خلق حالة أشبه بـ"الكوميديا السوداء" في شوارعنا: أعداد هائلة من السيارات عالقة في الشوارع والطرقات، وعائلات تواجه البرد فيها، وأجهزة رسمية معطلة عن الحركة بسبب هذا التراكم الكبير في المركبات!
المشهد الآخر الذي نتمنى ألا نراه، هو ذلك التهافت غير المبرر على التخزين من قبل المواطنين، وكأنّنا في حالة حرب، أو مقبلون على مجاعة، وليس أمام عاصفة ثلجية عابرة لأيام عدة فقط!
الحكومة مطالبة هي الأخرى بأن تكون على درجة عالية من المسؤولية، والاهتمام بالرأي العام ورأيه بما يحدث. ويكون ذلك على صعيد التغطية الإعلامية الجيدة، ووضع الناس، بشكل دقيق، في صورة الأحوال الجوية والمطلوب من المواطنين، مع متابعة نقدية لعمل المسؤولين والأجهزة المتخصصة في عمان والمحافظات المختلفة.
يضرب الناس اليوم موعداً متوقعاً مع العاصفة "هدى"، على أمل أن تكون بداية جميلة للعام الجديد، ليس فقط على صعيد الخير والمطر وما يبثه الثلج من أجواء الفرح، بل حتى على صعيد الإيمان بأنّ الدولة ومؤسساتها وأجهزتها المختلفة والمواطنين جميعاً، مستعدون للتعامل مع الامتحانات والاختبارات المختلفة بنجاح.
[email protected]
أضف تعليق