سعة أشهر من وقوع هجمات 11 أيلول (سبتمبر) -وقبل أيام وحسب من وقف المحكمة العليا إعادة إحصاء الأصوات في فلوريدا، مانحة الرئاسة لجورج دبليو بوش- نشر مسؤولو الاستخبارات الأميركية تنبؤات جاءت في 85 صفحة لما سيبدو عليه العالم في العام 2015. وهو عالم يبدو الآن مألوفاً في بعض الأوجه، وغريباً تماماً في أوجه أخرى. وهو عالم تتوزع فيه القوة وتتداعى-على نحو يعكس واحداً من أعظم الاتجاهات التي شهدها العام 2014، وربما العام الذي سيليه أيضاً.
يحتوي المستقبل الذي تصوره تقرير مجلس الاستخبارات القومي بعنوان "الاتجاهات العالمية في العام 2015" والذي نشر في كانون الأول (ديسمبر) من العام، 2000 على أصداء معاصرة عديدة، كما أشار زملائي في "ديفنس ون". ثمة تقلبات مالية؛ وهجمات سيبيرية مجهولة المصدر؛ وتوسع في الانقسامات الاقتصادية؛ وصين أكثر تأكيداً وعزماً، وكوريا شمالية مالكة لأسلحة الدمار الشامل؛ وهجرة غير شرعية متنامية إلى الولايات المتحدة من أميركا الوسطى؛ وروسيا متقلبة واستبدادية، والتي تظل "ضعيفة داخلياً ومرتبطة مؤسسياً مع النظام الدولي -بشكل رئيسي من خلال مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي"؛ وشرق أوسط معذب بفعل "الضغوط الديمغرافية والاضطراب المجتمعي والتطرف الديني والأيديولوجي والإرهاب"، والذي يقوم بتشكيله التأثير النازع للاستقرار للتكنولوجيا الجديدة وإغواء الإسلام السياسي.
لكن ثمة أيضاً تلك التطورات التي تبقى صعبة على التخيل في العام 2015: قيام دولة جديدة في فلسطين؛ حيازة العراق لأسلحة نووية؛ فقدان اليابان لموقعها كثالث أضخم اقتصاد في العالم. وبدلاً من أن تكون بلداً يترنح عائداً من 13 عاماً من الحرب، استشرفت الدراسة أفغانستان "معزولة دولياً"، والتي تشكل "ملاذاً آمناً للمتطرفين الإسلاميين والمجموعات الإرهابية". (كان أسامة بن لادن مختبئاً في حفرته هناك في ذلك الحين). وبدلاً من التنبؤ بنشوب نزاع طاحن بين القوات المؤيدة لروسيا وتلك المؤيدة للغرب في أوكرانيا، كتب المسؤولون الاستخباراتيون الأميركيون في ذلك الحين أن "من المرجح أن يختار الأوكرانيون من كل الأطياف السياسية خيار الاستقلال بدلاً من إعادة الاندماج في فلك النفوذ الروسي". كما تنبأوا بأن "معظم حالات التقدم التكنولوجي في الأعوام الخمسة عشر المقبلة... لن تنطوي على أثر إيجابي مستدام كبير بالنسبة للاقتصاديات الإفريقية"، ما جعلهم يفوتون، على سبيل المثال، الدور الذي اضطلعت به الهواتف الخلوية في إذكاء الدينامية الاقتصادية في دول الساحل الإفريقي. وفي العام 2015، كما كان قد لاحظ أولئك المتنبئون، ستكون "أجندة أوروبا هي وضع المكونات النهائية لدمج الاتحاد الأوروبي" وهو اندماج يواجه راهناً تهديد الأزمة الاقتصادية المتواصلة للمنطقة.
تنبأ ذلك التقرير أيضاً بسيناريوهات بديلة أكثر جرأة، والتي اعترف مقدماً بأنها غير مرجحة الحدوث: توحيد الكوريتين؛ نجوم "ائتلاف إرهابي دولي ينطوي على أهداف متنوعة معادية للغرب، مع وصول لأسلحة الدمار الشامل"؛ و"مطالبة الصين بأن تفكك اليابان برنامجها النووي، ما يدفع الولايات المتحدة إلى القدوم لمساعدة طوكيو، فيما تسارع القوى العالمية الخطى في اتجاه خوض "حرب رئيسية".
كانت الثيمة الرئيسية الغالبة في تلك الدراسة هي "العولمة"، ذلك المصطلح الأكثر استدعاء للانتباه والمثير للجدل، والذي تسيد في أواخر التسعينيات (من القرن العشرين). ووفق التقرير الذي استند إلى استشارات أجريت مع مجموعة الاستخبارات، مع الاستعانة بآراء خبراء خارجيين، فإن الاقتصاد المعولم سوف يجعل العالم، بالمقارنة، مكاناً أكثر استقراراً في العام 2015. لكن العولمة، وحالات التقدم التكنولوجي التي واكبتها، يمكن أن تنطوي في الوقت نفسه على احتمال تدمير طبيعة القوة في حد ذاتها.
تنبأ المسؤولون الأميركيون في التقرير بأن "الدول ستكون هي اللاعبين المهيمنين على المسرح العالمي، لكن الحكومات ستكون أقل سيطرة باطراد على تدفقات المعلومات والتكنولوجيا والأمراض والهجرات والأسلحة والمعاملات المالية، المشروعة وغير المشروعة على حد سواء، عبر حدودها". وأضافوا أن ما يسمون "اللاعبون من غير الدول" -الذين يتراوحون بين الشركات والمؤسسات غير الربحية ومروجي المخدرات، إلى الشبكات الإرهابية حرة الحركة عبر القوميات- سوف يضطلعون بلعب أدوار أكبر في الشؤون الوطنية والدولية على حد سواء. ومضوا إلى القول: "إن نوعية الحوكمة، على المستويات المحلية والدولية، هي التي ستحدد بشكل كبير مدى جودة تعامل الدول والمجتمعات مع هذه القوى العالمية".
كانت هذه الرؤية لمستقبل تشظي القوة المستقبلي ما تزال غائمة. فالتقرير لم يذكر على سبيل المثال تنظيم القاعدة أو بن لادن. لكن التغطية الإعلامية للدراسة في حينها التقطت ذلك الاستبصار وبنت عليه. وقد لاحظت صحيفة التلغراف اللندنية، على سبيل المثال، أن "العالم على شفا دخول حقبة جديدة قد تشبه نسخة من فيلم جيمس بوند، حيث الشؤون الدولية تقرر بشكل متزايد من جانب المنظمات القوية وليس من جانب الحكومات".
في ذلك الوقت، عقب توني كارون على مكتشفات التقرير لصحيفة التايمز، فكتب: "إن مشكلة إدارة الشؤون العالمية تصبح أكثر صعوبة بسبب القوة المتضائلة للدولة. وقد استطاعت الحرب الباردة أن تنظم تقريباً كل نزاع إقليمي في العالم في داخل نظام كوني للنزاع، وهو ما أدارته في القمة دولتان كانت لهما مصلحة كاسحة في تجنب زعزعة الاستقرار الذي كان سيجرهما إلى أتون مواجهة خطيرة جداً. وبعد أن انتهى ذلك، فإن العديد من الدول التي كانت جزءاً من الإمبراطورية السوفياتية القديمة قد بدأت بالانهيار، والجريمة المتصاعدة، وانعدام القانون، والعنف القبَلي والإرهاب. والمشكلة التي يجري الاعتراف بها في تقرير "الاتجاهات العالمية في العام 2015" هي أن الحكومات لا تتوافر على آليات متقدمة للتعامل مع "اللاعبين من غير الدول".
لم يتنبأ تقرير "الاتجاهات العالمية" المذكور أيضاً بالعديد من خطوط القصة الدولية التي من المرجح أن تتسرب إلى داخل العام الجديد: صعود تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ والمواجهة بين القوات الأوكرانية والمليشيات المدعومة من روسيا؛ والهجوم السيبراني من المنشأ الكوري الشمالي ضد سوني. لكنه تنبأ بالدينامية المتقلبة بين الدول الضعيفة وتلك القوية من جهة، وبين اللاعبين من غير الدول ومن أشباه الدول من جهة أخرى، والتي تتشارك فيها كل تلك التطورات. وكما كتب موسى نعيم في "الأتلانتيك" هذا الصيف، فإن "تخفي الجنود في شكل المدنيين وتجنيد المتمردين المدنيين هي ممارسات قديمة. لكنه اكتسبت في القرن الحادي والعشرين إمكانيات هائلة، كأدوات للحرب". ووراء في العام 2000، كان مسؤولو الاستخبارات الأميركيون قد ألمحوا إلى هذه الظاهرة. وبينما ندخل العام 2015، فإنها أصبحت ماثلة تماماً أمام أعيننا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
What U.S. Intelligence Predicted the World Would Look Like in 2015
[email protected]
أضف تعليق