أن تتعرّف على فلاّح قرويّ مثقّف، مُطّلْع ،رئيس مجلس محلّي سابق ،كاتب ومؤرّخ ،من الرّعيل الأوّل في البساطة ،طيبة القلب ،الشّهامة والكرامة ،الأمر في غاية السّهولة ومتناول اليد، والبيت مفتوح يستقبل الغادي والرّائح ،ضيوفاً أو عابري سبيل ، فهاكُم أخانا وصديقنا :أحمد صالح جربوني / أبو صالح ،بلدة عرّابة البطّوف ،إحدى زوايا مثلّث يوم الأرض وأحد اضلاع هذا المثلّث ،وَلْنُسَمِّه: مثلّث برمودا ، أو مثلّث التّضحية ،الفداء والإنغراس في أرضنا المعطاءة ،كزيتون وسنديان وطننا الغالي ،وعند جهينة الخبر اليقين ، إسألوا عن إحدى كبريات زيتون بلادنا ،فهي في عرّابة ،لدى احد الإخوة من آل رباح ،مُهجّري بلدة حطّين الخالدة ،التي تحتضن مقام النّبي شعيب ،ع، ويحتضنها ،رغم النّكبة والشّتات ،وما زال مسجدها ،نبعها، ركامها ومقبرتها يستغيثون أهل الشّهامة والنّخوة لِفَكّ القيد والأسر ،وإن شئت أن تبحث عن كبار أشجار الملّ/الملّول ،فهي في المنطقة/ 9 /المُحرّرة في مثلّث الأرض ، وإذا حدّثتك نفسك عن سنديانة عظيمة وارفة الظّلال فهي في جبل المُقَلّس جنوبي عرّابة ،حيث يُطِلّ على سهل البطّوف الرّابض عند أقدامه ،ليزوّدنا بخيرات بلادنا ،وإن بحثت عن أمهر التّجّار والباعة المُتَجوّلين ،فالعنوان هو عرّابة وْبَس ْ!حتى لو عَتِب بعض الإخوة في مدينة سخنين العامرة .
هنا حطّنا الجَمّال في رحاب أبي صالح، إعْتُقِلَ بتهمة التآمر على سلامة الدّولة عام 1958 ،فُرِضَت عليه الإقامة الجبريّة 1962 ،لِتَصَدّيه لقانون تركيز الأراضي ،نُفِي الى مدينة بيتح تكفا /امْلَبّس 1963،اعْتُقِل ثانية 1968 ،انْتُخِب لرئاسة المجلس المحلّي 1989 ،عضو لجنة الصّلح القُطْريّة /ليس القَطَريّة ! 1995 ،أصدر مجموعة من الكُتب النّفيسة :صراع على الأرض 1998 ،فُهود الرّوابي 2005 ،عميد الأسرى 2006 ،جمال عبد النّاصر 2010 ،غُبار الأيّام 2013 ،الصّلح سيّد الأحكام 2014 ،وما زال في جعبته الكثير ،إحْنا وإيّاه والخير لقدّام ،يا ربعنا هِلّوا ، يا ربعنا جودوا ،والّلي يرضى بالذّل ايش قيمة وجودو....
دوّن سيرة الرئيس الراحل جمال عبد النّاصر، مُسلّطاً الأضواء على كثير من النّواحي الوطنيّة ، لقوميّة والعربيّة ،ثورة 23 يوليو 1952 ،مجلس قيادة الثّورة ،تأميم قناة السّويس ،الحرب الثلاثية العدوانيّة على مصر ،مروراً بقصيدة الشاعر حبيب قهوجي :
جَنَتْ لصوص الغرب واحتدم الوعيد وانْصَبّت النّيران فوقك بور سعيد
ظَنَّ الغُزاة بِأنّ مصرَ غنيمةٌ وقنالها يُغْزى ببطش من حديد
الله أكبر !يا رجال عروبتي الله أكبر! نحصدُ الباغي حصيد
هذا الى جانب صور تذكاريّة من حياة الرئيس الخالد ،في مناسبات وطنيّة وعائليّة ،ومراحل حياته القصيرة المُفعمة بالعطاء والسّخاء ،ولا ينسى قصيدة الشاعر نزار قبّاني بعد رحيل الرئيس :
قتلناكَ يا آخر الأنبياء /قتلناك وليس جديداً علينا /اغتيال الصّحابة والأولياء /فَكم من رسول قتلناه / وكم من إمام ذبحناه/وهو يصلّي صلاة العشاء/فتاريخنا كلّه محنة /وأيّامنا كلّها كربلاء .
كان هذا قبل عهد داعش ،النّصرة ،الخلافة ،الخرافة واستباحة الأعراض ،السّبي وذبح الأبرياء على أنغام الله أكبر ،والله والإسلام منهم براء .في كتابه فهود الرّوابي ،يُؤرّخ الأخ أحمد سيرة مجموعة من الثّوّار الفلسطينيّين ،كَتَب في إهدائه :الى القائد المُعلّم ...والزّعيم الخالد ،لواء التّحدّي والكرامة ...وصانع التّاريخ الملحمة ،مُحرّر القنال الحزين ... وباني السّدّ العظيم ،غرستَ الكبرياء فينا ....لِتمسح العار ...وَتُطْلِع النّهار .
بين يدينا أخر إصدارات المؤلف: الصّلح سيّد الاْحكام ،في مُستهل كتابه يقول المؤلّف كلمة شكر وعرفان :الى من ناداهم صوت السّماء ،إتّقوا الله وأصلحوا ذات البين ،فَلَبّوا النداء ، أعطوا وبذلوا ،ما تراجعوا ولا وهنوا ،بل ثابروا وأقدموا ،حتى عقدوا رايات الصّلح والسلام ،فكانوا عنوان الزّمان والمكان ،في كلّ صُلح أنجزوه ، إنّهم شيوخنا الكرام : عوض خلايلة، طاهر دهامشة ،محمّد الفرّاج ،عارف حمدان ، يحيى عبد الغني، علي فؤاد ذياب ،صالح خنيفس ، وإبراهيم نمر حسين ، ويضيف قائلاً :رحمكم الله وأسكنكم فسيح جنّاته ،يا مَن تداركتم كل خلاف ، وواسيتم كل مصاب ، ضمّدتم كل الجراح ...يا أحفاد ابراهيم بن سنان ،لكم جزيل الشكر والعرفان ،وجزاكم الله خيراً .
يهدي المؤلّف كتابه :الى أخي وزميلي ،الى عمّي ومعلّمي، الشيخ الفاضل :علي فؤاد ذياب ،كنتَ وستبقى باذلاً باسلاً، كريماً ومعطاءً، حفظك الله ورعاك .
الكاتب رافق وتحدّث عن عقد رايات الصّلح في بعض قُرانا :الرّامة ،عرّابة ،الطّيبة ،بني نعيم ،دير الأسد ،سخنين ،زلفة ،الزرازير، طوبا ،عيلوط، بير المكسور، اعبلّين ، العزير، الناصرة ،كابول ،كفر ياسيف، الجديدة، شفاعمرو، كفر كنّا، المشهد،....يحدّثنا عن الجولات المكّوكيّة التي تقوم بها جاهة الصّلح بين الطّرفين المتنازعين ، أحيانا ليل نهار في حالة قتل و/فورة دمّ/،يُذلّلون الصّعاب ،يُمهّدون العقبات الكأداء ،يكفلون من لا حول لديهم ولا قوى ،يتعهّدون آخذين على عاتقهم ألاّ يَكلّوا ولا يلينوا ،حتى يستتب الأمن والاستقرار ،وتعود المياه الى مجاريها الطّبيعيّة. القاضي العبري الرّاحل :حاييم كوهين ،نائب رئيس المحكمة العليا ،قال للشيخ الرّاحل ،وما رحل ذِكْرُهُ الطّيّب ،صالح خنيفس :نحن قُضاة محاكم مدنيّة رسميّة نَحكم بين الفريقين المتخاصمين ،فريق يخرج فرحاً، والفريق الآخر يخرج لاعناً غاضباً، معتقداً أنّنا أخطأنا بِحقّه ! أمّا أنتم كلجنة صلح أهليّة شعبيّة فَدَوْرُكم أهمّ من دورنا ،حيث تجمعون الفريقين تحت مظلّة واحدة ،يتصافحان ،يعقدان راية الصّلح، مُتَعَهّدَين بنسيان الماضي ،وفتح صفحة جديدة للتعايش والإخاء ،لذلك كان حُكْمُكم ،قضاؤكم أثبت وأنزه من حُكمنا وقضائنا .
الكاتب الكريم يلحق بكتابه القيمي هذا قاموساً خاصّاً لبعض المصطلحات والعبارات المتداولة في مهامّ الصلح ،مثل :البلاء، فورة الدّم، دخيل ،جاهة، عطوة، تقطيع الوجه، الدِّيّة، عقد الرّاية، كفيل الدّفا، كفيل الوفا، نفي وإبعاد، المُنشد أوالقلطة/القاضي العشائري/، مثيلة ، صايحة، بايحة ، حرمة البيت، التّمهيدي، منقع الدّم ،الأخذ بالثأر وغير ذلك .الكتاب غني بوثائق، معاهدات الصّلح وتواقيع نُخبة من أعياننا وشيوخنا كشهداء حقّ، عدل وإنصاف .
وما أحوجنا للمسامحة ،المصالحة ،المسامحة والمُمالحة ،وفتح صفحة جديدة ،بعد أن يحصل كلّ ذي حقّ على حقّه، على الصّعيد الشعبي في مُدننا ،قُرانا ،عشائرنا وطوائفنا، تحيّاتنا القلبيّة وتقديرنا للكاتب المثابر والى مزيد من العطاء وطبقاً لِلآية الكريمة : وَقُل اعملوا فسيرى الله عملَكم ورسولُه والمؤمنون ، وثمّة آية أخرى : إنّما المؤمنون إخوة ،فَأصلحوا بين أخَوَيْكُم ،واتّقوا الله لعلّكم تُرحمون !صدق الله العظيم.
[email protected]
أضف تعليق