في ختام تقريرها السنوي للعام 2013، سنة "المستحيلات الواقعية"، كانت النظرة سوداوية متشائمة، بعدما وجد التطرّف بيئات حاضنة تكاد لا تنتهي، وسادت الفوضى في كلّ الساحات والميادين..

هي سوداوية أثبت العام 2014 أنها كانت في مكانها، إذ إنّ ما حمله العام الآفل لم يكن سوى امتدادًا طبيعيًا وبديهيًا لما حمله سلفه، ليصحّ فيه القول "شرّ خلفٍ لشرّ سلفٍ"، إن جاز التعبير، خصوصًا مع تمدّد الإرهاب وتوسّعه بل تمرّده على "حاضنيه"، بشكلٍ باتت أكبر الدول وأوسع التحالفات عاجزة وأكثر.

حين بات للمسلمين خليفة..

إذا كان نجم "التكفيريين" قد بدأ بالتصاعد في العام 2013، فإنّ تجاهل الكثيرين للخطر الداهم بل نكرانهم لوجوده أدّى إلى ما لا تُحمَد عقباه في العام 2014، العام الذي شهد ولادة "الدولة الإسلامية" التي أعلنها تنظيم "داعش" في المناطق الممتدة على جانبي الحدود بين سوريا والعراق. وبالموازاة، ظهر المدعو أبو بكر البغدادي لينصّب نفسه "أول خليفة" للمسلمين في العصر الحديث في التاسع والعشرين من حزيران، قبل أن يظهر بعد أيام، وتحديدًا في الخامس من تموز، داعيًا المسلمين في كلّ مكان إلى طاعته.

وإذا كان إعلان "داعش" للخلافة بمبادرة فردية أدّى إلى خلافاتٍ بالجملة داخل الصفّ التكفيري الواحد، وهو ما ترجِم بـ"حروبٍ" خاضها الإسلاميون فيما بينهم، خصوصًا بعد رفض "جبهة النصرة" لـ"الدولة"، وذهاب قائدها أبو محمد الجولاني، لحدّ التهديد بإعلان "دولته" في المقابل، فإنّ الإرهاب "الداعشي" لم يستثنِ أحدًا في العام 2014، من المحيط إلى الخليج. فإذا كانت الانطلاقة سابقة للعام 2014 من سوريا تحديدًا، حيث تحوّلت ما سُمّيت "ثورة" يومًا ما إلى رمز لـ"الإرهاب" و"الخراب" دون أن يرفّ جفن أحدٍ ممّن لم يتردّدوا في دعم هذه التنظيمات في بادئ الأمر، فإنّ الرياح "الداعشية" تمدّدت لتصل إلى العراق، حيث وجدت أيضًا من "يحتضنها" في المراحل الأولى، بل "يسخر" من حديث المسؤولين العراقيين عن "مؤامرة" يتعرّض لها العراق، قبل أن تصبح الروايات عن حفلات الجنون "الداعشي" من قطع رؤوس ونحر رقاب على كلّ شفة ولسان، مثلها مثل الأخبار عن اضطهاد المسيحيين وطردهم من أراضيهم.

.. واعترف العالم بـ"الإرهاب"!

ولم يكن صعبًا رصد تمدّد "الإرهاب" الداعشي إلى مختلف أنحاء العالم، حتى بات "حاضنوه القدامى" يرفعون العشرة و"يستسلمون"، وهو ما أدّى لولادة ما سُمّي بـ"التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب"، وذلك في الخامس من أيلول، على وقع الأحداث العراقية، وبعد وصول "داعش" إلى حدود "الدولة الكردية"، حيث المصالح الغربية التي لا تنتهي.

وإذا كانت الضربات الغربية ضدّ "داعش"، والتي حصلت برعاية ومشاركة عربية، لم تؤدّ إلى القضاء على التنظيم الإرهابي، ودفعت الكثيرين للتشكيك بـ"نواياها الحقيقية"، فإنّ العام 2014 سجّل صدور قرارٍ وُصِف بـ"التاريخي" عن الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهابي، وذلك في الخامس عشر من آب يوم أقرّ مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع عقوبات على كلّ من "داعش" و"النصرة". وفيما كان لافتًا ترحيب الحكومة السورية بهذا القرار وإعلانها الالتزام به جملة وتفصيلاً، فإنّ "لغز" التنسيق معها في الضربات التي شنّها التحالف في قلب سوريا بقي دون "حسم"، مع إعلان السوريين أنهم تبلغوا "سلفًا" بأمر الغارات، ونفي الأميركيين لذلك مرارًا وتكرارًا، في وقتٍ لفت أنّ "حلفاء" دمشق، ولا سيما الإيرانيين منهم، كانوا بعكسهم معارضين للتدخل الدولي، الذي لم يفصلوه أبدًا عن التاريخ الغربي والمطامع الأميركية خصوصًا في المنطقة.

فلسطين انتصرت.. وانقسمت

وعلى عكس السنوات الماضية، لم تكن القضية "المركزية" للعرب، فلسطين، مغيّبة عن أجندة العام 2014، ولكن ليس لأنّ العرب تذكروها مثلاً، بل لأنّ دماء الشعب الفلسطيني التي سالت خلال هذا العام "فداءً" للقضية فرضت نفسها بقوة، واستطاعت تغيير قواعد اللعبة في أكثر من مجال.

هكذا، لم يمرّ العام 2014 دون أن تمارس فيه إسرائيل "هوايتها المفضّلة"، وهي التي شنّت حربًا همجية على قطاع غزة، بدأت في الثامن من تموز، واستمرّت لخمسين يومًا على التوالي، لم تخرقها سوى "هدنة" من هنا و"تهدئة" من هناك سرعان ما كانت تثبت هشاشتها وتنهار. وفي وقتٍ كان مقتل ثلاثة شبان إسرائيليين عثر على جثثهم في الثلاثين من حزيران السبب المباشر للحرب، فإنّ اللافت أنّ هذه الذريعة لم تكن "موثقة"، بدليل أنّ حركة "حماس" لم تعلن مسؤوليتها عن هذه الجريمة، كما أنّها ألحِقت بجريمة مضادة، حين أقدم متطرّفون إسرائيلين على قتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وإحراقه حيًا في الثاني من تموز.

وإذا كانت إسرائيل خاضت هذه الحرب بهدفٍ مُعلَن هو وقف عمليات اطلاق الصواريخ التي تقوم بها حركة "حماس"، فإنّ الحرب انتهت دون أن يتحقق هذا الهدف مع صمود الحركة وسائر حركات المقاومة الفلسطينية، بل إنّ الحركة استطاعت أن تفرض شروطها من خلال التعديلات التي أدخلتها على المبادرة المصرية، محوّلة إياها من "خنوع" إلى "انتصار"، وبموافقة إسرائيل رغم أنّ الأخيرة أبدعت في "المجازر" التي شنّتها على القطاع، والتي حصدت ما يزيد على 2200 مواطن فلسطيني.

لكنّ الانتصار الفلسطيني بقي بلا طعم لأنه لم يُترجَم وحدة فلسطينية، رغم إصرار كلّ الفصائل الفلسطينية في بياناتها وتصريحاتها خلال الحرب لا يتحقق إلا بالوحدة، إذ إنّ الخلافات الفلسطينية الفلسطينية كانت أكبر من أن تُحتمَل. وعلى الرغم من توقيع حركتي "فتح" و"حماس" لاتفاق مصالحة في الثالث والعشرين من نيسان، وتشكيل حكومة توافق فلسطيني في الثاني من حزيران، فإنّ الخلافات بقيت تطفو على السطح، إلى أن وقع الانفجار الكبير في السابع من تشرين الثاني مع تفجير عبوات ناسفة بسيارات ومحيط منازل قيادات "فتح" في غزة، ومسارعة المسؤولين في حركة "فتح"، وفي مقدّمهم الرئيس محمود عباس، لاتهام حركة "حماس" بالوقوف وراء الجريمة، وهو ما ردّت عليه الأخيرة في الحادي عشر من تشرين الثاني، متهمة عباس بالكذب والتضليل، ومعتبرة أنّ الشعب الفلسطيني يحتاج لـ"رئيس شجاع"، على حدّ تعبيرها.

الخليج انقسم.. وأميركا تقاربت مع إيران

وبطبيعة الحال، فإنّ الانقسامات والخلافات الفلسطينية الفلسطينية ليست سوى غيضٍ من فيض الخلافات العربية العربية التي تزداد وتتوسّع عامًا تلو عام. وإذا كانت جامعة الدول العربية أكبر الغائبين عن رزنامة العام 2014، بعد قرارها بشطب سوريا من الجامعة وفشلها في تحويل المقعد السوري إلى المعارضة السورية بفرعها "المعتدل"، كما يُقال، فإنّ اللافت أنّ الخلافات دقّت الباب الخليجي هذا العام.

وقد تجلّى الانقسام الخليجي بأوضح صوره في الخامس من آذار حين أعلنت كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها في قطر، في سابقةٍ من نوعها، قيل أنها ما كانت لتخرج للعلن لو أنّ الأمور لم تصل لحائطٍ مسدود، خصوصًا بين السعودية وقطر. وفي وقتٍ قيل أنّ الملف المصري كان هو مفجّر الخلاف بين الدولتين اللدودتين، مع دعم قطر لجماعة "الإخوان المسلمين" ودعم السعودية في المقابل لما سُمّي بـ"الانقلاب" عليهم، فإنّ الخلاف بدا أكبر من هذا الملف، وعلى علاقة بـ"طموحات" كلّ من الدولتين لقيادة دفة الخليج، خصوصًا مع "التمرّد"، إن جاز التعبير، الذي قاده الأمير تميم الذي خلف والده الأمير حمد في قطر، على الرغم من أنّ هذا الملف "طُوي" في السادس عشر من تشرين الثاني في قمة خليجية عُقِدت في الرياض، وتكرّس بقمة ثانية عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من كانون الأول، بل إنّ السعودية ذهبت لحدّ عرض خدماتها لانهاء الخلاف بين قطر ومصر وذلك في العشرين من كانون الأول.

في المقابل، وبخلاف "تمنيات" الكثيرين، فإنّ العام 2014 لم يكتب "النهاية" للتقارب "التاريخي" بين إيران والغرب بشكل عام والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، بل إنّ الغزل والتقارب بينهما زاد وتوسّع خلال هذا العام، وصولاً إلى الاتفاق في التاسع عشر من تموز على "تمديد" المفاوضات لأربعة أشهر إضافية، قبل أن يتمّ تمديدها مرّة أخرى في الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وذلك حتى الأول من تموز من العام 2015.

جنيف سقط.. والأسد لم يسقط

وفي العام 2014، بقي الملف السوري، وإن لم يحمل هذا العام معه "الفرج" المُنتظَر والمأمول لبلدٍ بات يعيش على اضطراباتٍ وحروبٍ لا تنتهي.

هكذا، بدأ العام على وعودٍ بـ"الحلّ السياسي" انطلاقًا من مفاوضات جنيف التي قيل أنها ستنهي بها "المأساة"، فإذا بها "تغرق" في وحول "التفاصيل" التنظيمية تارة واللوجستية تارة أخرى، ليبدو وكأنها كانت مجرّد "استعراض" لا أكثر ولا أقلّ. هكذا، وضع المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي كلّ ثقله على المؤتمر، قبل أن يصطدم بـ"الضربة الأولى" بخلافات المعارضة السورية على المشاركة فيها، والتي أدّت لانسحاب أكثر من أربعين عضوًا من "الائتلاف الوطني السوري" من صفوفه، دون أن ننسى استثناء إيران من المشاركة فيه، رغم تأكيد الابراهيمي نفسه والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على عدم إمكانية تجاهلها في أكثر من مناسبة. وفي الثاني والعشرين من كانون الثاني، انطلقت أعمال المؤتمر الذي لم يُكتَب له النجاح، وهو ما تأكد مع "استسلام" الأخضر الابراهيمي في الخامس عشر من شباط، حيث طلب من فريقي النظام والمعارضة العودة من حيث أتيا، دون أن يحدّد موعدًا لجلساتٍ أخرى.

وإذا كان العام 2014 انتهى على حديث عن "مبادرةٍ روسيةٍ" لم تنضج ظروفها بعد، وإن اتخذت طابع الحوار بين النظام والمعارضة في موسكو، فإنه حمل بين طيّاته تطورات نوعية، يوم تمّ تنظيم الانتخابات الرئاسية السورية كأنّ شيئًا لم يكن، والتي أعطت نتائجها شرعية إضافية للرئيس بشار الأسد بحصوله على نسبة 88.7 بالمئة وفق النتائج التي أعلنت في الرابع من حزيران، وذلك بعد خوضه المعركة في منافسة مرشحين اثنين هما ماهر حجار وحسان النوري.

مصر: حكم العسكر من جديد

الأسد عاد إذًا رئيسًا لسوريا بنسبة 88.7 بالمئة من أصوات الناخبين السوريين، لكنّ عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش المصري السابق الذي قاد ما سُمّي بـ"الانقلاب" على الرئيس المخلوع محمد مرسي المنتمي لجماعة "الإخوان المسلمين"، انتُخب رئيسًا بنسبة أعلى بكثير وصلت، وفق النتائج التي أعلنت في الثالث من حزيران، إلى 96 بالمئة، لتقارب نسبة الـ99 بالمئة التي درجت الأنظمة العربية على اعتمادها طيلة سنوات.

هو حُكم العسكر وقد عاد إلى مصر من الباب العريض، ومن خلال انتخاباتٍ تجرّأ مرشحٌ واحدٌ هو حمدين صباحي على خوضها بوجه السيسي، الذي وُصِف بأنه "المنقذ" منذ عزله الرئيس السابق محمد مرسي واعتقاله، والذي ترك مسألة ترشحه غامضة، يكثر الأخذ والردّ حولها، حتى الحادي عشر من كانون الثاني يوم أعلن رسميًا أنه سيخوض الانتخابات في مصر "إذا طلب الشعب ذلك"، ومع ذلك فإنه لم يحسم أمره حتى السادس والعشرين من آذار ليعلن استقالته من منصبه كوزير دفاع والترشح للرئاسة المصرية.

وإذا كان الحكم العسكري قد رسم تساؤلاتٍ كبيرة حول مصير "الثورة" في مصر، وعمّا إذا كان الشعب المصري يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فإنّ القضاء المصري شكّل الوجهة الرئيسية خلال العام 2014، مع الأحكام القضائية القاسية التي صدرت بحق "الإخوان المسلمين" والتي وصلت لحدّ الإعدام بحق قادتهم، وهو الأمر الذي أثار موجة اعتراض غربية، ردّت عليها مصر برفض التدخل بشؤونها بأيّ شكلٍ من الأشكال، بيد أنّ الحكم ببراءة الرئيس المخلوع حسني مبارك في قضية بيع الغاز الطبيعي الى اسرائيل في التاسع والعشرين من تشرين الثاني بدا فاقعًا، وقد ترجِم بمواجهاتٍ واشتبكاتٍ في الشارع المصري، الذي لم يهدأ يومًا خلال العام 2014، بين الانفجارات المتنقلة في مختلف المدن المصري والاعتداءات الارهابية التي وصلت لسيناء، والتي أعلِنت فيها حالة الطوارئ في الخامس والعشرين من تشرين الأول.

أوكرانيا.. حرب باردة من نوع آخر

أوكرانيا، دولة أخرى انضمّت لقائمة أسماء الدول المتفجّرة خلال العام 2014، وقد شكّلت المحور الأساسي لـ"حربٍ باردة" جديدة بين روسيا والمعسكر الغربي، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية. وإذا كانت التظاهرات في وسط كييف تعود إلى بداية العام، فإنّ التحوّل النوعي في مجرى الأحداث حصل في الثامن من شباط، مع الهجوم الذي شنّته قوات الأمن الأوكرانية على المتظاهرين، وهو الأمر الذي أدّى لأعمال عنفٍ أوقعت اكثر من مئة قتيل خلال ثلاثة ايام. وفيما اتهم رئيس أوكرانيا فيكتور يانوكوفيتش المعارضة بمحاولة الاستيلاء على السلطة بشكل غير قانوني، واعتبر الكرملين الروسي الأحداث في أوكرانيا محاولة انقلاب، سارعت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي إلى الدخول على الخط من خلال فرضها "عقوبات" على من أسموهم "المسؤولين عن العنف". ولم تنفع دعوة الرئيس إلى انتخاباتٍ رئاسية مبكرة، إذ أقرّ البرلمان الأوكراني في الحادي والعشرين من شباط بالأغلبية دستور 2004 الذي يقلص صلاحيات الرئيس، قبل أن يصوّت في اليوم التالي على عزل الرئيس وطلب ملاحقته أمام محكمة الجنائية الدولية. وبالنتيجة، فرّ الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الى روسيا وتم انتخاب الثري المؤيد للغرب بيترو بوروشنكو خلفا له في الخامس والعشرين من أيار.

لكنّ الأزمة الأوكرانية لم تنتهِ فصولاً هنا، وقد ظهرت منطقة القرم ذات نظام الحكم الذاتي والناطقة بالروسية في جنوب اوكرانيا كوجهٍ آخر للصراع، حيث صوّت برلمانها في السادس من آذار على الالتحاق بروسيا، وصدّق في الحادي عشر من آذار على وثيقة الاستقلال عن أوكرانيا، قبل أن يختار 96.6 بالمئة من المشاركين في الاستفتاء الذي نظم في السادس عشر من آذار الانضمام لروسيا. وقد أدّى ذلك لأسوأ أزمة دبلوماسية مع موسكو منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، تبادل خلالها الجانبان مختلف أنواع العقوبات.

انتخاباتٌ وانتفاضاتٌ متنقلة..

وتمتلئ رزنامة العام 2014 بالأخبار الكثيرة عن انتخاباتٍ وانتفاضاتٍ بالجملة عرفتها على مختلف المستويات، لعلّ أبرزها تونس التي سطّرت خلال هذا العام فصلاً آخر من فصول التغيير التي تشهدها هذه البلاد منذ ثورتها الشهيرة التي أطلقت ما سُمّي بـ"الربيع العربي" في مختلف العواصم العربية. وفي هذا السياق، أطاح زعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي بالرئيس المنصف المرزوقي بعد حصوله على ما نسبته ما 55.68% من أصوات الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية، علمًا أنّ السبسي تعهّد بأن يكون "رئيسًا لكل التونسيين"، داعيًا مواطنيه إلى نسيان انقسامات فترة الحملة الانتخابية.

وفي رزنامة العام 2014 الانتخابية أيضًا، سيذكر العالم كله الهزيمة التاريخية التي لحقت بالديمقراطيين في الكونغرس في انتخابات منتصف الولاية الرئاسية في الرابع من تشرين الثاني، والتي يتوقعون كثيرون أن تنعكس على ما تبقى من ولاية الرئيس باراك أوباما. وسجّلت الرزنامة أيضًا انتخاباتٍ أوروبية أساسية في الخامس والعشرين من أيار، أسفرت عن اختراق قوي لاحزاب اليمين المتطرف والمشككين بالاتحاد الاوروبي ولا سيما في المملكة المتحدة وفرنسا، وكذلك الانتخابات الرئاسية التركية التي أسفرت عن فوز رجب طيب أردوغان.

وعلى صعيد الانتفاضات الشعبية، سجّلت رزنامة العام 2014 استقالة بليز كومباوري في بوركينا فاسو تحت وطأة الانتفاضة الشعبية فيما كان يسعى لتعديل الدستور للبقاء في السلطة بعد 27 عاما في الحكم، ولجوئه الى ساحل العاج ثم الى المغرب، كما سجّلت أيضًا المظاهرات الحاشدة في هونغ كونغ في الثامن والعشرين من كانون الأول وذلك للمطالبة بنظام انتخابات عامة حقيقي في المستعمرة البريطانية السابقة، علمًا أنّ الخاتمة لم تكن "سعيدة" مع وضع الشرطة في الخامس عشر من كانون الأول لحد للاعتصام وإنهائه بالقوة.

طائرة مختفية.. وفيروس قاتل!

وبعيدًا عن السياسة والأمن وشؤونهما، حمل العام 2014 الكثير من الأخبار التي ستبقى في الذاكرة. وإذا كانت حوادث الطيران أكثر من أن تُعَد وتُحصى في عامٍ يُقال أنه خرق الأرقام القياسية على هذا الصعيد، فإنّ "لغز" الطائرة الماليزية لا يزال "محيّرًا"، وهو الذي يحمل من الغموض ما يحمل. وفي التفاصيل أنّ طائرة بوينغ 777 تابعة للخطوط الجوية الماليزية اختفت بشكل مفاجئ في الثامن من آذار اثناء رحلة بين كوالالمبور وبكين وعلى متنها 239 شخصا، وبعد ساعتين من إقلاعها. وبالرغم من عمليات بحث واسعة النطاق ومكثفة، لم يتم العثور على اثر للرحلة ام اتش 370، وعلى الرغم من كلّ الاجتهادات والترجيحات التي صدرت، فإنّ أيّ نتيجة "ملموسة" حاسمة بصدده لم تظهر بعد.

ولم يكن "لغز" الطائرة الماليزية "الضائعة" الهاجس الوحيد في العام 2014، إذ إنّ فيروس "الإيبولا" يكاد يتفوّق عليها، وهو الذي تفشّى بشكلٍ واسع وشكّل رعبًا غير مسبوق في كلّ العالم. وقد بدأ المرض بالانتشار من غينيا في آذار، قبل أن ينتشر إلى ليبيريا وسيراليون ونيجيريا، علمًا أنّ رئيس سيراليون أعلن حالة الطوارئ الصحية في البلاد بسبب هذا الفيروس في الحادي والثلاثين من تموز، قبل أن تعلن منظمة الصحة حالة الطوارئ في غرب افريقيا بسببه أيضًا في الثامن من آب. وفي الثاني والعشرين من أيلول، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن 2793 وفاة بـ"ايبولا" في أفريقيا الغربية، قبل أن ترتفع الحصيلة إلى 4033 حالة وفاة بفيروس "إيبولا" في سبعة دول في الحادي عشر من تشرين الأول.

الآتي أعظم؟

هذه هي باختصار سنة 2014، سنة قد لا تتسع المجلدات لسرد أخبارها ورواياتها التي لا تنتهي، سنة تنقّل فيها الإرهاب وتمدّد وتوسّع، لدرجة لم يعد بالإمكان رسم أيّ حدودٍ له أو صدّه في أيّ مجال، سنة استعاد فيه الكثيرون "الحرب الباردة" بتفاصيلها وتفاصيل تفاصيلها.

وللأسف، إذا بقيت "لعبة الأمم" على حالها، فإنّ "الآتي" سيكون أعظم، وعلى كلّ المستويات، ولذلك فإنّ المطلوب قراءة واعية ومتعمّقة لأحداث العام 2014، حتى لا يأتي يوم نترحّم فيه عليها..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]