قريباً نغادر العام 2014 ولسان الحال الفلسطيني والعربي يقول: إنها سنة صعبة وكئيبة على كافة المستويات، وهي بالفعل كذلك قياساً بما جرى من تشوهات في الجسم العربي، وفي القلب منه القضية الفلسطينية التي تشهد تعقيدات الوضعين الداخلي والخارجي.

عربياً ما زالت الحروب والانقسامات الداخلية تفتك بالنسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي لكثير من الدول العربية، وهناك دول في طريقها للتحول إلى فاشلة، وأخرى تعاني حروباً استنزافية من المرجح أن تأخذ سنوات طويلة حتى تنتهي فيها النزاعات، وعقود أطول جداً حتى تلملم جراحاتها وتقف على أرجلها.

المشهد العربي عموماً في العام 2014 كان صعباً جداً خصوصاً على دول مثل سورية واليمن والعراق وليبيا والسودان وفلسطين، والقائمة طويلة والطامة الكبرى أن الشعوب هم أول من يتحمل مسؤولية تخلف الأنظمة واستبدادها وعدم كفاءتها أو لسبب التدخلات الخارجية.

بعيداً عن توصيف الواقع العربي الذي لا يسر صديقاً أو حبيب، فإن المشهد الفلسطيني ليس أفضل حالاً من هذا الواقع العربي المأزوم والمهزوم، والمشكلة في القضية الفلسطينية أنها تعاني من انقسام داخلي ما يزال يضعفها في العمق، ومن صراع وجودي مع الاحتلال الاسرائيلي.

أغلبية الفلسطينيين متشائمون جداً من حالهم وأحوالهم المعيشية، ومن عدم قدرة فصائل الخلاف على تقرير مصير المصالحة لجهة تثبيتها وحسم هويتها، وفي جردة حساب لما تحقق في العام 2014، فإنه سيكون مقترباً إلى حد ما من الرقم صفر أو أعلى منه بقليل.

في العام 2014 حدثت أمور كثيرة، ربما أهمها قرار مغادرة الانقسام الداخلي وإعادة الوحدة بين الضفة وغزة، وعكف أصحاب الانقسام على تشكيل لجان لتفعيل المصالحة ومناقشة القضايا الإجرائية.

وتشكلت حكومة الوفاق الوطني التي استصعب عليها التوفيق ولم الشمل الفلسطيني، ولم تعد السلطة إلى قطاع غزة، فيما خضع معبر رفح الحدودي لإغلاقات كثيرة تفوق مرات فتحه، وارتباط سياسة الإقفال والفتح على أجندات وحسابات الوضعين الفلسطيني والمصري.

أيضاً شهد هذا العام عدواناً قاسياً شنه الاحتلال الصهيوني بغية إضعاف المقاومة وتركيع الشعب الفلسطيني، وتمرير سياسات تستهدف التجويع وضرب المصالحة الداخلية وزيادة الاستيطان وتهويد القدس، واختبار آخر صيحات الإنتاج من الأسلحة الإسرائيلية الجديدة.

ومع أن المقاومة تحملت طوال أكثر من شهر ونصف الشهر الهجوم والعربدة الإسرائيلية، وصبر الفلسطينيون على النكبات والمحارق التي خلفها الاحتلال من عدوانه، إلا أنه لم يجر أي استثمار حقيقي لهذا الصمود الذي سجله الفلسطينيون بعقيدتهم وتماسكهم.

النتيجة بعد العدوان الاسرائيلي أن المصالحة الفلسطينية الداخلية لم تتحقق، ولم تستكمل الحوارات الفلسطينية- الإسرائيلية في القاهرة من أجل حماية المصالح الفلسطينية وترجمة مكتسبات صمودها أمام آلة الدمار الإسرائيلية، ولا جرى فتح معبر رفح الذي تعرض لإغلاق دائم تجاوز الشهرين.

الفلسطينيون في غزة زادوا بؤساً وفقراً، وكل بيت له حكاية وقصص مؤلمة مع العدوان وحتى في سنوات ما قبل هذا العدوان، ولم يتم إدخال المعونات الإنسانية وغيرها بالشكل المطلوب والكافي، ولا حتى دفعت الأموال للشروع في إعمار قطاع غزة، وسط غياب الإرادة الحقيقية والجامعة لإعادة الإعمار.

الكهرباء التي أصبحت ربما المطلب الشعبي الأول في غزة، ظلت على حالها، ثمانية ساعات وصل ومثلها قطع، وفي أيام كثيرة لا يتحصل فيها الفلسطينيون على ساعات الوصل تلك، بينما البطالة تزداد بمعدلات كارثية والحصار يخنق الناس يوماً بعد يوم.

وأما الفصائل، فبعضها يعيش حالة من الركود والبطالة، والبعض الآخر يعاني من أزمات تعصف في وحدته وفي نسيجه الداخلي، وحركة "فتح" التي فجرت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، تشهد اليوم مؤامرات تستهدفها وتستهدف إضعاف مناعتها.

الناس خضعت لامتحان الحياة القاسي الذي أبعد كثيراً منها عن كل عوامل الصمود والمقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وجعلها تركز أكثر على أوضاعها المعيشية والأسرية، والسعي وراء حياة آدمية توفر الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة.

العام 2014 هو الأسوأ على الإطلاق بخصوص الاستيطان وتوسعه وتهويد القدس المحتلة التي خضعت تحديداً لجراحات إسرائيلية مستعجلة بهدف إضفاء الشرعية الدينية والجغرافية الجديدة عليها، وإلباسها اللباس اليهودي.

عمليات الاستيطان المتسارعة زادت أضعاف مضاعفة لما كانت عليه من قبل، وهذا العمل الصاروخي يتصل بصميم السياسة الإسرائيلية التي تريد فرض وقائع تنعكس على قيام الدولة الفلسطينية المستقبلية وعلى شكلها في حال قرر المجتمع الدولي قيامها.

واليوم يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لن يفرط بالقدس وأنها ستكون العاصمة الأبدية لإسرائيل، معترضاً على تقسيمها وحتى على فكرة أن تكون القدس الشرقية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

وعن حال المفاوضات، فإن آخر مسار له توقف في شهر نيسان الماضي، وسط اقتناع القيادة الفلسطينية بأن هذه الرحلات وصولاتها وجولاتها لم تعد تحقق الحد الأدنى المطلوب، بل وتحرج السلطة أمام شعبها غير المقتنع في الأساس من مفاوضات عقيمة مع دولة عنصرية مراوغة ومنافقة.

ومع المساعي الحثيثة لتدويل وتحويل ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة ووضع مشروع القرار الفلسطيني أمام مجلس الأمن، تجري محاولات أميركية وغيرها لتمييع هذه الخطة وإفراغها من مضمونها، وسط تحفظات من قبل بعض الفصائل الفلسطينية على جدواها.

بالمختصر المفيد، بقي الخلاف الفلسطيني على حاله في هذا العام، ولم يخرج قطاع غزة من عنق الزجاجة، ولا هي الضفة كذلك، حيث تتعرض لاستيطان يشوه تضاريسها وتواصلها الجغرافي، والشعب الفلسطيني هو أكثر من يدفع الثمن من جراء كل هذه الأفعال والسياسات.

المشكلة أن الأحوال تتدهور وكل عام يمر على فلسطين يكون وقعه أسوأ من الذي قبله، لكن لعل وعسى تتغير هذه الوقائع وتتحسن في العام الجديد 2015، ولو أن مفتاح الحل يكمن في الشعب الفلسطيني الذي يُؤَّمل منه أن يتقدم خطوة إلى الأمام في مواجهة لوثة الانقسام التي تحولت إلى "لعب عيال"، وفي الصمود أمام الطاغوت الإسرائيلي ورفضاً لكل سياساته التهويدية والتركيعية. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]