مع رنين أجراس عيد الميلاد المجيد وابتهالات رأس السّنة الجديدة 2015 ،وأنغام : الطّفل في المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان...المجد لله في العُلا، على الأرض السّلام ،وفي القلوب المَسَرّة ،وكلمات :
نور تألّق في سماء المشرق يهدي المجوس الى المِذْوَد .
تصادف الذّكرى السّنويّة المئة والتّاسعة والسّتين لميلاد القدّيسة :مريم جريس الياس حداد /بواردي 6/1/1846 ،في قرية حرفيش الجليليّة الأبيّة ،حيث تتعايش طوائفها العربيّة الثلاث : المسيحيّين ، المسلمين والدّروز المعروفيّين ،يتقاسمون لقمة العيش وشظفه بأمان واطمئنان ،في السّرّاء والضّراء ،هذه الطّيباويّة القدّيسة لها مكانتها الخاصّة واحترامها ،ليس بين أهلها وذويها المسيحيّين ،بل لدى كافّة سكّان البلدة والجوار ،وعلى الصّعيد الوطني الفلسطيني والعالمي/ انطلقت مسيرتها الدّينيّة من حرفيش الى قرية عبلّين ،ثم بيت لحم ، بيروت ،الهند فرنسا وغيرها ،مسقط رأسها ورأس والدها وذويها ما زال قائماً حتى يومنا هذا ،الأم الترشحانيّة /من آل شاهين ، كنيسة حرفيش هي من أقدم كنائس الجليل عامّة ،واذا نَسّب البعض ولادة القديسة لبلدة عبلين الحبيبة ،حتى لو ذكرت بعض المصادر ذلك ،أحدها كُتَيّب :زهرة شرقيّة ،مختصر سيرة الأخت مريم يسوع المصلوب ،وضعه الأب :ديونيسيوس بوزي /دير الكرمل /بيت لحم / بالفرنسيّة عام 1922 ،تُرجم للعربيّة عام1924 ،حريصا ،لبنان ، فهذا الكُتَيّب وغيره ، لا يغيّر الواقع التّاريخي ،بل يتجنّى عليه، لدينا ثلاث ، وثائق هامّة مشفوعة بالتّحذير والقَسَم ،أمام المحامي وكاتب العدل المرحوم نسيب شنّان، يعود تاريخها لعام 1983 ،ثلاثة شيوخ أجلاء من حرفيش .معروفيّين توحيديّين ،قضَوا في سبيل ربّهم لاحقاً، وهم :أبو سعيد سابق علي سابق ،أبو حمد نمر حمد سلّوم شنّان ،أبو عفيف يوسف سلمان غضبان .
*يقول الشّيخ أبوسعيد سابق وهو من مواليد القرن التاسع عشر :عندما كنتُ طفلاً أرشدوني الى بيت القدّيسة مريم بواردي الواقع بجوار كنيسة حرفيش القديمة ،سمعت منذ صغري عن ولادتها في حرفيش، في البيت المجاور للكنيسة ،سمعتُ ذلك من شيوخ القرية الطّاعنين في السّن، عندما كنتُ ابن عشر سنوات ،ومعروف جيّداً لدى أهالي حرفيش أنّ القدّيسة مريم وُلدتْ في حرفيش،في بيت والدها المجاور للكنيسة.
**الشّيخ أبو حمد نمر قال :كنتُ أسكن في بيت مجاور لحارة إخواننا المسيحيّين ،وكانت تربطني أنا وأجدادي بهم علاقات جوار حسنة وصداقة ،وكنّا نَطّلِع على أخبارهم ،في صغري سمعتُ عن القدّيسة مريم بواردي ،وسمعتُ من المرحومة نُفّجة خليل سعد حداد، عن بعض العجائب التي كانت تقوم بها القدّيسة ،وسمعت من كهول القرية .... أن البيت الذي وُلدتْ فيه القدّيسة مريم بواردي ملاصق لكنيسة إخواننا المسيحيّين ،وكان في هذا البيت طاقة في الحائط الشّرقي من البيت ،ويُقال أن لهذه الطّاقة علاقة بالقدّيسة .
***الشّيخ أبو عفيف يوسف غضبان قال :سمعتُ منذ كنتُ ابن عشر سنوات عن القدّيسة مريم بواردي من حرفيش ،وسمعت عن العجائب المتعلّقة بها ،أذكُرُ أنّه قيل لي قبل حوالي خمسين سنة :زار قريتنا حرفيش المرحوم المطران حجّار ،وقد حقّق غبطة المطران بالنسبة للمكان الذي وُلِدَتْ فيه القدّيسة مريم بواردي ،لقد سأل المطران الشّيوخَ المُسنّين في قريتنا عن القدّيسة ،وكانت هناك عجوز اسمها محسنة احمد العلي ،وكانت تعرف القديسة مريم ،وقد لعبتْ معها في طفولتها ،وشهِدتْ للمطران بأن القديسة مريم بواردي وُلدتْ في حرفيش ،في بيت والدها الملاصق للكنيسة القديمة ،واسم والدها جريس الياس حداد والعائلة مُلَقّبة ب ِ بَلّوط ،ولقد كان والد القديسة مريم يعمل في صنع البارود ،ولذلك لُقّبَ بالبواردي .
****وشهادة رابعة من الخوري ميخائيل معيوف سلامة من طرعان، حامل هويّة رقم :2067523 ،أدلى بشهادته أمام المحامي نسيب شنّان كذلك ، عام 1983 فقال : أذكر أني ارتسمتُ شماس انجيلي في 15/ آب 1931،وذلك في كنيسة حيفا ،بعد ترسيمي رافقتُ سيادة المطران المرحوم غاريغوريوس حجار الذي كان آنذاك مطران :عكا وحيفا وسائر الجليل ،تجوّلتُ في معيّة المطران حجّار في عدة قرى في ذلك التاريخ ،وزرنا كل قُرى الأبرشيّة في الجليل ،وكانت المدّة ثلاثة أشهر : أيلول- تشرين أوّل وثاني ،ومن جملة القرى التي زرناها كانت قرية حرفيش ....أذكر بالضّبط أنّه عندما كنّا في حرفيش 1931،قال لي سيادة المطران حجّار :إنّ قرية حرفيش هي بلدة القديسة مريم بواردي ، وأذكر أنّه دخلنا :سيادة المطران وأنا بيتاً بجانب الكنيسة في حرفيش ،وقال : إنّ هذا البيت بيت القديسة مريم بواردي ،وأقمنا الصّلاة في ذلك البيت .
*****الشّهادة /الوثيقة الخامسة هي : رسالة من سيادة المطران مكسيموس سلّوم /رئيس أساقفة الجليل ،مُوجّهة لقداسة الحبر الأعظم :يوحنّا بولس الثاني ،تحمل تاريخ 11/تموز 1983 ،جاء فيها : الاستعدادات قائمة على قدم وساق في الفاتيكان ،لتطويب الرّاهبة الكرمليّة مريم البواردي ، الشّهيرة باسم :مريم يسوع المصلوب ،من حرفيش مولداً، وعبلّين مسكناً،......ذكريات كثيرة مُعَطّرة بالحُب والاكرام تُحفظ لقدّيستنا الجديدة :ذكرى مسقط رأسها في حرفيش ،الملاصق لكنيستنا الرّعويّة ،وذكرى قرية عبلّين حيث نالت مواهب الرّوح القُدس في كنيستنا ،وعاشت سنيها الأولى....وعليه سيتألّف وفد من الجليل ،خاصّة من حرفيش وعبلّين ،وينطلقون في أوائل تشرين الثّاني المُقبل مُظَلّلين بعصا راعيهم الجليل .....التّوقيع :ابنكم الخضوع مكسيموس سلّوم ،رئيس أساقفة الجليل .
بعد هذه الجولة القصيرة مع بعض الشّهادات والوثائق التي تؤكّد حتميّة ولادة هذه القدّيسة في حرفيش الجليليّة ،نودّ أن نؤكّد للقاصي والدّاني معاً :أننا نَلِجُ الموضوع هذا ،ونحن بعيدون عن كلّ هدف أو مأرب خاص ،بل توخّياً للحقيقة ، ووضع النّقاط على الحروف ،من مُنطلق حيادي وإيجابي ،لا نخشى في قول الحقّ لومة لائم ،وكلّنا في الوطن إخوة ، وما يقوم به أهل البلدة الشّقيقة عبلين من نشاطات ،فعّاليّات ،أمسيات وبناء على اسم المرحومة ،يزيدنا احتراماً لهم وتقديراً لا حدود لهما، وتربطنا بهم المودّة ،الأهليّة ،النّسب والاحترام المتبادل ،ونقول معاً :القدّيسة مريم هي حُرفيشيّة المولد والجذور ،عَبَلّينيّة الحضور ،فلسطينيّة النّذور ،طوباويّة المأثور ،رحمات مُثلّثة لَها ولذويها في الرّفيق الأعلى ،وطول البقاء لِمَن يسير على نهجها ودربها ،ونردّد مع أمير الشعراء أحمد شوقي :
وُلِدَ الرّفق يوم مولد عيسى والمروءات والهُدى والحياء
إزْدهى الكون بالوليد وضاءتْ بِسَناهُ مِن الثّرى الأرجاء
لا وعيد ،لا صولة، لا انتقام لا حُسام ،لا غزوة، ولا دماء
فَإذا الهيكل المقدّس دير وإذا الدّير رونق وبهاء
إنّما الأرض والفضاء لِرَبّي وملوكُ الحقيقة الأنبياء
إنّما يُنكِر الدّيانات قومٌ هُم بما ينكرونه أشقياء
وعيد ميلاد سعيد، وسنة جديدة مجيدة للجميع، وقدّيسة مريميّة حرفيشية أكيدة وَعَبَلّينيّة عتيدة وفلسطينيّة مُريدة ،المجدلله في العُلا ،على الأرض السّلام وفي القلوب المسرّة ،وطوبى لصانعي السّلام.....كلّ ميلاد وعام والجميع بألف خير ،مع عبق ،شذى وأريج هذه الوردة الخالدة.
[email protected]
أضف تعليق