حدثني أبو مسعود الجليلي، عن متعب بن مرتاح، أنه قرر يوما أن يزور مكاتب المتابعة والقطرية، في مدينة الناصرة الجليلية التي كانت تعتبر حتى الأمس القريب عاصمة الأقلية، ليطلع على ما تقوم به قياداتنا من أجل القضية، فعاد وروى لي العجب العجاب مما رآه وسمعه من كبار الجماهير العربية.
قال انهم قوم يؤمنون بشيء، ويفعلون نقيضه عن نكاية وليس ندية. يكرهون بعضهم كرها كبيرا، لكنهم يجلسون معا وكأنهم أخوة في الانسانية.
كلٌّ له منشأ وعقيدة، بين التحفظ أو التحرر وما بينهما من النمطية. وهناك من يتبع اليمين أواليسار والمستقل برأيه، واللامنتمي لعقيدة أو أيديولوجية. يتحاورون يتناقشون حتى الشتائم، تحت شعار التعددية. يود كل واحد ان يكون القائد الأول والمطلق، ويعلنون على الملأ احترامهم للديمقراطية. والشعب ينتظر قراراتهم، لكنه يتصرف على هواه دون مرجعية. بالأمس كانوا يختلفون في المسيرات من يعتلي المنصة، ليرفع الصرخة المدوية القوية. وتتشابك الأيادي وترتفع الهراوات، وينسى المتظاهرون هدف الذكرى السنوية. وجاءهم الفرج بالاتفاق على رئيس المتابعة ليس حبا وثقة به، بل لتفادي الصراعات الجانبية. وماذا أقول في قوم يتغنون بالوحدة، ولا يجدون اتفاقا على رئيس يحمل لواء المسؤولية. فكلّ يريد الرئاسة وكلّ يسعى لافشال غيره، فيبقى المنصب فارغ الهوية. ومرة أخرى نرى أنفسنا نسخة عن لبنان، الذي تمزقه النزاعات الطائفية. وكي يجملوها عندنا، ألبسوها رداء الحزبية.
وتابع أبو مسعود الجليلي نقلا عن متعب بن مرتاح، الذي قال أن حال الأحزاب ليس أفضل، وبينها وفي داخلها تدور المشاحنات. من معارض داخلي الى مغضوب عليه الى مقموع الرأي، وبعدها يستغربون وقوع الانقسامات. فالقومي بات يغلّب الديمقراطية، وترك ما شيد من أساسات.
وقام الأممي لاعنا الانحراف، وعاد الى تركيز السلطات. والاسلامي يضم اليه ما تبعثر من أوراق متساقطة، خشية الانفلات. فالذي يؤمن بدولتين ويسخر من الواحدة، يصعب عليه تقديم التحليلات. وكل همه أن يناكف خصمه، سواء في منابر الأخوة أو منابر السادات. وبدل أن يحافظ على ما تبقى من توافق، نراه يهدم التفاهمات. وتنطلق عبر صفحات الفيسبوك أنواع الشتائم والسخرية العابرة للمسافات. والذي كان بالأمس محبوبا من أنظمة، تخلى عنها اليوم في الأزمات. وخرجت من صفوفه فرقة مكافحة، لكنها من أولى الضربات. أثبتت أنها لا تختلف في الأسلوب والرأي، عن غيرها من الفلقات. وبدل أن تتحدث بلغة ثورية كما وعدتنا، أخذت تدبج ما نعرفه من بيانات. ومن يرفعون شعار الانعزال، لا جديد عندهم، لا غد يجمعهم لا حلول للمشكلات. لا نسمع لهم صوتا، سوى المشاغبات. والوحدة يتغنون بها شعارا، لكنهم لا يقيمون لها اعتبارات. واذا ما اتحدوا قريبا فليس عن قناعة، انما خشية الحسم وخسارة الامتيازات. هذه حال أحزابنا وحركاتنا، فهل يتبدل الحال يوما.. هيهات.
وقصتنا مع الكوفية، تاه فيها الجمع وباتت قضية. وبدل أن تكون أيقونة لنا تحولت الى لعنة خلافية. الكوفية يا أخوة لا تحتاج الى كل هذا الخلاف، وهي ليست سببا للكراهية. ولما ارتداها أحد نوابنا في لفتة بارعة، لم يعترف بها ذوي القربى أنها ذكية. وانقضت هجوما وتقريعا ولؤما على الرمز، نائبة في الكنيست عنصرية. ولو ان نائبا آخر اعتمرها، لرأى الجانبان فيها اعتدالا وحركة اعلامية. حتى أن صحفيا عبريا لم يحتمل التلون، وانبرى يدافع عن الرمزية. وانشأ مقالا يستعرض فيه تاريخها، وما آلت اليه من موضة في الأزياء العالمية.
ورئيس مجلس محلي أكد، أن سلطان العروبة يظهر في الصورة، وعلى رأسه كوفية. فكيف يا أحبائي الصغار، تنكرون رمزا عربيا قوميا، وتتبعون الرموز الصهيونية؟ هل نحن حقا في معرفة وادراك، أم اننا فقدنا مع الزمن لب الهوية!
[email protected]
أضف تعليق