«إسرائيل» قتلت زياد أبو عين بدم بارد. الشعب الفلسطيني يطالب بالثأر. أبو مازن وقيادته حائران في كيفية أخذ الثأر. القوى الشعبية وبعض تنظيمات المقاومة تطالب بإلغاء اتفاق التنسيق الأمني مع «إسرائيل» لتسهيل إطلاق المقاومة الشعبية مجدداً. أبو مازن وصائب عريقات وأعضاء آخرون في القيادة الفلسطينية يفضلون الثأر السياسي على الثأر الأمني. صيغة الثأر السياسي تقديمُ مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يقضي بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي». يقول هؤلاء إنه يتوجب التروّي وعدم اتخاذ أي خطوات كبيرة قبل عرض مشروع القرار على مجلس الأمن مخافةَ عرقلة مساعي الحصول على الصوتين الثامن والتاسع اللازمين لإقراره.
القيادات الشعبية وبعض تنظيمات المقاومة تزدري هذه الذريعة. يقول هؤلاء إن اتفاق أوسلو المعقود منذ أكثر من 20 سنة وكل ما تفرّع عنه لم تلتزمه «إسرائيل». السلطة الفلسطينية وحدها تطبقه من طرف واحد ما يجعلها مجرد أداة لقمع الشعب الفلسطيني بأيدي الفلسطينيين أنفسهم. ذلك يكرّس، في الواقع، الاحتلال «الإسرائيلي» للضفة الغربية ويبّرأ «إسرائيل» من تهمة الاحتلال.
«إسرائيل» أحسّت بوطأة اغتيال زياد أبو عين على سمعتها ومكانتها الدولية. بنيامين نتنياهو سارع إلى نقل رسالة إلى محمود عباس مفادها أن «إسرائيل» سوف توسّع التحقيق في ملابسات «الحادث»، وطالب السلطة الفلسطينية بالتهدئة وضبط النفس. القوى الشعبية الفلسطينية لم تُعر موقف تننياهو أي اهتمام. كذلك، على الأرجح، كان رد فعل أبو مازن. هل ثمة مخرج؟
القيادة الفلسطينية منهمكة بدرس الوضع والخيارات المتاحة. قراراتها لن تعلن قبل اجتماع نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي جون كيري هذا الأسبوع. في هذه الأثناء يشتدّ الجدال بين الأطراف القيادية الفلسطينية. المتشددون بين هؤلاء يصرّون على إلغاء التنسيق الأمني مع «إسرائيل» أو تعطيله في الأقل. يطالبون أيضاً بانضمام السلطة الفلسطينية إلى اتفاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى إيجاد نظام خاص للحماية الدولية للشعب الفلسطيني. الأكثر تشدداً بين القياديين يطالب بإطلاق المقاومة الشعبية على الفور لأن لا طائل تحت الاتفاقات المعقودة مع «إسرائيل» والقرارات التي اتخذها مجلس الأمن أو يعتزم اتخاذها في المستقبل.
لماذا يتريث أبو مازن في اتخاذ موقف حاسم من «إسرائيل»؟
أسباب ثلاثة رئيسة تقف وراء تردده:
الأول سياسي. ذلك أن إلغاء اتفاق التنسيق الأمني يعني عملياً قطع التعامل مع «إسرائيل»، والتوقف عن التفاوض معها، وتعطيل حركة قيادات السلطة كما قيادات المنظمة ومختلف التنظيمات العاملة تحت مظلتها في الداخل والحدّ من انتقالها إلى الخارج. هذا الخيار تعارضه الولايات المتحدة ودول الخليج التي تحرص السلطة الفلسطينية على مراعاتها.
الثاني مالي. ذلك أن إلغاء اتفاق التنسيق الأمني وإطلاق المقاومة الشعبية يؤديان إلى قيام «إسرائيل» بتجميد إيداع السلطة الفلسطينية حصتها من الضرائب المجباة الأمر الذي يؤدي بدوره إلى وقف تسديد رواتب الآلاف من موظفيها وأفراد جهاز الأمن الوطني، ويجوّف موازنتها، أو يكاد، من الموارد. هذا الخيار لا يحظى برضا دول الخليج التي قد تتوقف عن دعم السلطة الفلسطينية بالأموال والمساعدات.
الثالث استراتيجي. ذلك أن السلطة الفلسطينية ستجد نفسها مضطرة في حال الطلاق مع «إسرائيل» والولايات المتحدة ومجافاة دول الخليج، إلى إقامة علاقات سياسية ومالية واستراتيجية متقدمة مع إيران. هذا الخيار لا يتمتع بدعم الغالبية داخل السلطة والمنظمة، وقد يتأتى عنه انقلاب شامل في وضع قضية فلسطين إقليمياً ودولياً، وهو أمر خطير لا تتقبله الثقافة السياسية السائدة داخل منظمة التحرير الفلسطينية ولاسيما التنظيمات المحافظة فيها.
إذ تتدارس القيادات المحافظة كما الثورية داخل منظمة التحرير الخيارات المتاحة والإمكانات المتوافرة لكلٍ منها، تُطلق الولايات المتحدة بالون اختبار لقياس ردود الفعل لدى الطرفين «الإسرائيلي» والفلسطيني. فقد سرّبت واشنطن إلى وسائل إعلام عبرية معلومة مفادها أن إدارة أوباما تميل إلى عدم استخدام «الفيتو» لنقض قرار مجلس الأمن في شأن المشروع الفلسطيني المزمع تقديمه لتثبيت دولة فلسطين على حدود 1967 وتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي».
موقع «واللا» الإسرائيلي لاحظ عدم تعهد واشنطن بعدم استخدام «الفيتو»، كما توقع أن يحاول نتنياهو، خلال لقائه كيري هذا الأسبوع، إقناعـه بوجوب مواصلـة واشنطن سياستـها المؤيـدة لـِ «إسرائيل» في الأمم المتحدة. لكن مصادر أخرى في الكيان الصهيوني، كما في الولايات المتحدة، قدّرت أن الأميركيين مضطرون إلى أن يضعوا في الحسبان مواقف حلفائهم في الدول العربية التي تتعاون معهم في الحرب ضد الإرهاب عموماً، وضد «داعش» خصوصاً، فيمتنعون تالياً عن ممارسة «الفيتو» ضد مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن.
أما القيادات المحافظة داخل السلطة ومنظمة التحرير فهي تأمل بأن تتدبّر الخروج من المأزق الناجم عن اغتيال زياد أبو عين وانفجار مرجل الحقد الشعبي على «إسرائيل» بتوليف صفقةٍ مضمونها أن يكون « اللافيتو» الأميركي حيال مشروع القرار الفلسطيني ثمناً للتهدئة في الضفة الغربية.
من يجرؤ على التفاؤل؟
[email protected]
أضف تعليق