1. العرب الفلسطينيون، الباقون في وطنهم داخل منطقة 48، والذي يتجاوز عددهم اليوم 1.3 مليون، هم جزء من الشعب الفلسطيني، وجزء حي وفاعل في الحراك السياسي والوطني، ويشكل وجودهم داخل "إسرائيل" عامل ثقل في معادلة الصراع ضد الصهيونية والنظام الكولونيالي العنصري الذي يبسط سيطرته على الوطن التاريخي، وتطال منظومة قهره مجمل شعبنا في الداخل والخارج.

2. مرّ هذا الجزء من شعبنا بتحولات عميقة، اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، ساهمت في تشكلها عوامل داخلية إسرائيلية، وعوامل داخلية (من داخل المجتمع الفلسطيني) وفلسطينية وطنية عامة (تخص دور الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج). وقد تحوّل هذا الجزء من شعبنا إلى رقم صعب في معادلة التحدي ضد نظام القهر العنصري، رغم أنه ليس جزءاً من عملية اتخاذ القرار في إسرائيل، ولا في الحركة الوطنية الفلسطينية فالتهميش مزدوج. هكذا وفي غياب انتصار عربي، وفي غياب استراتيجية فلسطينية شاملة، تشكلت منظومة سياسية واجتماعية وتنظيمية لفلسطينيي أل 48 منفصلة عن عموم الشعب الفلسطيني. مع ذلك تعتبر القوى الوطنية في الداخل هذا الجزء من شعبنا جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية وتطلعاته في الحرية والاستقلال، وتحقيق المساواة الكاملة داخل وطنهم. وفي عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

لم يتطور الوعي السياسي لدى هذا الجزء من شعبنا عبر الصدام السياسي والأيدلوجي والميداني مع النظام الإسرائيلي ولا عبر العلاقة مع الحركة الوطنية الفلسطينية فحسب، بل أيضاً من خلال الصراع السياسي والفكري المشروع بين مركبات العمل السياسي الرئيسية الفاعلة في الساحة وهي: التيار الشيوعي-الجبهوي (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)، التيار الوطني-القومي (التجمع) والتيار الإسلامي الممثل بحركتين منشقتين عن بعضهما، وإحداهما تخوض الانتخابات (الجنوبية) والأخرى تمتنع دون أن تدعو إلى المقاطعة. (حركة أبناء البلد كجزء من التيار الوطني-القومي لا تخوض الانتخابات).

3. يتعرض هذا الجزء من شعبنا لمخططات عدوانية جديدة تهدف إلى اجهاض الانجازات الهامة التي حققها على مدار العقود الماضية، متمثلة في المخططات والقوانين والممارسات، وفي محاولات تفسيخ المجتمع الفلسطيني.

4. منذ انطلاق التجمع الوطني الديمقراطي، الذي بدأ كعملية إعادة تنظيم كل مركبات الحركة الوطنية داخل الخط الأخضر والمقصود تلك التي تماثلت تاريخياً مع منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها تمثل تاريخياً وثقافياً وسياسياً كل الشعب الفلسطيني أينما وجد.
منذ انطلاقة التجمع نقش بعد اتفاق أوسلو على رايته مهمة إعادة تنظيم المجتمع الفلسطيني ومأسسة وتقوية إطاره الجامع الممثل في، لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب، كمدخل لتحصين هذا الجزء من شعبنا وطنياً ومدّه بوسائل القوة (التنظيمية والمالية والاقتصادية) وللتفاوض من منطلق النديّة مع النظام الإسرائيلي لتحقيق حقوق المتمثلة بالمساواة الجماعية والفردية.
وبذلك تُضاف قوة تأثير على الدولة العبرية لوقف احتلالها للأراضي المحتلة عام 67، ما معناه تصبح الحركة السياسية لعرب الداخل جزءاً من معادلة الضغط الداخلية، والخارجية على نظام الاحتلال.

5. قرار مشاركة التجمع الوطني الديمقراطي في انتخابات الكنيست منذ عام 1996 جاء بعد تردد، ونقاش مُعمق. وثبت لاحقاً صحة هذا القرار، نظراً للحشد السياسي والتعبئة الوطنية التي أفرزها خط التجمع المتصادم مع جوهر يهودية الدولة ومبناها العنصري والكولونيالي. وهو أمر لم يعتمده أي حزب عربي في السابق.

هذه المشاركة، وعبر اعتماد خط يتحدى المبنى العنصري الإسرائيلي، ومن خلال المواطنة، أفرز ثقافة سياسية جديدة وفاعلة.. وضع إسرائيل في دفاع عن أهم بضاعة كانت تسوقها للغرب وهي الديمقراطية. هذا كله دفع القوائم العربية الأخرى لمجاراة هذا الخطاب وساهم منذ أواسط التسعينات في إعادة العافية إلى هذه القوى. بعد فترة انحسار، وهو أمر إيجابي. وظهر على الساحة قوى سياسية جديدة إضافة إلى القوى التي تخوض الانتخابات، كالحركة الإسلامية الشمالية التي هي من القوى الرئيسية التي تلح على مأسسة لجنة المتابعة. والآن أصبح مطلوباً أكثر من أي وقت مضى ايجاد الآليات الفاعلة التي تمكن كل القوى التي تخوض انتخابات الكنيست من تشكيل قوة إضافية لصالح تطلعات المواطنين العرب.

6. القائمة المشتركة هي مطلبنا منذ أكثر من عقد من الزمان. القوة الوحيدة التي رفضت بمثابرة هذه الفكرة الجامعة حتى الآن الحزب الشيوعي- الجبهة. وهي فضلت العمل العربي- اليهودي المشترك على وحدة الجماهير العربية. لسنا ضد العمل العربي- اليهودي المشترك، إننا ضد هذا النموذج الذي أفلس منذ زمن بعيد. ونحن نؤمن أن هناك حاجة لتعديل هذا النموذج وتطويره على أسس سليمة.
نحن نعتقد أن قائمة مشتركة، تضم كل التيارات السياسية الفكرية المذكورة وأن تضم يهودياً ديمقراطياً مناهضاً للاحتلال، (من الجبهة في هذه الحالة). هو مطلب الساعة ولا تعترض على ذلك الحركة الإسلامية الجنوبية.

لماذا نحن بحاجة إلى قائمة مشتركة؟

أولاً: تراجع نسبة التصويت لدى المواطنين العرب، لعدم ثقتهم بالنظام الإسرائيلي، ولغياب الوحدة بين القوائم العربية، ونُقدر إذا لم يحصل وحدة فإن المواطنين سيعاقبون القوائم، وستشهد نسبة التصويت تراجعاً إضافياً مما قد يهدد التمثيل العربي في الكنيست بصورة جدية. ليست المشكلة الأساسية في مقاطعة المواطنين العرب للانتخابات ولكن المشكلة أن العرب في الداخل لم يبنوا بديلاً بعد... برلماناً عربياً يفرز مؤسسة قائدة وتنفيذية تكون مرجعية وطنية جامعة للعرب.

ثانيا: ارتفاع نسبة الحسم من 2 إلى 3.25 مما يجعل تجاوز أي حزب لهذه النسبة شبه مستحيل، وهذا يساهم في تعميق ظاهرة الامتناع والسلبية، لأن المواطن العربي لا يذهب في هذه الحالة إلى التصويت عندما يكون غير واثق من جدوى صوته.
ثالثاً: في ظل ما يجري في العالم العربي من ثورات وحروب أهلية، وتمزق مجتمعي، طائفي ومذهبي، وصراعات داخل التيارات السياسية حول الموقف مما يجري، تزداد الحاجة إلى كل خطوة باتجاه الوحدة. لا يخفى على أحد أن الصراع الدامي الجاري في وطننا العربي، ينعكس في النقاش والعلاقات فيما بيننا ويستنزف جزءاً من الجهد بلا جدوى. هذا ناهيك عن الانقسامات الطائفية، والشجارات على هذه الخلفية التي نشهدها بين الحين والآخر في بعض البلدات العربية في الجليل خاصة، التي تعيش فيها أكثر من طائفة عربية، وهذا يحصل في ظل تشجيع من السلطة الإسرائيلية ومخابراتها. مع ذلك نعتقد أن وضع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لم يصل إلى وضع خطر، ولكنه مرشح لأن يتفاقم إذا لم نأخذ القرارات السليمة التي تعزز النسيج الاجتماعي والوطني. ولذلك فإننا نرى أن القائمة الواحدة، وليس قائمتين، من شأنها أن تلعب دوراً محورياً في هذه الظروف في استباق تطورات مأساوية محتملة نرى إرهاصاتها على أكثر من صعيد. وهذه القائمة، لها فوائد كبيرة، فهي تقتضي إقامة طواقم انتخابية مشتركة قطرية، وطواقم ميدانية في كل بلدة وبلدة، ويمكن تصور المناخ الجديد الذي سيتشكل من خلال هذا العمل المشترك، كبديل عن مناخ التوتر والمناكفة، خاصة عندما تعمل قيادات وكوادر الأحزاب معاً ويداً بيد، ببرنامج سياسي وطني موجهاُ ضد النظام الكولونيالي العنصري بدل أن يكون موجهاً ضد بعضنا البعض. هذا من شأنه أن يفتح الباب لتعاون حقيقي على قضايا سياسية وكفاحية استراتيجية ليس بين القوى التي تخوض الانتخابات فقط، بل بين قوى هامة أخرى مثل الحركة الإسلامية الشمالية وحركة أبناء البلد.

الفائدة الثانية هو زيادة عدد المقاعد العربية، وبذلك يساهم في تقليل تمثيل اليمين واليمين المتطرف مع أننا نعرف أن اليسار الصهيوني هو باقي المشروع الصهيوني الاستعماري. أيضاً من شأن القائمة الواحدة أن تحاصر نهائياً وجود الأحزاب الصهيونية في الوسط العربي.

إننا نحذر من مغبة الشدّ باتجاه قائمتين، التي يقوم بها البعض، الذي يصور نفسه كتيار علماني مقابل التيار الظلامي. هذا التيار يُظهر نفسه كمدافع عن الطائفة العربية المسيحية وجزء من العلمانيين. إن هذا الموقف أو التوجه غير المسؤول من شأنه صب الزيت على النار، ويخلق شرخاً عميقاً وخطيراً داخل الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. يمكن تصور، ومن تجربة الماضي، وفي هذه الظروف العربية والداخلية المشحونة كيف ستكون مضامين الحملة الانتخابية، في حالة قائمتين، التي ستنطوي على صراع هويتاي وطائفي بدل مضامين وطنية جامعة. في هذه الحالة لا فائدة ولا جدوى من خوض الانتخابات إذا كانت ستقودنا إلى كارثة اجتماعية. هل يُعقل أن نخوض الانتخابات، كأقلية نعيش واقع اضطهاد قومي بهذه الصورة. إن خوض الانتخابات بقائمة واحدة، يُوطّد العلاقات بين الأحزاب والأهم داخل المجتمع، وتُحصّن الوحدة الوطنية في مواجهة نظام القهر العنصري. وهذا مكسب وطني صافٍ.

هناك من لا يهمه من القائمة الواحدة سوى موقعه فيها، وهو يعيش من انتخابات لأخرى وفي حالة هوس في ذاته وهو مُعجب بنفسه.. ولا يكل عن العمل وتبديد الوقت والمال لتسويق نفسه. فيما يساهم في استمرار تشويه العمل السياسي وقيمه. والمسألة ليست محصورة في شخص واحد فقط. بل أكثر.

من المفروض أن تكون من وظائف هذه القائمة كبح جماح هذه الظاهرة البائسة التي دخلت في عصر شخصنة السياسة، وعلى حساب المبادئ والرؤية والقيم والفكر وعلى حساب الانشغال الجدّي بتنظيم المجتمع العربي ومأسسة لجنة المتابعة. هذا قد يُعيد ثقة الناس بالسياسيين والعمل السياسي، ولا يعود الصالح يذهب بعروة الطالح.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]