يوجه يحزقيل درور في مقالة نشرها في "هآرتس" انتقادات شديدة الى سلوك المعارضة الاسرائيلية، ويتهمها بالقصور وعدم طرح رؤية سياسية بديلة لسياسة الحكومة.

ويكتب انه رغم أوجه القصور في سياسة الحكومة، والتي يمكن أن تشكل خطرا على مستقبل إسرائيل، ليس هناك أي يقين بأنه إذا وصل أحد أحزاب المعارضة إلى السلطة سيكون أكثر قدرة على التعامل مع التحديات السياسية والأمنية التي تواجه البلاد. ان التوجه للانتخابات حول مسالة "ضريبة القيمة المضافة"، التي تعني في المستقبل الصفر، وحول "قانون القومية"، الذي وعلى الرغم من وزنه الرمزي لا يؤثر على مستقبل البلاد، ولا على الموضوع الأمني – السياسي، يدل على وجود خلل في النظام برمته، بما في ذلك المعارضة. ولذلك يبدو أنه لن يتم التصحيح إلا بكسر الأداة، اي استبدال القيادة السياسية في كلا الجانبين.

لقد برز الفشل الحاسم للمعارضة (بما في ذلك المعارضة داخل الحكومة) في المجال الأمني - السياسي. فالقضايا الاجتماعية التي تسببت في الأزمة تعتبر ضئيلة على المدى الطويل. والقوانين التصريحية، كقانون القومية، والقرارات الاقتصادية، كإلغاء ضريبة القيمة المضافة على الشقق الجديدة، مهمة ربما في وقتها، ولكن تأثيرها على مستقبل إسرائيل ضعيف. ولذلك، فإنه حتى إذا كان هناك في بعض الأحيان ارتقاء لمواقف المعارضة في القضايا الاجتماعية، فإنها تكاد لا تذكر مقارنة بالأخطاء المتعلقة بالموضوع السياسي - الأمني.

والمفاجئ – ان إخفاقات المعارضة هذه، تشبه بشكل ملحوظ فشل الحكومة في هذا المجال، حتى لو كانت مواقفها تظهر وكأنها متناقضة. فالحكومة والمعارضة تعانيان من عدم وجود توازن بين الرؤية والواقع، على الرغم من أن الحكومة تؤمن بأرض إسرائيل الكبرى والمعارضة تؤمن بأن إنشاء دولة فلسطينية فقط، يضمن السلام والاستقرار.

في الحكومة والمعارضة على حد سواء، يكثرون من الحديث عن "استئناف العملية السياسية"، ولكنهم لا يطرحون مقترحات واقعية في القضايا الأساسية: الحدود والقدس واللاجئين ومستقبل المستوطنات في مناطق الدولة الفلسطينية المستقبلية. وبدون التوصل الى اتفاق بشأن هذه القضايا، لن تجري المفاوضات. علاوة على ذلك - تفتقد الحكومة والمعارضة الى رؤية إقليمية تمكنهما من طرح مزج للاتفاق مع الفلسطينيين والتسوية الشاملة في الشرق الأوسط. كلاهما لا تعرضان خطة واضحة لكيفية ترسيخ أمن إسرائيل بعد الانسحاب من الضفة، ما عدا المبدأ المجرد الذي يتحدث عن وجود "التفوق العسكري الإسرائيلي"، الذي يفتقد الى معنى واضح.

لقد تم تمويه العلاقة بين تعزيز السلام ووضع الأقلية العربية في اسرائيل، من قبل الحكومة والمعارضة على حد سواء. ولا تملك الحكومة والمعارضة سياسة واضحة بشأن إمكانية وصول إيران الى العتبة النووية، باستثناء تعزيز الردع، الذي يعتبر ضروريا ولكنه ليس كافيا. هذا يعني أن الحكومة والمعارضة تتميزان بغياب الإبداع والمبادرة والشجاعة السياسية للتعامل مع القرارات الأساسية التي يستحيل بدونها إحراز تقدم في عملية السلام. وبدلا من ذلك، تبقيان معا مع "إدارة الصراع" المعروف بفشله المسبق. وتضيف الحكومة الى ذلك إجراءات مثل البناء في المستوطنات، التي تعارضها المعارضة بصوت عال. هذا لا ينطوي على التغطية على عدم وجود فكر سياسي عميق على المدى الطويل، سواء في الحكومة أو في المعارضة.

يمكن لرئيس الوزراء المطالبة بظروف مخففة حتى لو وجد مذنبا في تشكيل خطر على مستقبل إسرائيل: فالسياسة الداخلية في الليكود تصعب عليه، كما يصعب عليه ادارة الائتلاف. كما يمكنه أن يشير إلى الخطوات الهامة التي أحرزها في مجال الأمن، كتعزيز اسطول الغواصات، ولكن هذا لا يعفيه من المسؤولية عن الفشل الأمني - السياسي ككل.

لماذا حدث ذلك؟ هناك تفسير واحد فقط، وهو انه من الخطير من الناحية الانتخابية عرض برنامج سياسي سيثير الجدل حتما. ولذلك من المفضل الوصول إلى السلطة بفضل فشل الحكومة، وعندها فقط يبدأ التفكير والتخطيط بشكل جدي. ولكن هذه الحجة ليست سوى ذريعة، وتعتبر خطأ فادحا، لأنه من المشكوك فيه أن العواقب الوخيمة للقصور السياسي للحكومة ستجد تعبيرا لها في المستقبل القريب، وستؤثر على الانتخابات. علاوة على ذلك، وبغض النظر عن ما يقوله مختلف المسوقين السياسيين، الذين يتوجون أنفسهم "كمستشارين استراتيجيين"، فان الجمهور لا يتمتع دائما بالحكمة، ولكنه ليس غبيا بشكل دائم. ويمكن للبرنامج الأمني - السياسي الموثوق به والمنسق بشكل جيد، والذي يمكنه أن يجلب السلام المستقر حتى على حساب تنازلات مؤلمة، أن يحظى بالدعم.

وهناك تفسير أكثر ركاكة، وهو: أن زعماء المعارضة غير قادرين على صياغة سياسة جديدة خلاقة وشاملة. اذ لا يوجد لدى المعارضة ما يكفي من الناس الذين يملكون المعرفة والخبرة الأمنية - السياسية، وتخشى القيادة من أن يؤدي تجنيد مثل هؤلاء الناس، الى التعتيم عليها واحتلال المناصب الهامة بدلا منها، خاصة إذا كان لديهم الكاريزما، التي تفتقر اليها المعارضة.

ومن دون التقليل من شدة أخطاء نتنياهو، فانه لا يوجد لهم منافسون، تقريبا، في التفكير السياسي، حتى لو لم يكن في الاتجاه الصحيح. اذا كان هناك اصحاب مهارات مشابهة او حتى أفضل منه، فقد تم دفعهم خارج السياسة لكونهم "منافسين" أو غير ملائمين لهذا النوع من الثقافة السياسية. النتيجة المحزنة هي انه في الوضع الحالي لا يوجد، حسب رأيي من يستحق التصويت له. سيكون هناك من يمكن التصويت له فقط اذا ترفعت المعارضة على نفسها وعرضت خطة سياسية – امنية ملموسة، ولكنني لا اعتقد انها تستطيع ذلك.

ربما سيتمكن المجتمع الاسرائيلي من تنمية جيل شديد ومناسب من القياديين في الحكومة والمعارضة، ولكنه يزداد التخوف من أن ذلك سيحدث فقط بعد أزمة سياسية – أمنية خطيرة. وتتحمل المسؤولية عن ذلك الحكومة، ولكن المعارضة، ايضا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]