كتب عاموس هرئيل في تحليل نشره في "هآرتس" للهجوم الذي تم نسبه لسلاح الجو الاسرائيلي، على موقعين مختلفين في سوريا، امس الاحد، انه يبدو بأن هذا الهجوم يأتي استمرارا للسياسة التي حددتها اسرائيل بشأن الحرب الأهلية في سوريا، منذ اكثر من ثلاث سنوات.

ويقول ان إسرائيل لا تصادق رسميا، ولا تنفي مسؤوليتها عن القصف. ولكن قادتها اهتموا، في فرص مختلفة، بنقل رسائل مفصلة الى دمشق، احيانا بشكل علني واحيانا بشكل سري. لقد حددت إسرائيل خطوط حمراء على الجبهة الشمالية – نقل منظومات اسلحة متطورة من سوريا الى حزب الله، او المس بالسيادة الاسرائيلية. وفي حالات كهذه ستكون مستعدة لتفعيل القوة في سبيل احباط نوايا الجانب المعادي.

لقد جاء الهجوم امس، بعد فترة طويلة نسبيا، من الهدوء. فإما لم تقع عمليات قصف بتاتا منذ عملية القصف في جناتا، في الجانب اللبناني من الحدود، في شباط الأخير، واما وقعت هجمات منفردة، مرت من تحت الرادار، ولم يبلغ أي جانب عنها. لكن عمليات القصف امس، تعتبر شاذة، من وجهات نظر ثلاث على الأقل: لقد تمت بعد قيام حزب الله ببذل جهود لتعريف شروط جديدة للعب امام اسرائيل على الجبهة الشمالية، وهي تأتي بعد قيام المجتمع الدولي بتغيير سلم اولوياته بشأن الحرب السورية (من اسقاط نظام الأسد في البداية، الى هزم منافسيه، تنظيم داعش – الدولة الإسلامية – حاليا)، وهذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها إسرائيل، ظاهريا، في سوريا، منذ اعلان رئيس الحكومة نتنياهو عن نيته التوجه الى الانتخابات.

حسب وسائل الاعلام الأجنبية، شنت إسرائيل خمس او عشر هجمات جوية على سوريا خلال عامين تقريبا. وردت سوريا وحزب الله بالتهديد والتحذير، لكنهما لم تردا على القصف. لكن ميزان الردع تغير في شباط الماضي. وحسب تلك التقارير، فقد حاولت اسرائيل قصف قافلة اسلحة على مقربة من الحدود السورية – اللبنانية. لكنها ولأول مرة فعلت ذلك في الاراضي اللبنانية وليس في الأراضي السورية. وفي اعقاب الهجوم حدد حزب الله بطاقة الثمن بالنسبة له: سيتم الرد على كل عملية اسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية. ووقف التنظيم وراء سلسلة من عمليات زرع وتفجير العبوات واطلاق الصواريخ في منطقة جبل روس وفي هضبة الجولان، تم وصفها بأنها انتقاما للهجوم على جناتا، وعلى مقتل ناشطين من حزب الله في عمليتين تم نسبهما الى اسرائيل.

بالنسبة للوضع الداخلي في سوريا، طرأ تحول كبير في الصيف الأخير، عندما اقامت الولايات المتحدة التحالف الذي يضم دولا غربية وعربية لمحاربة داعش. ورغم ان البيت الأبيض يواصل دفع ضريبة كلامية بشأن ضرورة اسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، من الواضح ان جدول اولوياتها تغير. فالولايات المتحدة لم تهاجم أي اهداف تابعة للنظام السوري، طوال السنوات الأربع التي نفذ خلالها اعمال ذبح جماعي للمواطنين السوريين. وفي المقابل تقوم الآن ببذل جهود جوية كبيرة، يجري خلالها شن مئات الهجمات على داعش في سوريا والعراق.

ظاهريا، يبدو هذا سببا جيدا لامتناع الأسد عن الرد على القصف الاسرائيلي. فاذا كانت الولايات المتحدة تؤدي العمل بدلا منه وتحارب داعش، عدوه الأول حاليا، لا يوجد أي مبرر لدخول مواجهة جانبية مع اسرائيل والتي من شأنها ان تورط الامور بالنسبة له. اما رد حزب الله فيصعب توقعه. فالتنظيم يبث خلال السنة الأخيرة، ثقة متزايدة بالنفس، في استفزازه لإسرائيل. والسؤال هو ما اذا كان موقع القصف، في الجانب السوري من الحدود، سيعتبره حزب الله مبررا كافيا ومقنعا للامتناع عن الرد.

لقد تمت عملية القصف في ساعات بعد الظهر، وفي وضح النهار. والصور التي تم بثها من منطقة دمشق، كأنها توقيت يتزامن مع اعلان نتنياهو عن الانتخابات، اثارت على الفور تكهنات بأن معايير سياسية وقفت وراء الهجوم. اذا كان هناك من منافسي نتنياهو من يعرض هذا الادعاء فانه يتحمل مسؤولية اثباته. هذا الاتهام لا يبدو معقولا. صحيح ان نتنياهو يريد الحفاظ على التهديد الامني في النقاش العام، مع بدء المعركة الانتخابية، ولكن الوضع الأمني حساس ايضا، بدون قيود تقريبا. يصعب رؤية كيف بادر نتنياهو الى خطوة هجومية كهذه، وجر الاذرع الامنية خلفه، دون تسريب شيء من النقاش الى وسائل الاعلام.

حسب التقارير السورية، فقد استهدف القصف، امس، موقعين: منطقة مطار دمشق الدولي، ومنطقة الحدود السورية اللبنانية. اذا شئنا الحكم بناء على هجمات سابقة، فانه تقوم في منطقة المطار المستودعات التي تستوعب الاسلحة التي تصل من ايران، بينما يتم قصف المنطقة الحدودية اثناء مرور قوافل اسلحة الى لبنان. عندما تمت مهاجمة اهداف في شمال سوريا، كان المقصود صواريخ شاطئ – بحر روسية من طراز يحنوط التي وصلت من روسيا عبر ميناء طرطوس. لقد تم في السابق نقل صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ ارض – ارض طويلة المدى، عبر الحدود البرية في منطقة البقاع اللبناني. ونشر معهد "ممري" الذي يتعقب وسائل الاعلام العربية والفارسية، امس، ان مسؤولين كبار في الحرس الثوري الايراني اعلنوا في اواخر تشرين الثاني بأن ايران زودت حزب الله بصواريخ يصل مداها الى 300 كلم، ويمكنها ضرب غالبية الأرضي الاسرائيلية والوصول حتى الى مفاعل ديمونة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]