أظهر المؤشر العالمي الذي أعلنته منظمة «الشفافية الدولية» يوم الأربعاء 3/12/2014 من مقرها في العاصمة الألمانية برلين: أن كل الدول العربية ألـ «21» تقع في لائحة الفساد، حيث لم تستطع أي دولة عربية تجاوز الحاجز المطلوب لبلوغ مرحلة الشفافية والنزاهة المعقولة بحدها الأدنى، مع تفاوت كبير بين مراتب الدول العربية في تلك المساحة الحمراء، حيث حصلت الإمارات العربية على المرتبة الأولى عربياً والمرتبة «28» عالمياً، فيما حصلت قطر على المرتبة الثانية عربياً والمرتبة «29» عالمياً، فيما حصلت كل من الأردن والبحرين والسعودية على المرتبة الثالثة عربياً، والمرتبة «55» عالمياً، ثم بعد ذلك عُمان بالمرتبة «64»، والكويت «67» وتونس «79» والمغرب «80» ومصر «94» والجزائر رقم «100».
نجد أن الدول الأوروبية احتلت المراتب الأولى، حيث احتلت الدانمارك المرتبة الأولى عالمياً، ثم نيوزلندا، وجاءت الصومال في آخر مرتبة مع كوريا الشمالية، واحتلت السودان وسوريا واليمن وليبيا والعراق مراتب متأخرة جداً، حيث احتلت العراق المرتبة «165» من «175» دولة.
ويتم الاعتماد في هذا التقرير على مجموعة من المعايير المعتبرة في قياس مستويات الفساد في القطاع العام، منها استشراء الرشوة واتساع نطاقها ، وعدم تطبيق عقوبات رادعة للفساد، والكسب غير المشروع واساءة استخدام السلطة، وليس هناك نفي مطلق للفساد، إذ لا تخلو دولة في العالم من وجود بعض منه، ولكن هناك جهود مبذولة ناجعة في تعقب مواطن الفساد، وتطوير آليات المراقبة، وتحسين مستويات الشفافية وإرساء العدالة، بشكل دائم ومستمر، بحيث استطاعت بعض الدول أن تنجح في تقليل حجمه ومحاصرته إلى تلك الدرجة المعقولة، مثل بعض الدول الاسكندنافية، بينما نجد أن الدول العربية والأفريقية ما زالت عاجزة عن ملاحقة الفساد وتجفيف منابعة، وما زالت قابعة في المراتب الأخيرة على مستوى العالم، والأمر الملفت في هذا التقرير أن الصين تحتل مرتبة متأخرة وفقاً لهذا التقويم، كما أظهر التقرير تراجع تركيا لهذا العام.
ما ينبغي الالتفات إليه أن الفساد هو العدو الأول للأمة العربية كما هو العدو الأول لكل الأمم، ولكن نحن اعتدنا على إهمال هذا التصنيف ونلجأ إلى تصنيفات أخرى في لائحة ترتيب الأعداء، تجعلنا ندمن منهج التبرير لعجزنا وتقصيرنا وتقاعسنا، ويجعلنا متواطئين مع ضعفنا وجهلنا وقلة حيلتنا، وعدم قدرتنا على اصلاح أنفسنا ، ويجعلنا دائمي البحث عن المشاجب التي نعلق عليها فشلنا.
لا سبيل إلى تحقيق الحد الأدنى من متطلبات النجاح في مواجهة الأعداء الخارجيين إلّا بعد استيفاء متطلبات النجاح في اصلاح أنفسنا اولا، ومواجهة العدو الأول القابع في أعماق ذواتنا، المتمثل « بالفساد» ذلك الوحش المرعب الذي يلتهم طاقاتنا ومقدراتنا، ويحول دون وصول الأكفاء من الأمناء الأقوياء القادرين على صناعة النهوض المطلوب.
ربما يكون التقرير السابق مقتصراً على الشأن الاقتصادي، ولكن الفساد الحقيقي أكثر شمولاً وأوسع نطاقاً، إذ أنه ثمرة لفساد الإنسان أولاً وأخيراً، حيث يجب أن نعترف جميعاً أنظمة وشعوباً وأحزاباً ومؤسسات مجتمع مدني؛ أننا حتى هذه اللحظة لم نضع أيدينا على الجرح، ولم نبدأ الخطوة الأولى الصحيحة، على مسار النجاح، ولم نفلح في إعادة بناء الإنسان العربي، الذي يشكل الرافعة الحقيقية لكل مسارات الاصلاح المنشود.
[email protected]
أضف تعليق