علي طالب مع إعاقة بصرية منذ الولادة في الصف الثاني. أمه وأبوه يركضان من الصباح الى المساء من التأمين الوطني الى قسم الشؤون والخدمات الاجتماعية .
أمام علي مشوار طويل، ستضطر أمه أن تذهب الى المدرسة مرة واثنتين وعشرا لكي تشرح لهم عن الملاءمات التي يجب أن يحصل عليها علي كي يستطيع أن يتعلم، وسيكون على معلمته أن تفهم كيف يمكن أن تشرح الدرس دون أن تكتب على اللوح .
لاحقا سيكبر علي، ولأنه ذكي ولأنه مصمم أن ينجح، سيصل الى الجامعة وسيكتشف أن بانتظاره مشوار طويل آخر ! المواد غير ملاءمة، الامتحانات غير ملاءمة، والطريق من داره التي يستأجرها الى الجامعة محفوفة بالعثرات التي لا يستطيع أن يتفاداها من هو غير مبصر.
كل حركة صغيرة تصبح بحاجة الى تخطيط مسبق: إشارة المرور وخط المشاة، الباص والمصعد وشراء فنجان القهوة والوصول الى غرفة المحاضرة الصحيحة في الوقت!
لكنه مصمم ولا شيء يقف في طريقه.
سنوات الجامعة تمر، والآن معه شهادة بتحصيل جيد جدا.
"والله كنا منحب نشغلك .. بس انا مش شايف كيف بدك تدبّر حالك" يقول صاحب المكتب في نهاية مقابلة العمل.
على الأقل كان صريحا. في أغلب اماكن العمل الأخرى التي توجه إليها اعتذروا له بحجج واهية غير مقنعة.
في رحلة البحث عن عمل سيعيش علي احباطا وغضبا وسيتسلل اليأس الى قلبه أحيانا، وسيجمع قواه ليحاول مرة أخرى بعد أن حلف غاضبا أنه "خلص ما عادش بدي أشتغل، ويقطع أبو الشغل واصحابه".
ربما يجد عملا. ربما لا.
ربما يكون اسمه علي حقا، ربما يكون اسمه محمد أو جميل أو رانية أو نور!
ربما يكون من الناصرة أو من المشهد ، اكسال، طرعان، عين ماهل، أم الفحم، دبورية، أو أي واحدة من عشرات البلدات العربية الأخرى، التي ما زالت جميعها تشهد تأخرا كبيرا فيما يتعلق بتوفير الحقوق الأساسية للأشخاص مع اعاقة.
علي هو واحد فقط من بين أكثر من 400,000 شخص عربي مع اعاقة في اسرائيل.
أكثر من أي شيء آخر يعاني علي، ومثله الغالبية العظمى من الأشخاص مع إعاقة، من تدني نسبة الوعي العام فيما يتعلق بحقوقهم.
عدم الوعي السائد في المجتمع هو الذي يحول عملية تحصيل حقوق بديهية والتي من المفترض أن تكون مفهومة ضمنا، الى عملية صعبة وطويلة وغير مؤكدة النتائج !
الأشخاص مع إعاقة في اسرائيل يعانون من التوجه النمطي الذي يرى في الاعاقة مسألة ذات طبيعة صحية / فسيولوجية أو "حالة غير طبيعية" ويرى أن الشخص مع الاعاقة يجب أن يلائم نفسه للبيئة الخارجية، الامر الذي يجعل هذه الفئة من المجتمع مهمشة ويحدّ من امكانية اندماجهم في المجتمع كأشخاص أكفاء متساويي الحقوق وكأشخاص قادرين على المساهمة بشكل فعال وايجابي في مجالات الحياة المختلفة.
الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص مع إعاقة، التي تمت المصادقة عليها من قبل دولة اسرائيل في ايلول 2012 ، كان من المفترض أن تشكل ثورة في مجال حقوق الأشخاص مع إعاقة حيث أنها تعتمد توجها تقدميا فيما يتعلق بالحقوق، ذلك هو التوجه الاجتماعي الذي يرى في الاعاقة حالة طبيعية، وأن المشكلة تكمن في البيئة الخارجية غير المهيأة والملائمة لها، الأمر الذي يضع العقبات أمام الشخص مع الاعاقة ويحد من فرص اندماجه في المجتمع.
وقد اعتُمِدت اتفاقية حقوق الأشخاص مع إعاقة وبروتوكولها الاختياري في 13 كانون الأول 2006 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وفُتح باب توقيعها في 30 آذار من عام 2007. وقعت الاتفاقية 159 جهة، ووقعت البروتوكول الاختياري 92 جهة، وصادقت على الاتفاقية 151 دولة (حتى شهر أيلول 2014)، وعلى البروتوكول الاختياري 85 دولة. ومن الجدير ذكره، ان للاتفاقية اليوم تأثيرًا واسعًا على تطبيق القانون الاسرائيلي المتعلّق بمضامينها.
البند الثامن في الاتفاقية، هو أحد أهم البنود فيها، إن لم يكن أهمّها على الاطلاق ، ذلك أنه يؤكد واجب الدولة في اتخاذ خطوات فعالة لأجل إذكاء الوعي في المجتمع بأسره بشأن الأشخاص مع إعاقة، بما في ذلك على مستوى الأسرة، وتعزيز احترام حقوق الأشخاص مع إعاقة وكرامتهم، وكذلك مكافحة القوالب النمطية وأشكال التحيز والممارسات الضارة المتعلقة بهم، في جميع مجالات الحياة ؛ بالإضافة الى تعزيز الوعي بقدرات وإسهامات الأشخاص مع إعاقة.
في هذا السياق ، فإن عملية رفع الوعي ربما تكون الخطوة الأولى الأساسية من أجل مساواة الحقوق للأشخاص مع إعاقة ، ذلك أن الجهاز القانوني الاسرائيلي اليوم وبالذات بعد سن قانون مساواة الحقوق للأشخاص مع اعاقة ، والأنظمة المختلفة في شتى المجالات التي تم سنّها بموجب القانون ، يوفّر – على الورق – مساواة حقوق شبه كاملة للأشخاص مع إعاقة .
تبقى فقط قضية تنفيذ وتطبيق هذه الحقوق على أرض الواقع ، داخل المجتمع وبالتعامل مع كل العقبات الموجودة ، وأولها تدني نسبة الوعي العام فيما يتعلق بحقوق الأشخاص مع اعاقة !
رفع نسبة الوعي هو أمر بالغ الأهمية بالذات في المجتمع العربي داخل اسرائيل ، ذلك أن الاشخاص مع إعاقة يعانون فيه من تمييز مضاعف ، مرة لكونهم ينتمون إلى الأقلية العربية التي تعاني من تمييز مجحف في جميع مجالات الحياة (بما في ذلك التعليم، الصحة ، الميزانيات ، البنى التحتية وغيرها ... ) ومرة أخرى على خلفية الإعاقة !
وتجدر الاشارة إلى أنه فيما يتعلق بالإتاحة وتوفير الخدمات والمرافق الحيوية في البلدات العربية فإن الأمر أحيانا لا يكون متوفرا لمن هم ليسوا مع إعاقة، مما يجعل عملية إتاحة الخدمات للأشخاص مع إعاقة – بالذات في ظل عدم الوعي السائد – مسألة شبه غير قابلة للتحقيق .
فيما عدا ذلك توضّح الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص مع اعاقة ، كيفية تطبيق الحقوق المختلفة على الأشخاص مع إعاقة، وتحدد المجالات التي أُدخلت فيها تعديلات، كخطوة ارشاديّة لتمكين الأشخاص مع إعاقة من ممارسة حقوقهم بشكل كامل، اضافة الى توضيحها للمجالات التي انتُهكت فيها حقوقهم، والثغرات والنواقص القانونية التي يجب معالجتها لتعزيز تلك الحقوق.
وترتكز الاتفاقية على ثمانية مبادئ عامة تشكل القاعدة للحقوق القانونية :
1. احترام كرامة الأشخاص الفطرية واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم وباستقلالية.
2. عدم التمييز.
3. كفالة مشاركة وإشراك الأشخاص مع إعاقة بصورة كاملة وفعّالة في المجتمع.
4. احترام الفوارق وقبول الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية.
5. تكافؤ الفرص.
6. إمكانيّة التنقّل واتاحة الاماكن والوصول.
7. المساواة بين الرجل والمرأة.
8. احترام القدرات للأشخاص مع إعاقة من الاطفال واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم.
ختاما فإن الهدف من الاتفاقية هو "تعزيز وحماية وكفالة" تمتع الأشخاص مع إعاقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز احترامهم وكرامتهم وإتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
إلا أن الخطوة الأولى والأهم كما ذكر أعلاه هي رفع مستوى الوعي العام في المجتمع فيما يتعلق بحقوق الأشخاص مع إعاقة، وذلك لكي تصبح بقية الحقوق قابلة للتطبيق فعلا.
[email protected]
أضف تعليق