في قراءة مستفيضة لأبعاد قرار بنيامين نتنياهو فصل وزيري المالية والقضاء من حكومته، وبالتالي حل الائتلاف الحكومي، وحل الكنيست، يكتب المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، يوسي فورتر، ان نتنياهو أطلق، مساء امس، حملته الانتخابية في عرض عنوانه "اكلوا طعامي وشربوا مائي". فلقد استعرض مطولا أمام الكاميرات في مكتبه تفاصيل محنته كزعيم لحكومة ليست لطيفة، مع الوزراء الذين يتحلون بالوقاحة وأساؤوا اليه، وتحدوه، وتآمروا على تنفيذ "انقلاب" ضده. وروى كيف أجبروه على الموافقة على قانون ضريبة القيمة المضافة بنسبة صفر، وكيف أجبروه على الموافقة على فرض عقوبات جنائية على طلاب المعاهد الدينية الذين لا يتجندون للجيش، وكيف تحدثوا ضده مرة بعد مرة.

ويضيف فورتر: "لقد عملوا طوال اليوم على ثني يده. كنا نظن بسذاجة انه قوي، قوي، قوي، واتضح لنا الليلة الماضية أن لدينا رئيس وزراء مضروب. لقد كان وصف نتنياهو شديد التجهم إلى حد جعلنا نشعر بالحاجة الى ملاطفة رأسه ومواساته بسبب رحلة العذاب التي مر بها، والتي انتهت بإقالة رئيس "يوجد مستقبل"، وزير المالية لبيد، ورئيسة "الحركة"، وزيرة القضاء ليفني.

"بصفته اكثر سياسي محنك، نفذ نتنياهو لعبتي قيادة خلال اليومين الماضيين، وبادر وأملى في واقع الأمر مسار الأحداث السياسية. الأولى كانت ليلة أمس الأول، مع المقلب الذي دبره ليئير لبيد خلال اجتماعهما. والثانية كانت بعد ظهر امس، عندما أرسل الى كلا الشريكين المنافسين كتابي الفصل.

"من غير الواضح لماذا لم يقدم لبيد وليفني، على الاستقالة صباح امس. من المؤكد انه كان يتحتم على لبيد الاستقالة فورا بعد اهانته بشكل منهجي، امس الاول. اما بالنسبة لدافع ليفني المحتمل، فهو المحادثة التي اجراها معها نتنياهو ظهر امس، حيث تحدثا عن الوضع غير الجيد، وابلغها كيف عض على شفتيه عندما لم يقم بفصلها بعد الاجتماع الذي عقدته مع ابو مازن، دون اذن منه، في الصيف الماضي.

لقد قالت له انها قامت بالعمل القذر نيابة عنه عندما صدت القوانين القومية والعنصرية التي كانت ستلحق ضررا باسم إسرائيل في العالم. وانتهى الاجتماع بينهما بشكل معقول، وبعد الظهر وصلت ليفني الى ديوان الرئاسة للمشاركة في لقاء حول الاتجار بالنساء. ووصل نتنياهو، ايضا، الى هناك، وجلسا الى جانب بعضهما طوال 45 دقيقة. وفي ختام اللقاء ودعها ودخل سيارته. وبعد ثلاثة دقائق اتصل بها وابلغها قرار فصلها من الحكومة.

"لقد ضحكت ليفني وقالت له: "انت جبان، لم تستطع النظر في عيني والقول لي بأنني مفصولة". لقد شرح لها بأن سبب فصلها هو الخطاب المعارض الذي القته في الصباح، فقالت له: "لم تفصل نفتالي بينت عندما اتهمك بفقدان قيم الوعي".

"وكانت ليفني قد ابلغت، قبل ذلك، بعض من التقتهم في ديوان الرئاسة بأنها خرجت بانطباع يقول ان نتنياهو ليس معنيا بالانتخابات، فلماذا عليها الاستقالة اذن؟ ومن الواضح انها تقاسمت هذا الانطباع مع لبيد، ايضا، وهكذا انتظرا معا حتى تلقيا الاتصال الهاتفي من رئيس الحكومة والذي اعتبرهما خلاله بأنهما اصبحا مجرد تاريخ بالنسبة له.

"في الحقيقة يصعب اتهام نتنياهو بسبب قراره وضع حد لهذه النكتة الكامنة في حكومته الثالثة. فهو لم يخف ابدا ان هذه الحكومة هي ليست ما كان يطمح اليه. لقد تم فرضها على هذا المسكين نتيجة الانتخابات الأخيرة. كانت عالقة في حلقه، لم يستطع بلعها او لفظها، تماما كما كان هو عالقا في حلقي لبيد وليفني. وقد تحرروا الآن من هذا الاحتضان.

"لقد انطلقت الحملة الانتخابية بتفوق تكتيكي لنتنياهو. فقد كان هو المهاجم وهما المدافعان. ولكنه ظهرت في ساعات المساء عدة دلائل لا تبشر بالخير بالنسبة له. فالاستطلاعات السريعة التي نشرتها القناتين الثانية والعاشرة، اظهرت بأن نسبة كبيرة من الجمهور تحمله مسؤولية حل الحكومة، وفي المقابل يعتقد غالبية الجمهور ان تقديم موعد الانتخابات هو مسالة زائدة، وهذا الأمر سيرافق نتنياهو، بشكل واضح، خلال الفترة القريبة.

"الناس لا يفهمون لماذا يتحتم على دولة اسرائيل، مع كل مشاكلها وضوائقها، التوجه الى الانتخابات بعد عامين من الانتخابات السابقة. مساء امس، رسم نتنياهو مبادئ حملته الانتخابية: من يريد حكومة مستقرة، تؤدي مهامها، قوية، تفعل امورا كالحكومة السابقة، عليه التصويت لليكود برئاسته. نتنياهو يفهم، ككل اللاعبين في الملعب، ان حملة الانتخابات القادمة ستتمحور حول مسالة ما اذا كان يجب ان يواصل بيبي رئاسة الحكومة لدورة رابعة. ألم يحن الوقت، بعد تسع سنوات من رئاسته للحكومة، كي يرجع الى بيته؟

"خلال الأشهر القريبة سيجري هنا استفتاء شعبي حوله، وسيقف الجميع ضده، من اليمين والوسط وطبعا من اليسار، وسيتلقى النار من كل جهة. نتنياهو يواجه مشكلة قاسية: انه لا يملك راية يرفعها في هذه الانتخابات. فايران ستصبح قريبا دولة نووية، وحماس لم يتم هزمها او اجتثاثها، والاقتصاد، وكما شهد بنفسه، امس، انهار تماما "بسبب لبيد"، وعادت العمليات الى الشوارع، وفوق هذا يأتي ما يحدث في القدس، عاصمتنا الموحدة، والدول الاوروبية تقف ضدنا الواحدة بعد الأخرى، والعلاقات مع الرئيس الامريكي في اسفل الدرجات، و"عملية السلام" باتت نكتة حزينة، حتى لو لم يكن هو المسؤول الوحيد عن ذلك.

"وفي مثل هذا الوضع فان ما تبقى لرئيس الحكومة عرضه على الجمهور، امس، هو ذكريات من حكومته السابقة، كثيرة الانجازات. وبالفعل لا يمكن الانكار انها ضمت عددا من الشخصيات الجيدة والمجربة والناجعة كايهود براك ودان مريدور وبيني بيغن وميخائيل ايتان وغدعون ساعر وموشيه كحلون. وباستثناء الأخير الذي ينوي العودة على رأس قائمة مستقلة، لن يكون أي شخص من هذه الشخصيات في الحكومة المقبلة، في حال نجح نتنياهو بتشكيلها. لكن ما يمكن ان تضمه الحكومة هم رجال البيت اليهودي والمتدينين المتشددين. وبالمناسبة، فان المتدينين الذين يصل مستوى التنسيق بينهم وبين نتنياهو الى مستوى التعاون الامني بين اسرائيل والولايات المتحدة، كانوا يعرفون مسبقا كيف سينتهي هذا الائتلاف. لقد كانوا عميقا في الداخل، ومن ناحية نفسية، لقد اصبحوا شركاء في الائتلاف القادم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]