قفزت إلى ذهني أثناء أحداث قرية أبو أسنان المؤسفة أغنية السيدة فيروز التي تقول فيها: "سوا أربينا.. وسوا مشينا.. سوا قضينا ليالينا.. معقول الفراق يمحي اسامينا، وحنا سوا.. سوا أربينا؟" وقفزت عدة حكايات سمعتها من أشخاص عاصروا الوضع قبل قيام الدولة والتي تعبر عن الحياة المشتركة بين الطوائف العربية.. التي تبرز تراثنا المشترك العريق، والذي يجب أن نمرره للأجيال القادمة، ولا بد من أن يكون كل منا قد سمع عن الألفة والمحبة التي كانت سائدة آنذاك.. فقد أكلوا أهالينا معًا من ذات الصحن، أسوق هنا بعض ما سمعت من الكبار..

كان أن جاء الخوري لزيارة عائلة درزية وقد سمعت سيدة البيت بخطى القادم فقالت: "ياللي جاي جيب معك حجر مدق الكبة" فحمل الخوري الحجر وأتى به وعندما شاهدته قالت منحرجة: "هذا أنت يا أبونا.. أسيق عليك الله ترجعه" فأجابها مازحًا " يعني حملته مرة بدك أحمله مرتين" وحدثني الشيخ أبو طراد من دالية الكرمل أنه عندما كان طفلًا سقط في بركة "عين" أم الشقف" وكاد أن يختنق وصادف مرور بعض الرجال من قرية عين حوض، فقاموا بإنقاذه.. حادثة جديدة مع الأسر من عسفيا في بحيرة طبريا، كان أن غرق أحد الأطفال وعندما استنجدت الأم بالمارة قال لها المواطن اليهودي: هل انتم مجانين لماذا تستحمون في الأماكن الممنوعة? وهنا قفز الشباب العرب وبحثوا عن الطفل، نشلوه وقدموا له الإنعاش وبقدرة الله عاد الطفل إلى الحياة.. قصة أخرى، حدثت مع أحد الأصدقاء كان في زيارة لمدينة "جنين" وقد ألمت بزوجته أوجاع صعبة مما اضطرت العيادة في " مجمع النفاع" نقلها إلى مستشفى "العفوله" وهناك عندما أراد دفع أجرة المعالجة أُعلم بان العيادة في جنين قد قامت بالدفع.. أسوق هذه الإحداث لإبراز الحمية وغيرتنا على بعضنا البعض كعرب في هذه البلاد، طبعًا هناك قصص كثيرة تبين مدى ترابط الطوائف العربية قبل قيام الدولة وهناك قصص أخرى، تحتوى على تجاوزات المدعو "ابو درة" في " ثورة 36" من القرن الماضي يتم تضخيمها واستخدامها للتحريض ولإشغال أهلنا عن مظالم السلطة الحالية؟!! (وتقول بعض المصادر بأن "أبو درة" كان عميلًا للحركة الصهيونية والله أعلم) وماذا يحدث اليوم..

هناك من لا يريد أن يفهم ويستوعب مدى خطورة تفرقنا وقد أشارت صحيفة " هآرتس" في افتتاحيتها قبل أيام إلى ذلك وتحت العنوان "فرق تسد" وهناك من بيننا ممن فقد ضميره وأعماه "الشاقل" يقوم بمساعدة السلطات التي لا تهنأ بدون أن نكون متخاصمين، وعلى ماذا نتخاصم مع أهلنا؟.. طالما يربطنا مصير مشترك.. وطالما أن من يضطهدنا ويقوم بمصادرة أراضينا هو نفس العنصري الذي لا شيء يحد إطماعه.. الذي لا يقر لنفسه دستورًا يشير إلى حدوده.. الذي يعترف بكل صلافة بأنه يبغي احتلال أراض أُخرى لكي يضمن مصالح أجياله القادمة وهنا على الشاب المجند أن يسأل نفسه: هل يجب أن أكون أداة رخيصة لتنفيذ أطماع إسرائيل؟ هل يجب أن أحارب أهلي أكرامًا لعيون صهيون الفارغة..

هل إذا تماهيت مع السلطات سيجعلها لا تطمع في ارضي. ثم بماذا خصت السلطات المجند؟.. استطيع أن أقول صادقًا أن السلطات ميزت ضدنا أكثر مما ميزت ضد أبناء شعبنا من الطوائف الأخرى وأقول لمن لا يصدق : تعالوا لنقوم بجولة ميدانية في قرانا العربية التي لا يسكنها الدروز لتروا بأم أعينكم التطور الحاصل هناك.. تعالوا لنقوم بزيارة القرية البدوية "الزرازير" لنشاهد التطور العمراني والمناطق الزراعية والصناعية.. ثم ما هو رد فعلكم وكل يوم يخرج أحد المسؤولين ليصفعكم بقوله " إنكم مرتزقة" هل تخشب حسكم أم أنكم فقدتم حاسة السمع.. اعتقد أن عليكم أن تواجهوا من يستهتر بكم بدلًا من أظهار البطولة على بعضنا البعض، أقول لبعض المتهورين أن إسرائيل ليس لها أمانة حتى لأصدقائها، فأنت درزي أثناء خدمتك العسكرية وأسوأ من العرب عندما تنتهي مهمتك، على حد تعبيرهم العنصري والبشرية كلها سيئة ولن تستثني احد "
أيها الإخوة الشباب..

نحن نقول بان الشباب الدروز يخدمون في الجيش الإسرائيلي اجباريًا في حين أن هناك شبابًا عرب من مختلف الطوائف يدلقون أنفسهم اختياريًا نقول ذلك حتى لا يزايد أحد على الأخر.. فكل طائفة فيها ما يكفيها ونحن نعرف بان العمار يكلف الوقت الطويل، والدمار يمكن أن يجري في لحظة، أسوق ذلك عقب معركة "أبو سنان" الاتهامات المتبادلة والقول بان هناك من قام بنشر صور لصبايا درزيات في أوضاع مخلة بالأخلاق، إلا يعلم الجميع بأنه يستطيع أي سافل أن يقوم باستخدام برنامج "الفتوشب" ليلصق رأس امرأة بجسد امرأة أخرى.. لماذا نعوم على شبر من المياه.. ومن يعرف مصدر هذا التلاعب، ثم أن الكوفية.. ليست عارا وإنما بالعكس تمامًا فقد اعتمرها جدي وجدك.. اعتمرها القادة الشرفاء الذين رفعوا رؤوسنا إلى السماء.. اعتمرها سلطان باشا الأطرش القائد الذي قهر الاستعمار الفرنسي بعد أن فر الملك فيصل الأول إلى أيطاليا أرسل له سلطان مبعوثًا ليقول له أن الباشا أرسلني لتكملة المعركة معا التقى به في ميناء حيفا وهو في طريقه إلى ايطاليا فقال الملك الهارب للمبعوث:

"سلملي ع سلطان وقلو فات الأوان"؟!! يجب أن يُسجل التاريخ بكل صدق وعلينا أن نفخر بهذه الكوفية التي أغاضت الجهلة وهنا أقترح أن يعتمرها (زعمائنا) في خطوة تظاهرية على الأقل لامتصاص الاحتقان الذي يسيطر على نفوس الجهلة، نقول لكم مرة، لقد اعتمر هذه الكوفية سلطان الذي طرد الاستعمار التركي الذي جثم على صدر أمتنا قرون من الزمن وجعل " "كمال أتاتورك" يهرب من فندق " فكتوريا" مقر القيادة العسكرية التركية آنذاك في دمشق بعد أن أمر جيشه بهدم الجسور، ولن أغوص في أعماق التاريخ فتاريخنا عريق وعلينا أن لا نتنازل عنه..

صحيح أن إسرائيل استطاعت أن تُجير قطاع منا ليسير في فلكها وذلك من خلال البرامج الدراسية الخاصة لأبناء الطائفة الدرزية، ومنذ صفوف الدنيا وهذه البرامج يتخللها تحريض على أمتنا، وهنا وجريًا مع الموضوعية أسأل: ألا يجب أن تكون هناك خطة عربية تربوية مدروسة يساعد فيها الجميع، البيت والشعب والقيادة وإلا.. لا تستغربوا إذا عادت الأمور على نفسها في ذات المكان وفي أماكن أخرى. علينا أن ندخل غرفة الإنعاش المكثف فورًا.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]