يومًا بعد يوم، تتجه تركيا الى السلطوية، في ظل حزب العدالة والتنمية وخاصة في ظل الشخصية المعقّدة والتسلطية لرجب طيب أردوغان. و نقول سلطوية، باعتبار أنه لا يمكن بعد كل الإجراءات التي يتخذها أردوغان وحزبه، أن نطلق على تركيا صفة الديمقراطية، ولم تصل الى درجة الديكتاتورية بعد. علمًا أن السلطوية تعتبر حكم يتميز بدرجة عالية من قوة الدولة والغياب الغالب للإجراءات المتعلقة بالموافقة الشعبية أو حماية حقوق الأفراد، وأصحابها يعتبرون بأن على المواطنين طاعة السلطة وخدمتها وأن السلطة تسبق الفرد في ميزان قيام المجتمع.
وتظهر سلطوية الحكم التركي من خلال ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من ممارسات بعيدة عن النمط الديمقراطي المعروف باحترام رأي الشعب وحرياته وحقوقه، كما ضمان حقوق الأفراد، وحماية الأقليات وخصوصياتهم الثقافية، علمًا أنه يُشهد للإتراك وخاصة حزب العدالة والتنمية قدرته على خداع الغرب لسنوات، لدرجة أن الأميركيين طرحوا فرض "النموذج التركي" على الدول العربية التي كانت جزءًا مما يسمى الربيع العربي.
وقد يكون مفهومًا - نوعًا ما- هذا التصلب التركي، والحقد الذي بات شخصيًا على الرئيس بشار الأسد، باعتبار أن الأسد وصمود نظامه وجيشه قد يكونان السبب في انهيار مشروع السلطنة العثمانية الجديدة الذي حلم به أردوغان وكاد أن يتحقق، لولا أنه استفاق في حزيران 2013، ليجد أن كل شيء تبخّر. وقد يكون من الطبيعي، ان يكنّ أردوغان الحقد على المشير عبد الفتاح السيسي بنفس القوة والكراهية التي يكنّها لبشار الأسد، باعتبار أن الأسد صمد وخلخل أساسات المشروع الإمبراطوري الأخواني، وأتى السيسي فقضى عليه الى غير رجعة.
ولكن، ما هو غير مفهوم، هو هذا الحقد الذي يكنّه أردوغان للنساء بشكل عام، والذي يطرح علامات استفهام كبرى، إذ لم يكتفِ أردوغان بإنكار المساواة بين الرجل والمرأة، بل تدخل في الحرية الشخصية للمرأة وللعائلة ككل، عندما اعتبر أنه "يجب" على المرأة التركية أن تنجب أطفال ثلاث، وأن المرأة لا يجب أن تضحك في المكان العام، والأخطر والذي لا سابقة له، هو رفضه لمبدأ العملية القيصرية في الولادة!.
العجيب الغريب، أن أردوغان يعتبر الولادة القيصرية وكأنها ترفًا تقوم به المرأة، كعمليات التجميل وغيرها. وفي هذا إما جهل من قبل القائل، أو استهتار بحق المرأة في الحياة هي وجنينها في حال تعذرت عليها الولادة الطبيعية. وإذا كان لإردوغان أن يجد في تفسيراته الخاصة للدين الاسلامي، وفي استرجاعه للثقافة والعادات القرو- أوسطية بعض الدعم لنظرياته الفذّة، ولكن أنّى له أن ينصّب نفسه طبيبًا، وينكر على المرأة حقها في الحياة، وهو أبسط حقوق الإنسان الطبيعية الذي كفلته جميع الشرائع السماوية وغير السماوية، وكفلته المواثيق والاعلانات القانونية.
النتيجة، بات أردوغان بحاجة الى وقفة ضمير حقيقية مع نفسه، وبحاجة الى من يصدقه القول، بأن ما تشكّى منه أمام البابا فرنسيس من أن "العنصرية والتمييز وكراهية الآخر، والاسلاموفوبيا، تتنامى بشكل خطير في الغرب"، قد تكون تصرفاته وتصريحاته وتصرفات الاسلام السياسي الذي يديره سببًا رئيسيًا فيها، وخاصة أنهم يعيدون تصرفاتهم ويردونها الى الدين الاسلامي باعتبار أنهم يحتكرون تفسيره، ويصورون أنفسهم على أنهم "أصحاب الحقيقة الاسلامية" الوحيدة... نعم، يعاني المسلمون من بعض الممارسات في الغرب، ولكن السبب ليس داعش وبوكو حرام والقاعدة وحدهم، بل تصريحات اردوغان المسيئة للمرأة أيضًا. فهل ستكون نهاية الأردوغانية على يد المرأة التركية؟
[email protected]
أضف تعليق