تشكيل حكومة الوفاق شكل دفعة أمل لكثير من المواطنين، خاصةً في قطاع غزة... ذلك أنها جاءت تتويجاً للمصالحة، بما يعيد اللُّحمة إلى شِقَّيْ الوطن، الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلى النظام السياسي، بما يؤسس لوضع جديد، تكون فيه مصلحة الوطن هي العليا... ولكن يبدو أن مفهوم المصالحة ما زال مختلفاً عليه، وأن مطاطية المفهوم لدى اللاعبين الأساسيين جعل المصالحة تدور في حلقة مفرغة... بحيث لم يعد المواطن قادراً على التفريق بين ما كانت عليه الأوضاع مثلاً قبل سنة وما هي عليه اليوم. في غزة، وبعد الاتفاق على وقف العدوان، كان هناك أكثر من تحدّ أمام الحكومة، من أهمها القدرة على التعافي من آثار الجرائم الإسرائيلية، وبدء مرحلة جديدة من التنمية الحقيقية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية، ولكن هذا لم يحصل، على الرغم من الإنجازات المحدودة... والسبب الرئيس، هو اصطدام الحكومة بسياسة الأمر الواقع في قطاع غزة... هذه السياسة القائمة على استمرار الحكم بما كان، مع التنازل عن المسمّيات الوزارية... بحيث إن وزراء الحكومة في كثير من الأمور لا يمكنهم إحداث تغيير حقيقي فيما هو قائم. المشكلة الأخرى، أن المصالحة كانت بالأساس منصبّة على الوظائف والرواتب والامتيازات... وكأن التنازل عن الحكومة وليس الحكم سيعفي الحكومة السابقة في غزة من تحمُّل المسؤولية عن عشرات آلاف الموظفين في القطاع العام وترحيل هذا العبء الثقيل إلى حكومة التوافق التي هي أضعف بكثير من تحمُّل هذا العبء. أما في المجال الأمني، ابتداءً من وزارة الداخلية وليس انتهاء بشرطي السير، فإن حكومة الوفاق ليس لها دور في هذا المجال... وكل ما يمكنها فعله هو المراقبة... مع تحميلها وزر كل انتهاك أمني، واتهامها بعدم القدرة على حلّ الإشكاليات، وأقرب مثال على ذلك ما حصل عقب التفجيرات الإرهابية التي طالت قيادات حركة فتح في غزة. ولكن في الضفة توجد إشكاليات أمام حكومة التوافق، فهي حتى الآن غير قادرة على التفاعل جماهيرياً، ولم تعط حلولاً لكثير من المشاكل الحياتية للمواطن. قد يعتبر البعض أن عمر الحكومة لا يؤهلها حتى اليوم لإحداث اختراق واضح في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية (ولا نتحدث عن السياسية لأنها ليست من مهامها)... ولكن الشهور الماضية كانت كفيلة لكثير من الوزراء لإثبات قدرتهم على تقديم إنجاز ملموس... ربما إحدى إشكاليات الحكومة هي في تعدد الحقائب الوزارية. فليس من المعقول أن يتقلد وزير يدخل الحكومة لأول مرة حقيبتين وزاريتين أو أكثر... هل هناك قدرة لإنسان أن يُدير أكثر من وزارة ويحقق اختراقات؟ ربما قال البعض إن عمر حكومة الوفاق ليس طويلاً على قاعدة أنها شكلت لفترة محدودة، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولكن يبدو أن مثل هذه الانتخابات التي كان من المقرر أن تتم خلال 6 شهور من التوافق أبعد بكثير مما نتوقع... ولهذا يجب أن يُعاد النظر في كثير من مجريات هذه الحكومة دون أن نُحمِّلها وزر ما لا يمكن أن تتحمّله. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]