استقيت عنوان هذه المقالة، من عبارة وردت في نهاية مقال للناقد السينمائي العبري، اوري كلاين يعلق فيه على قرار اللجنة الخاصة التي عينها وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت والتي أقرت بوجوب اعادة المخرجة السينمائية الفلسطينية سهى عراف مبلغ 600 ألف شيكل، الذي حصلت عليه دعما لانتاج فيلمها الأخير "فيلا توما". والذي نشره في الملحق الفني لصحيفة "هآرتس" يوم الجمعة الماضي (21/11/2014).
"يا للهول، كم نحن أغبياء يمكن ان نكون"، كانت تلك صرخة من الكاتب في وجه المؤسسة الحاكمة، التي أقدمت وبخطوة غبية على الطلب من المخرجة سهى عراف اعادة المبلغ المذكور لصندوق وزارة الثقافة والفنون، برئاسة الوزيرة اليمينية ليمور ليفنات، والمعروفة بتوجهاتها العدائية للعرب ولكل ما هو تقدمي وانساني، وهي التي ضغطت شخصيا في هذا الاتجاه.
وينتقد الكاتب سلوك المؤسسة الحاكمة، ويتساءل عن المعيار لتحديد هوية الفيلم. فيقول في ذلك أن هناك مقومات للفيلم السينمائي في تحديد هويته وهي: المكان، الموضوع، اللغة، الهوية القومية لمنتجي الفيلم المركزيين، كل تلك العوامل تحدد هوية الفيلم. وعندما نطبق تلك العوامل على فيلم "فيلا توما"، فانه يخرج فيلما فلسطينيا بامتياز.
طبعا هذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها وزارة الثقافة والفنون والرياضة! برئاسة ليفنات أو المؤسسة الحاكمة برمتها على الانتقام من مبدع/ة فلسطيني/ة من حاملي الهوية الاسرائيلية، وقطع المعونة عنه أو عنها جراء تعريف عمله على أنه فلسطيني.
ولست أدري اذا كانت الوزير تدري أو لا تدري، وهي التي تقدم جائزة سنوية للمبدعين العرب في المجالات الأدبية المختلفة، أن معظم ان لم يكن جميع المتقدمين والحاصلين على الجائزة يعتبرون أدبهم فلسطينيا. فاللغة والمكان والمواضيع والهوية كلها تؤكد انتماؤهم العربي الفلسطيني، فهل ستوقف الوزيرة أيضا تلك الجائزة وتحجبها عن الأدباء لأنهم يكتبون بالعربية ويفكرون بالعربية ويتكلمون العربية؟ ان كانت تريد فتلك مصيبة وان كانت لا تريد فالمصيبة أعظم.
ظلم الحكومة والمؤسسة معروف وهو ظالم ومر، لكن وكما قال الشاعر "وظلم ذوي القربة أشد مضاضة" وأمر وأقسى. حيث تزامن اجراء المؤسسة الاسرائيلية، مع ظلم قاس ومر طال أديبنا الشاب المربي علي مواسي من باقة الغربية. الذي تعرّض لحملة تشويهٍ وتهديدٍ وتحريض من عناصر متزمتة داخل البلدة خاصة ومجتمعنا عامة، لأنه اختار تدريس رواية "أورفوار عكّا" للأديب علاء حليحل لطلّابه في إحدى مدارس باقة الغربيّة الثّانويّة، بادّعاء أنّ فيها مشاهد وتعابير "خادشة للحياء"، واستغلال هذه الحجّة الواهية للنّيل منه ومن دوره التّربويّ والتّثقيفيّ، من خلال تلفيق ادّعاءات مشبوهة ووصفه بـ "الزّندقة، والكفر، وإفساد الأخلاق، والاعتداء على دين الله"، ومن نافل القول أنّ أولئك لم يقرأوا الرّواية أبدًا. وطالت حملة التّشويه والتّجريح عدّة شخصيّاتٍ أخرى من باقة الغربيّة وخارجها، منها بروفيسور محمود غنايم، رئيس مجمع اللّغة العربيّة - النّاصرة، والشّيخ خيري مجادلة، رئيس الحركة الإسلاميّة في باقة الغربيّة، لوقوفه في وجه من يحاول جرّ باقة الغربيّة إلى فتنة بأيّ ثمن من المتطرّفين.. يا للهول، كم نحن أغبياء.
وقد دفعت حملة التّشويه والتّحريض والتّكفير، وللأسف الشديد بالمربي علي مواسي إلى إعلان استقالته من المدرسة. وعند ذكر الاستقالة نذكر أن عضو بلدية الناصرة الجديد، والناشط السياسي والاجتماعي الدكتور عزمي حكيم، ابن الناصرة ورئيس المجلس الملي الأرثوذكسي السابق أعلن عن توقيف نشاطاته كلها وانسحابه من الحياة السياسية والعامة، على خلفية التهديدات اليومية التي يتلقاها الى جانب الشتائم البذيئة والتحريض الشخصي عليه، لأنه كتب في صفحته رثاء بوفاة الشاعر سميح القاسم ناعتا اياه بآخر الأنبياء.
لقد سبق ومنعت بعض الأطراف المتزمتة، في الفترة الأخيرة عرض العمل الفني "وطن على وتر" في عددٍ من مدننا وبلداتنا العربيّة، كما تعرضت أعمال فنية للهجوم ومحاولات توقيفها، ليس من السلطة الحاكمة، بل ممن يعتقدون بأنفسهم سلطة "سوبر بشرية"، والعياذ بالله. ويخطيء من يظن أن هذه الظاهرة جديدة، فلا زلت أذكر محاولة عناصر مشابهة في شفاعمرو منع تنفيذ أمسية فنية- ثقافية تضامنية مع الفنان الملتزم، مارسيل خليفة على اثر تعرضه لحملة ظالمة على خلفية تلحينه وتأديته لقصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش "أنا يوسف يا أبي"، والتي تم الدعوة لها من قبل بلدية شفاعمرو، مركز شفاعمرو الجماهيري واللجنة الشعبية المبادرة يوم 30/10/1999 ( أي قبل 15 عاما)، لكن يومها فشلوا في مرادهم.. أما اليوم ينجحون..يا للهول، كم نحن أغبياء.
من المفارقات المؤلمة، أنه في الأسبوع الذي شنت فيه الحملة الشعواء على الشاعر والمربي علي مواسي، واضطر فيها الى الاستقالة من عمله بعدما لم يعد يحتمل تلك الاساءات والتهديدات، نظمت المدارس العربية وخاصة في منطقة المثلث فعاليات تربوية بمناسبة "أسبوع التسامح"، اشتملت على مواعظ ومحاضرات ولقاءات وفعاليات تربوية هدفت الى نشر الأفكار المتنورة التي تدعو للتسامح وتقبل الآخر والتعددية الفكرية، ولا أدري اذا ما تعرضت تلك الفعاليات لما جرى في احدى مدارس باقة من اغلاق الأفواه والعقول.
ان ظاهرة لجم ومنع الأعمال الفنية، والحجر على الفكر وتقليد السلفيين في بعض الدول المحيطة، انما هو خروج عن التسامح الذي عرفناه والتعددية وحرية الرأي التي سادت في مجتمعنا. وتنصيب البعض نفسه قيما على كل عمل ورأي في فضائنا، يتطلب وقفة موحدة من كل من- وهم الغالبية في شعبنا- تعز عليه حرية الرأي والمعتقد، وسمو الفنون والاداب، كي لا نغرق في الجهل الذي ضحكت منه الأمم علينا، برأي شاعرنا. وكي نبعد الظن ونحتكم للعقل ونجعله إمامنا كما رغب شاعر آخر.. يا للهول، كم نحن أغبياء.
(شفاعمرو/ الجليل)
[email protected]
أضف تعليق