صديقي أيهم...
لم يعد الوقت وقت خطابات، ثمّ إننا شبعنا منها، ولا نرغب بالمزيد، وإن كان الأمر ملحاً للغايّة بنظرك ولا أحسبه كذلك، يمكنك العودة لأرشيف صاحبنا ناجي العلي، وسيتلو عليك التاريخ المجيد من أولّه لآخره.
وبالمناسبة لست بحاجة لمتابعة نشرات الأخبار، فالتاريخ يُعيد نفسه، وإن ألحّ عليك الحنين للخطابات "اللي هيه" كما يقول الاخوة المصريون، فعليك مشاهدة لقطات تشارلي شابلن الخرساء، أقلّها ستجلب المرح لقلبك المتعب، والمرح جيّد هذه الأيّام، فهو عملة نادرة جداً، اشترِ لقلبك بعضاً منه، وإن لم ترغب بذلك، اشترٍ ساعة واجمع فلسطينك داخلها، مثلما فعل والدي هو وأصدقاؤه، صنعوا ساعة ثُبّتت على رأس عقاربها أسماءهم وأسماء مدنهم، وكانت غزة وعكا وحيفا ويافا والقدس ونابلس والناصرة ومدن أخرى كثيرة توزّعت على عقارب الساعة، وحتى اللحظة مازالوا يحتفظون بها!
كلمّا تأملت تلك الساعة في يد أبي انتفض قلبي من مكانه إجلالاً لهذه اللحمة العجيبة، وكم تمنيّت لو تُتاح لي الفرصة لأصنع واحدة لي، لكن ذلك لن يتحقّق قبل أن أزور بلدات فلسطين مثلما فعل والدي خلال تجواله بين البلاد فيما مضى!
والقصة طويلة وعريضة وتحتاج إلى الكثير من اللوجيستيات والتصريحات، من هنا لا تستهن بأمر الساعة يا صديقي! الأمر هنا يُذكرني بمشهد تلفزيوني قديم، فيه يقف البكري مُمسكاً بعصاه يتأمّل جرّة العسل المعلّقة بسقف الغرفة، وأمامها أخذ يتلو أحلامه الكبيرة التي ستحققها له جرّة العسل فيما لو باعها بثمن جيّد، وأخذ يحلم ملوحاً بعصاه، ومن دون أن يدري كسر الجرّة، واندلق العسل على أرض الغرفة، وراحت أحلامه هباء منثورا.
لم أجد يوماً مشهداً معبراً كهذا المشهد: مضحك مبك بالوقت نفسه، لا بل إنني أحسب ان أبناء شعبي وبالرغم من مصابهم التاريخي المزمن جالب الحزن والتعاسة، الا انهم من أجدر الناس بأن يكونوا كوميديانيين، لا تراجيديين كما هو واقعهم. لأن الكوميديا السوداء هي افضل انواع التراجيديا
[email protected]
أضف تعليق