اليمين الاسرائيلي يصر على جر إسرائيل نحو الفاشية بعد ان اثبت من خلال عدة قوانين، انه جعلها وريثة لنظام الأبرتهايد الجنوب افريقي. وفي غمار القوانين والانظمة التي يتم طرحها مؤخرا، والتي يقودها رأس الهرم، بنيامين نتنياهو، فرض العقاب الجماعي على عائلات الأطفال الذين يشتبهون برشق الحجارة على قوات الأمن الاسرائيلية (ليس في القدس والضفة فحسب وانما داخل اسرائيل، والمقصود العرب فقط) من خلال تغريمهم بمبالغ مالية ضخمة "تجعلهم يضغطون على أولادهم للتوقف عن رشق الحجارة" – حسب تعبير مسؤول امني، مرورا بدعوة نتنياهو الى سحب المواطنة ممن يزعم انهم يتظاهرون من اجل تدمير إسرائيل واقامة الدولة الفلسطينية (يقصد العرب طبعا)، وصولا الى دعوته لهؤلاء المتظاهرين – لكل المواطنين العرب طبعا – الى القيام والانتقال الى السلطة الفلسطينية، لا بل الى غزة، لأن مستر نتنياهو لا يتحمل المظاهرات ضد سياسة حكومته، سياسة الاحتلال (تماما كما فعل نظام البيض العنصري في جنوب افريقيا).

ليس هذا فحسب، بل جاء الوزير الذي يفترض فيه ان يكون حارسا لأمن المواطنين، ليثبت انه الحارس الكبير لأمن اليهود فقط، في تصريح اعلن فيه من دون قرار رسمي او قانون، فرض حكم الاعدام بدون محاكمة على كل من يتعرض للمدنيين (اليهود طبعا) بقوله حين تم قتل احد منفذي عمليات الدهس في القدس "ان هذه هي النهاية التي يريدها"، تماما كما سلك الجيش في رفح يوم استخدم ما يعرف باسم "نظام هانيبال" لذبح مئات المدنيين الفلسطينيين، فقط كي يمنع رجال حماس من الهرب مع الجندي المخطوف (او جثته) هدار غولدين. وكانت الكاتبة الاسرائيلية الجريئة كارولاينا لاندسمان، محقة في تفسيرها لقرار وزير الامن الداخلي على ان "الدولة التي تفضل جنديا إسرائيليا قتيلا على جندي اسير، تفضل مخربا عربيا قتيلا على مخرب معتقل... وهذا يعني ان الدولة تسعى الى التوضيح بأنها ليست معنية بهم كمعتقلين... وهكذا فان الطريقة المثلى لمنع اطلاق سراح المخربين تكمن في عدم اعتقالهم منذ البداية" (هآرتس 12/11/2014)، وبالتالي فان الحل يكمن في اعدامهم.

ويبدو ان الكابوس الذي يسببه الفلسطيني ورموزه القومية يصيب اليمين المتطرف، ودعاة هدم قبة الصخرة والمسجد الأقصى وانشاء الهيكل مكانهما، بأشد حالات الجنون، الى حد يجعلهم ينشغلون ليلا ونهارا، فقط في اختراع المزيد من القوانين التي تستهدف الفلسطينيين داخل إسرائيل، من جهة، وتكريس الاحتلال من جهة أخرى. ومن المناسب ان نذكر هنا بأن هذا اليمين يطرح في ادعاءاته ضد النواب العرب دائما، انهم يتناسون قضايا جمهورهم (داخل اسرائيل) وينشغلون بقضايا الفلسطينيين (في الضفة والقطاع)، انطلاقا من رفضهم الاعتراف بحقيقة كون هؤلاء النواب ابناء الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وان نضالهم من اجل الفلسطيني في مخيم جنين، او مخيم الشاطئ، او حتى من اجل عودة اللاجئ في مخيمات البؤس التي ولدّتها النكبة، انما يناضلون من اجل شعبهم، بدون خطوط خضراء او حمراء. ولكن هؤلاء النواب، من اليمين، يسمحون لأنفسهم بما يحرمونه على النواب العرب. فلهم يحق تكريس عملهم وكل جهودهم فقط من اجل ترسيخ الاحتلال وتعزيز المستوطنين، الذين يقيمون على أرض ليست اسرائيلية، بل محتلة (آخر ذلك كان قانون تطبيق قوانين الكنيست على المستوطنين الذي صودق عليه هذا الاسبوع في اللجنة الوزارية لشؤون القانون، والذي يأتي للالتفاف عمليا على غياب قانون يضم هذه الأرضي رسميا الى إسرائيل كما حدث في القدس الشرقية وهضبة الجولان).

والحرب الجديدة التي وجد فيها احد اقطاب هذا الخط الصهيوني الذي يسعى الى جر اسرائيل نحو الفاشية، تستهدف احد الرموز الوطنية للشعب الفلسطيني: الكوفية. نعم، صدقوا ان نائبا اسرائيليا يسعى الآن الى محاربة الكوفية تحت ستار "محاربة الملثمين". فقدبادر عضو لجنة الخارجية والامن البرلمانية، النائب يوني شطبون (من البيت اليهودي) الى طرح مشروع قانون جديد ضد "الملثمين"، بادعاء انه سيسهل بذلك على الشرطة، التي يدعي ان اياديها مقيدة، تقديم لوائح اتهام ضد المتظاهرين ومخالفي القانون!

وكيف سيفعل ذلك؟ في قانون العقوبات الاسرائيلي هناك مادة تسمى "التجمع غير القانوني". وحسب تلك المادة يمكن للشرطة اعتقال مجموعة يثور الاشتباه بأنها "اجتمعت كي تخرق النظام العام". ولكن القانون يحتم على الشرطة واجب الاثبات بأن هذه المجموعة اجتمعت فعلا بهدف خرق القانون، وفي غياب اثبات كهذا، يصعب تقديم "المشبوهين" الى المحاكمة بتهمة القيام او المبادرة او التخطيط للشغب القومي العنيف. ولكن مشروع شطبونيحرر الشرطة من واجب الاثبات، وينقل المسؤولية عن ذلك الى "المشبوهين"، بمعنى انه سيكون عليهم الاثبات بأنهم أبرياء ولم يجتمعوا بهدف مخالفة القانون. وطبعا، حسب مشروع قانون شطبون، تثبت التهمة اذا تم اعتقال هؤلاء وهم ملثمون. وبالتالي سيسهلتقديمهم الى المحاكمة.

ماذا يعني ذلك على مستوى العامة؟ كثير من ابناء شعبنا يعتزون بالكوفية، وتكاد لا تغادر اعناقهم، وفي حالات كثيرة يلفون بها وجوههم، خاصة في حالات البرد القارس، او ربما لغرض آخر.. وحسب قانون شطبون، فانه يمكن لأي شرطي يلتقي مجموعة من الناس الملثمين بالكوفية، (او غيرها كما يمكن التكهن) فانه يجوز له التشكيك بنواياهم واعتقالهم.. وربما تقديمهم الى المحاكمة؟!

فهل هناك اكثر من هذا القانون ما يدل على هوس شطبون وامثاله من نواب اليمين الذين يعانون الصرع كلما صادفوا عربيا او سمعوا اللغة العربية؟ وهل نبالغ اذا قلنا ان المصادقة على هذا القانون، ستعني بناء مدماك آخر في النظام الفاشي.

"من جاء لقتلك"!

بالمناسبة، لقد اعلن شطبون هذا، بعد جريمة قتل الشاب خير الدين حمدان، من قبل الشرطة، في نهاية الأسبوع المنصرم، دعمه للجريمة، واقتبس مقولة توراتية صهيونية تقول: "من جاء لقتلك اسبقه واقتله". لا شك ان الدفاع عن النفس يعتبر حقا مشروعا لمن يتعرض الى اعتداء يستهدف حياة أي انسان ويعرضها للخطر (وهو ما لم يثبت من الشريط الذي يوثق لجريمة قتل حمدان، حيث تبين انه هاجم السيارة ولم يقترب من افراد الشرطة، الذين تواجدوا في داخلها، كي يهدد حياتهم كما زعم بيان الشرطة، وبالتالي هرب عندما خرج افراد الشرطة من السيارة فقتلوه من خلال اطلاق النار على ظهره). وما نريد قوله هنا، ان شطبون يبرر هذا الحق لليهود فقط، او لمن يعمل في خدمتهم حتى لو كان عربيا، ولكن، كما يبدو من حكاية سأسردها لاحقا فان شطبون، وإسرائيل طبعا، لا تبرر للشرطي اليهودي او العربيحتى مجرد تهديد اليهودي بالسلاح.

وهناك حادثتان تؤكدان ما نقول: الاولى مذبحة شفاعمرو التي نفذها الارهابي الجندي/المستوطن عيدن نتان زادة في آب 2005، عندما قتل اربعة شبان من المدينة ببندقيته العسكرية، فقام المواطنون الغاضبون بمهاجمته وقتله. وتم اعتقال سبعة من المواطنين، وهناك من يؤكد ان ذلك تم عشوائيا، وتمت ادانتهم بتهمة قتل المستوطن/الجندي. في حينه لم تتقبل المحكمة، او لم تناقش هذا المبدأ (من جاء لقتلك اسبقه فاقتله)، بل رفضت حتى معاملة الشبان الشفاعريين كما تمت معاملة المستوطن دافيد مزراحي الذي قام بدهس الفلسطيني الذي قام بطعن زوجته، رغم ان الجنود كانوا قد سيطروا على الفلسطيني واصابوه وكان ملقى على الأرض. وحكم على مزراحي بالعمل في خدمة الجمهور لمدة ثلاثة أشهر فقط، لأن القضاة "اخذوا في الاعتبار وضعه الشخصي". اما شبان شفاعمرو، فلم يتم في قضيتهم اخذ الوضع الشخصي في الاعتبار، ولا دماء الضحايا الذين قتلهم زادة، وتم الحكم عليهم لفترات سجن متفاوتة. وهناك امثلة كثيرة اخرى على احداث مماثلة.

الحدث الثاني يتعلق بالذات في "مسالة الاعتداء على الشرطة". لقد تم قتل خير الدين حمدان بادعاء انه اعتدى على الشرطة وحاول طعن افرادها، وهو ما يفنده الشريط المصور كما اوردنا اعلاه. ومع ذلك حظيت الجريمة بتأييد واسع من قبل قادة اليمين، من نتنياهو الى بينت وليبرمان وشطبون وميري ريغف وكل العنصريين الذين يستبيحون دماء العرب. ربما صدفة او بغير صدفة، تم هذا الأسبوع نشر شريط على شبكة "يوتيوب"، يصور عملية اعتقال لشاب يهودي في احدى البلدات الاسرائيلية.. (ليس واضحا اين تم التصوير). والمهم ان شرطيان حضرا لتنفيذ المهمة، بدون أي سلاح ولا حتى هراوة، ومنعا طوال ربع ساعة على الاقل من تنفيذ الاعتقال بسبب تحلق عشرات الشبان اليهود من حولهما وتوجيه الشتائم اليهما، خاصة الى الشرطي العربي، لكونه "عربيا جاء لاعتقال يهودي في اسرائيل"، كما يسمع صوت احد الذين حاصروا الشرطيين واضحا. طوال محاصرتهما لم يأت افراد الشرطة باي عمل عدواني ضد الشبان اليهود، رغم الشتائم والدفع والركل الذي تعرضوا له.. لا بل يشاهد احد الشرطيين وهو يشرح لاحدهم بكل لطافة شيئا غير واضح في الشريط.. ولم يتم لا استخدام مسدسات نارية لتفريق المهاجمين، ولا حتى مسدسات الصعقة الكهربائية ولا حتى الهراوات، فكلها غابت عن الحلبة...

الفارق بين هذا الشريط والشريط الذي يصور قتل حمدان، هو واحد: هوية المشبوه. التعقيبات التي رافقت الشريط لدى نشره على الفيسبوك، اجمعت على امر واحد، وبحق: لو كان الحادث قد وقع في بلدة عربية، لكان يمكن ان نرى عشرات القتلى والمعتقلين والجرحى.. "نفذت ما علموني اياه" قال سائق دورية الشرطة التي قتلت حمدان. اذن هي سياسة؟وضد العرب!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]