من المستحيل أن يدَّعي المرء أنه حرٌّ ما لم يستطع متابعة الأسئلة التي تطرحها عليه نفسه أثناء وحدته، فهو يحيا عبر الإجابة عن هذه الأسئلة. ولا بدَّ لنا من وقفة عند الحريّة التي لم تولد مع الإنسان، بل عليه المثابرة لنيلها؛ كونها ليست مجرد معادلة أو فلسفة بل سلوك وتربية. لكلٍّ منا تصوّره الخاصّ في فهم الحريّة وتفسيرها، فلا حياة بلا حريّة. من جهتي أستغرب ممّن يعتقد أنّ الحياة شيء والحرية شيء آخر، وقد لا يختلف اثنان أنّ حريّتك تنتهي عندما تمسّ يدك الممدودة أنف إنسان آخر!
قال نيلسون منديلا:" ليس حرًّا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة". أمّا الغنيّ عن التعريف نزار قبّاني الذي عشق وتزوّج الحريّة قال: "للحريّة مقياس ومعايير وضوابط وإلا كانت الحريّة قاتلة، لها جانبان متعادلان؛ الأوّل يختصّ بنا والثّاني بالآخرين، وكلّ محاولة منا لنسيان الجانب الآخر تفقد الحريّة معناها الأساسيّ وتجعلها طغيانًا".
بعد هذه الكلمات المعبِّرة لا أظنّ أن هناك مكانا لمزيد من الشرح. وأترك لك، عزيزي القارئ، فهم ما بين السطور، وربّما فهم ما دفعني لاختيار هذه المقدّمة، وكتابة هذه الخاطرة.
استحلفك باسم الصّداقة والتي هي نعمة من الباري، وملح الحياة، والوردة الوحيدة التي لا أشواك لها، والوجه الذي لا يصدأ، والجسر الذي لا يهدم، والكلمات التي لا تزول؛ أن تدعني وشأني؛ أكتب ما يجول في خاطري وأومن به، وأرجو أن تعدني، ولو لمرة واحدة، أن لا تتدخل في شؤوني الخاصّة ومواعيدي، دقيقة كانت أم غير دقيقة، ولا في لباسي، ولو كانت ألوانه فاقعة وهمجيّة لا تعجبك، ولا في صبغة شعري التي لم أعرفها يوما. لا، لا تزرع جاسوسا في واحات صدري، ولا تحاول أن تربط عدّادا على أنفاسي! ثمّ كفَّ عن مراقبة تحرّكاتي.
كلّ ما أطلبه منك أن تتابع قراءة كتاباتي، وحين تقرأ مقالتي الأخيرة التي لم تولد بعد، لا تقرأ الكلمات بل ظلالها على الأسطر، فربّما تفهم أخيرا... وعندما أفارق هذه الدنيا الفانية اكتب على قبري: "لقد قضى عمره يكتب لمن يقرأ ويقدِّر الكتابة، وأوصل رسالته التي تتلخّص في نبذ الحقد والكراهية، وساند المظلوم ودافع عن حريّة التعبير وإحقاق العدل والعدالة".
" اللهم نسألك العفو العافية، والمعافاة، الهُدى والتُقى، وتوبة صادقة لا رجع فيها "
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
اقول لكاتب هذه المقالة اللة واكبر اللة واكبر