يفرح الفلسطينيون والعرب بسبب توالي الإعتراف أو النية بالإعتراف بفلسطين كدولة مستقلة ، حيث بدأ ذلك السويديون - ( حكومة ) وتلاهم البريطانيون ( برلمان ) وها هم الأيرلنديون ( برلمان ) يناقشون الأمر شأنهم شأن الإسبان ( برلمان ) الذين تسلم ممثلو الشعب لديهم مذكرة بهذا الخصوص من حزب يساري ، ومن المحتمل حذو كثير من الأوروبيين حذو هؤلاء .
ولكي لا أتوسع في أسباب هذا السباق الأوروبي للإعتراف بفلسطين - رمزيا - فأني أربطه بما جرى بشأن القضية الفلسطينية في أعقاب حرب الخليج الأولى 1990 وعقد مؤتمر مدريد ، ومن ثم احتلال العراق في العام 2003 ووعود الإدارة الأمريكية حينها " بوش الإبن " بدولة فلسطينة في العام 2005 ، وصولا إلى ما تشهده المنطقة من أوضاع لا بد لها - هي الأخرى - من حبة مخدرة إضافية جاءت هذه المرة على شكل اعتراف أوروبي " رمزي " بفلسطين من بعض دول الإتحاد .
لقد نسي العرب والفلسطينيون - في غمرة فرحتهم العارمة - قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أعطى الفلسطينيين دولة قبل ولادة الكيان العبري رسميا ، فكان القرار 181 الصادر في التاسع والعشرين من تشرين ثاني عام 1947.
يعتقد العرب والمتفائلون منهم أن " الهجمة " الأوروبية للإعتراف بفلسطين سيكون لها ما بعدها ، وستثمر ضغطا حقيقيا على الكيان تجبره في نهاية المطاف على الإذعان ، ولكن كل ذلك لن يحدث لأسباب لا يفقهها كثير من المتابعين للشأن " الصهيوني " ولا أقول " اليهودي " .
فإذا كانت الصهيونية كحركة سياسية حققت هدفها في إنشاء دولة لليهود في فلسطين وتنتظر إقامة الهيكل ، فإن هذه الحركة العنصرية ما كان لها أن تنجح وتنسب لـ " جبل صهيون " الذي أقام داوود عليه السلام بيته فيه بعد أن قدم من الخليل إلى القدس كما يقول العهد القديم ، لولا الحلم التأريخي بما يعتقدونه " العودة " منذ السبي البابلي وصولا إلى هرتزل وانتهاء بدولة إسرائيل وما بعدها وفق حلمهم .
فإذا كان المتفائلون بالإعتراف الأوروبي بفلسطين ، لا يدركون حقيقة الإندماج " العقدي " بين الأغلبية الساحقة من يهود إسرائيل ( لا أقول يهود العالم ) وبين العقيدة الصهيونية التي تعتبر " أورشليم " - القدس - مدينة الإله " يهوه " لشعبه المختار ، وكيف تم توطيد هذه الدعامة في عقول ونفوس أغلبية سكان الكيان ، بغض النظر عن حمائمهم وصقورهم ، إذا كانوا لا يدركون ذلك فإن المصيبة أعظم من كونهم يدركون ، وهؤلاء لا يعلمون أن جهودهم ستذهب سدى بما فيها مشروع قرار إنهاء الإحتلال الإسرائيلي بحلول عام 2016 ، والذي بدأ عباس توزيع مسودته على أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر منذ بداية تشرين أول الجاري ، بل سأقول ما هو أبعد من ذلك ، وهو أن قرارا من مجلس الأمن بما يريده عباس ومشروعه لن يجبر إسرائيل على الإنسحاب من الضفة الغربية أبدا ، ولكم في القرار 242 مثال يا أولي الألباب .
إن أي رئيس وزراء في إسرائيل لن يجرؤ على التخلي عن شبر من " أرض الميعاد " فكيف هو الأمر بالنسبة للقدس ، وإلا فإن مصيره سيكون كمصير إسحاق رابين الذي أرداه ايجال عمير في الرابع من تشرين ثاني من عام 1995 بعد اتهامات بنيته الإنسحاب من أرض يعقوب وداوود وسليمان والأسباط كما هو محفور في رؤوس هؤلاء .
لقد نسي كثيرون ممن فرحوا بالإعتراف الأوروبي الرمزي بفلسطين ، أن العالم الغربي لن يسمح هو ألآخر بالسيادة العربية والإسلامية على القدس ، وتاريخيا ، فإن قرار التقسيم - لمن لا يعرف - لم يقر فقط دولتين ، بل ثلاث كيانات : كيانا فلسطينيا ، ووطنا قوميا لليهود ، وكيانا دوليا في القدس وبيت لحم يرفضه اليهود الذين يرتلون كل صباح " شلت يميني إن نسيتك يا أورشليم " .
.
إن فلسطينا بدون القدس لا يريدها أحد ، هذا هو لسان حال العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ولن تخدعنا كل هذه المذكرات والإعترافات .
لقد ذبحت غزة من الوريد إلى الوريد ، في الوقت الذي جعلت فيه أوروبا أصابعها في آذانها واستغشت ثيابها ، بينما كانت تهز رأسها حزنا على صواريخ يدوية غير متكافئة تسقط على أبنية فارغة في مستوطنات حديثة بنيت على أنقاض مدن كنعانية عمرها سبعة آلاف عام .
إن شعبا يشاهد قصف غزة عبر شاشات عرض في تل أبيب وعبر القنوات ومصرع آلاف الاطفال والنساء ولا يجد غير الرقص والغناء وسيلة للتعبير عن الغبطة والحبور ، لن يعطينا شبرا واحدا لا في القدس ولا في غيرها ، طالما أننا نواجه أسراب الطائرات بأسراب الحمام .
[email protected]
أضف تعليق