لعل هذا هو اللغز الأكبر: علاقات الولايات المتحدة – اسرائيل. يوجد فيها كل شيء، باستثناء المنطق. المرعية التي تهين القوة العظمى، القوة العظمى التي تنبطح أمام مرعيتها؛ القوة العظمى التي تعمل على نحو ظاهر ضد مصالحها ذاتها، الرئيس الذي يعمل بخلاف ظاهر وفكره؛ تعلق المرعية التي يتعاظم مع تعاظم وقاحتها الضعف الذي لا يُصدق للقوة العظمى في ضوء وقاحة المرعية. لعبة سادية – ماسوشية منفلتة العقال ليس واضحا فيها منذ زمن بعيد من العبد ومن السيد، من القوة العظمى ومن المرعية. "يا أمريكا لا تقلقي، اسرائيل من خلفك" ليس فقط شعارا على قميص قصير الكم يباع لليهود الامريكيين في البلدة القديمة في القدس.
شيئا لا يمكنه أن يشرح هذه الظاهرة حتى منتهاها، وبالتأكيد ليس بحجومها الحالية. فلم تسمح أي حكومة في اسرائيل لنفسها بأن تستخف بمثل هذه الفظاظة بالادارة الامريكية مثلما تفعل الحكومة الحالية؛ لم يسبق أن قبلت ادارة امريكية سابقة البصقات التي توجه لوجهها بخنوع كهذا؛ لا يوجد حليف، بما في ذلك القوى العظمى الاوروبية، كان سيتجرأ على العمل بخلاف واضح وموقف الولايات المتحدة. وكل هذا يحصل في الوقت الذي تجد اسرائيل نفسها منعزلة في العالم ومتعلقة برحمة الولايات المتحدة وسياستها، تُعرض المصالح الامريكية والعالمية للخطر. اللوبي اليهودي؟ اللوبي المسيحي؟ صناعة السلاح؟ أي من هذه لا يمكنه أن يوفر تفسيرا كاملا للظاهرة.
ولكن لا حاجة الى النزول الى جذور العجب كي نفهم كامل حجم اضراره. هذا هو الوقت للقول لـ "زعامة العالم الحر": إرفعي يديك عن النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. دعي الطرفين على حالهما. لم يسبق أن طرحت أي مساهمة دفعت حله الى الامام. سياستك عمقته فقط وخلدته. أيها اليانكيز إنصرفوا Yankees, go homeمن اجل السلام.
لم يسبق أن كانت الولايات المتحدة – وما كان يمكنها أن تكون – وسيطة نزيهة. فالتسيد المطلق لجانب واحد لا يمكنه أن يقوم بهذا الدور. وبالفعل، فان انجازات السلام الوحيدة التي تحققت في المنطقة تمت من خلف ظهر هذا السيد – السلام مع مصر واتفاقات اوسلو. ولكن السلطة الفلسطينية تضطر الى استقبال العم الوسيط سام، رغم المعرفة بأن شيئا لن يخرج من هذا؛ مشكوك أن يكون لديها بديل. في هذه الاثناء فان هذا العم يمول الاحتلال، مثلما فعل منذ فجر أيامه، يسنده ويعمق ترسيخه. أما بيانات الشجب المتواترة من البيت الابيض ووزارة الخارجية للبناء في المناطق – وهي خردة بحد ذاتها – تسوغ فقط المزيد من مشروع الاستيطان، بصفتها عقيمة من كل مضمون وفارغة من كل معنى عملي.
امريكا تتجلد على كل شيء، وضعفها أمام سياسة اسرائيل لا يقل عن كونه مذهلا. فتاريخ العلاقات في السنوات الاخيرة هو استمرار متواصل من الاعتذارات، التي هي كلها تقريبا امريكية، ومزايدات، هي كلها تقريبا اسرائيلية. وها هو في نهاية الاسبوع قال جون كيري بعض كلام منطقي وحقيقي، وفي مركزه الادعاء بأن عدم حل المشكلة الفلسطينية يغذي داعش؛ ولكن الهجوم الاسرائيلي لم يتأخر، وهذه المرة على لسان الوزيرين نفتالي بينيت وجلعاد أردان. وفي أعقابه جاء، بالطبع، نوع من الاعتذار المحتم: لعل حضرة الوزيرين لم يفهما ما قاله الوزير، وبشكل عام، فانه لم يقصد. هذا هو نمط العلاقات. عندما تتخذ السويد خطوة حد أدنى للاعتراف بدولة فلسطينية، توبخها امريكا: "مبكر جدا". بعد 47 سنة – مبكر جدا (لتحقيق السياسة الامريكية المعلنة). كل محاولة من العالم لتصعيد تدخله من اجل إنهاء الاحتلال يواجَه بفيتو امريكي تلقائي. وهكذا تشل امريكا ايضا اوروبا، التي يغضب رأيها العام من الاحتلال، وهو واعٍ ومنخرط أكثر بكثير من الرأي العام الامريكي.
كل خطوة كهذه تبث فقط للاحتلال الاسرائيلي: واصل السلب والنهب، الطرد والتطهير؛ إقصف منازل غزة وأطلق النار على اطفال الضفة – لن يحصل لك أي شر؛ امريكا من خلفك.
[email protected]
أضف تعليق