لم يصدق مدير المسجد الأقصى ما رأت عيناه؛ خمسة أفراد من القوات الخاصة يعتدون على حارس المسجد الأقصى مهند إدريس بوحشية؛ دون مبرر داخل أسوار المسجد.
تواضع الشيخ الكيسواني وطبعه الهادئ، لم يمنعاه من محاولة إنقاذ الحارس وتخليصه من أيديهم؛ فأصبح هو بنفسه عرضة للاعتداء من قبل ثلاثة أفراد منهم.
بعد الحادث، تلقى الشيخ عمر مكالمة هاتفية: "نحن نأسف لحادثة الاعتداء عليك وعلى الحارس. أفراد القوة الخاصة لم يتعرفوا على هويتكما، ما أدى إلى اعتدائهم بهذا الشكل الفظ". بهذه الكلمات "اعتذر" ضابط أمن الاحتلال للشيخ الكيسواني.
"القوات الخاصة لا تعرف كيفية التعامل مع حراس الأوقاف" أتم ضابط الاحتلال "اعتذاره"، وأنهى المكالمة.
لم تكن هذه الحادثة الأولى التي يتعرض فيها مدير المسجد الأقصى وحراس الأوقاف لاعتداءات الاحتلال، فقد سبقتها حالات أخرى أبرزها كان في الجمعة قبل الأخيرة من رمضان الماضي، حين أصيب بعيار مطاطي في بطنه. ودائما كان يتلقى نفس الأعذار والحجج الواهية من شرطة الاحتلال بعدم معرفة هويته.
"هذه وقاحة" أفاد الشيخ الكيسواني، "أن يعتذر الضابط المسؤول هاتفيا والتحجج بأنهم لا يعرفون أني مدير المسجد الأقصى، لا يقل فظاظة عن الحادث نفسه".
الاعتداء المتكرر على مدير المسجد الأقصى وموظفي الأوقاف تزامن مع تصعيدات خطيرة منذ انتهاء عيد الأضحى المبارك الأسبوع الماضي، وحلول ما يسمى بعيد "العرش" اليهودي. فخلال سبعة أيام هذا العيد استطاع الاحتلال أن يسجل لحسابه ثمانية عشر انتهاكا تصعيديا تعرض لها المسجد الأقصى والمصلون وموظفو الأوقاف؛ أبرزها بشريا كان انتهاك حرمة النساء في المسجد الأقصى والاعتداء عليهن بوحشية غير مسبوقة، ونزع حجاب وتمزيق الملابس العلوية لموظفة دائرة الأوقاف الإسلامية عبير زياد.
أما الانتهاكات لحرمة المسجد الأقصى فقد تلخصت في ثلاث نقاط هامة؛ الأولى كانت اقتحام المصلى القبلي مسافة 15 مترا في الداخل، والتسبب بحريق في أنحاء متفرقة من السجاد؛ والثانية قطع الكهرباء عنه ومحاولة تنفيذ عملية إنزال، بعد اعتلاء سطحه فجرا ومحاصرته وقذف عشرات قنابل الغاز السام على المعتكفين في الداخل؛ والثالثة كانت تطبيق تقسيم زماني جزئي لفترة محدودة واقتحام مجموعات يهودية أثناء المواجهات داخل المسجد الأقصى، بينما منع المسلمون دون الستين من الدخول لأكثر من 24 ساعة متواصلة.
في السابق كانت شرطة الاحتلال تغلق باب المغاربة – منفذ اقتحامات المجموعات اليهودية، بسبب وجود معتكفين في المصلى القبلي؛ وقد أصبحت الآن تحاصر المعتكفين داخل المصلى وتتيح الاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى رغم أحداث العنف الجارية، ودوي قنابل الصوت والغاز فيه.
وبضغط من رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست ميري ريغف، ودفع من نائب رئيس الكنيست موشي فيجلين؛ وبتوجيه من وزير الأمن الداخلي يتسحاق أهرانوفيتش بعد إصدار أمر مباشر من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بوقف ظاهرة الرباط والاعتكاف؛ اتفق جميعهم على مقولة مشتركة بدأ تنفيذها منذ رأس السنة العبرية الأخير: "إن لم يدخل اليهود ساحات المسجد الأقصى، سيمنع المسلمون كذلك من دخوله".
المنسق الإعلامي في مؤسسة الأقصى للوقف والتراث محمود أبو عطا ذكر أنه بالمقارنة مع سنوات سابقة خلال عيد "العرش"، لم تكن في هذا العام زيادة ملموسة في أعداد المقتحمين اليهود؛ بل الفرق المهول كان في حدة اعتداءات شرطة الاحتلال وقوتها بحق المصلين في المسجد الأقصى ومحيطه.
هذا التوثيق يؤكد على أن التصعيدات الأخيرة لم تأت بضغط من منظمات الهيكل ومؤيديها المتطرفين فقط؛ وإنما هو قرار رسمي من حكومة نتانياهو، أرادت من خلاله استثمار الفوضى القائمة في الدول العربية وانشغالها بمحاربة ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وكذلك دائرة التحالفات الإقليمية التي تشكلت مؤخرا، وتتيح التقدم في مشروع بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى - دون اعتراض عربي يذكر.
ما شهده المسجد الأقصى أول من أمس الأربعاء كان مصدر فخر وأمل للفلسطينيين جميعا؛ فقد تكاتفت أيدي لجنة المتابعة ممثلة بأعضائها وكافة التيارات الحزبية والحركية في الداخل الفلسطيني، والهيئة الإسلامية العليا ودائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، ومفتي القدس والديار المقدسة ومحافظ القدس؛ وتوحدوا في صف واحد أمام باب المغاربة وألزموا شرطة الاحتلال على إغلاقه. فيما نظموا مسيرة مهيبة في أنحاء المسجد الأقصى، قال أحد المصلين الذين شاركوا فيها إنه اشتم رائحة النصر منها.
أن يلقي مسؤول إسلامي كلمة يشدد فيها على أن المسجد الأقصى هو قضية وطن ووجود، ويليه قومي مسيحي يؤكد على أهمية الرباط في المسجد الأقصى المبارك؛ وإجماع القيادات الوطنية والعلماء المسلمين جميعا على شرعية الرباط والاعتكاف التي يحاول نتنياهو تجريمها - ثم يتلوها إغلاق باب المغاربة أمام هذا المشهد السريالي؛ يؤكد على أن اللحمة الوطنية وإعمار المسجد الأقصى بفئات متنوعة من أبناء شعبنا، هو الكفيل الأول لحماية المسجد الأقصى المبارك، ودحر الاحتلال عنه قريبا... قريبا جدا.
[email protected]
أضف تعليق