يكتب أمير اورن في "هآرتس" عن اللقاء الذي جرى في الثالث من تموز 1973، في ولاية كاليفورنيا، بين السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، سمحا دينتس، ومستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر، والذي تمحور حول اطلاع رئيسة الحكومة الاسرائيلية غولدة مئير حول الخلاف الذي جرى بين الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون، والرئيس السوفييتي ليونيد بريجنييف، حول صيغة لتذويب الجمود السياسي الإسرائيلي – العربي، والذي حذر السوفييت من أنه سيشعل الحرب.
وقال كيسنجر خلال ذلك اللقاء، ان مصر تريد منا ان نوافق على اننا نفهم بأن المادة التي تتحدث في قرار مجلس الأمن رقم 242 عن تغيير حدود الرابع من حزيران 1967، تسري فقط على الأردن، بينما تطالب مصر بالانسحاب الكامل. وقال دينتس ان السوفييت المحوا بأشكال عدة بأنهم لا يستبعدون اجراء تغيير على الحدود، ولكن على الجبهة الشرقية فقط، في الأردن. اما في مصر فيجب ان يكون الانسحاب كاملا. وغولدة لن توافق على صيغة لا ترفض العودة الى حدود 1967.
ويقول الكاتب: "هذا هو ملخص قاعدة حرب يوم الغفران التي وقعت بعد ثلاثة أشهر: رفض اسرائيل الانسحاب الكامل من سيناء وبشكل جزئي من الضفة، مقابل اتفاق – عملية غير حربية تقود الى السلام. لم يتم ضمان المقابل العربي، ولكن الرفض الإسرائيلي لدفع الثمن المطلوب، حتى ولو حصلت على المقابل المطلوب، كان مطلقا.
هذا لا يعني ان المطلب المصري – الذي وافق عليه مناحيم بيغن لاحقا – كان عادلا، اذا كانت هناك عدالة في العلاقات بين الدول. ولكن بما اننا في فصل اكتوبر، والاجواء تعج بالروايات التي تلقي بظلالها على الحاضر، فلا مفر من وضع الأمور في نصابها الصحيح.
من يسأل بعد 41 عاما لماذا لم يتم منع حرب يوم الغفران، يحصل عادة على الردود المفصلة، ولكن الرد الحقيقي والشامل هو ان منع الحرب لم يكن هدفا قوميا هاما بالنسبة للحكومة الاسرائيلية. صحيح انها غالبا، لم تسع الى حرب أخرى، فالحرب تعتبر ضائقة، ولكنها ضائقة اقرب الى الازعاج من الكارثة. لقد كان هدف غولدة وحكومتها هو البقاء في المناطق الفلسطينية، حتى لن لم يكن فيها كلها. لقد قيل لأنور السادات نقلا عن غولدة، وبواسطة كيسنجر، والمستشار الالماني الغربي ويلي براندت وآخرين، ان اسرائيل لن تنسحب ابدا من شرق سيناء. وهي بذلك تركت امامه خيارا بسيطا: الاستسلام او الحرب. ولذلك فانها لم تفكر، ايضا، باستغلال الفرصة الأخيرة لمنع الحرب على سيناء والجولان – وليس لتدمير اسرائيل – من خلال تبني سياسة اخرى، تتفق مع رسالة يوم الغفران التي حولها اليها (الجاسوس) اشرف مروان بواسطة الموساد.
في حزيران 1967، اضيف درع الى الجسد الإسرائيلي: مناطق دفاعية (سيناء، هضبة الجولان، غور الأردن) من شأنها حماية الأعضاء الحيوية في مواجهة العدو. وكانت حكومة ليفي اشكول تنوي استبدال هذا الدرع بالسلام والاعتراف وتطبيع العلاقات، إلا أنها سرعان ما ندمت، واشتد التراجع عن ذلك في عهد حكومة غولدة. فقد تم لحم هذا الدرع، بما في ذلك المخاطرة بالإسرائيليين الذين سكنوا على خطوط التماس الجديدة (في مستوطنات الجولان ومعاقل السويس)، الى الجسد دون أي انفصال. ووصل الأمر حد موافقة اسرائيل، مقابل رفضها للمبادرات الأجنبية للتخلص من هذا الدرع، على تقييد تفعيلها للسيف الذي حصلت عليه للدفاع عن نفسها.
ففي اكتوبر 1970 التزمت غولدة مقابل حصولها على سلاح متطور، على التخلي عن خرق اتفاق وقف اطلاق النار في قناة السويس، والامتناع عن استخدام هذا السلاح لقصف اعماق الاراضي المصرية.
خلافا للاعتقاد السائد، فان خط الدفاع الأول في مواجهة الحرب هو ليس استخباراتيا وانما سياسيا. على السياسيين احباط مسببات الحرب؛ استبدال "ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" بـ "يتم ترتيبه بالعقل". الاستخبارات هي الخط الثاني فقط، الذي يسمع من الحكومة تساؤلات مثل "هل يمكن" و"لماذا" ويحاول أن يشرح لها وللجيش من وماذا ومتى وكيف وأين. اما الخط الثالث والأخير، فهو العسكري. وهذه الخطوط الثلاثة انهارت في اكتوبر 1973. ولكن أم الأخطاء كلها، آنذاك كما هو اليوم، هي السياسة المتغطرسة، المستفزة التي تعتبر الحرب ثمنا مؤسفا ولكنه محتمل لقاء الهدف العلى: التمسك بالمناطق الفلسطينية.
[email protected]
أضف تعليق