عقيبا على المقالة التي نشرها كوبي نيف (كرمئيل كمثال – هآرتس 6.10) حول منع العرب من دخول كرمئيل في يوم الغفران، وما ارفقه من معيطات تتنكر لوجود العرب في المدينة، تضيف الباحثة في شؤون هجرة العرب الى مدينة كرمئيل، نعمي بالتمان توماس، في مقالة تنشرها في "هآرتس" معلومات هامة حول تعامل السلطة المحلية في كرمئيل، والسياسة الحكومية عامة، مع سكنى العرب في المدينة، ومسبباتها، في ظل سياسة تهويد الجليل.

وتكتب توماس، ان العرب في كرمئيل ليسوا شفافين، وهذا ليس لأنهم قرروا التوجه الى البلدية ومطالبتها بإضافتهم الى قوة العمل، وليس لأن البلدية قررت ترجمة لافتاتها الى العربية او اقامة رياض اطفال للعرب، وليس لأن سكان حي رمية الذين يتمسكون بالقليل من اراضيهم التاريخية (التي لم تنجح كرمئيل بمصادرتها)، نجحوا اخيرا بالحصول على تراخيص بإنشاء المباني الثابتة على اراضيهم المسجلة في دائرة الطابو، وليس، ايضا، لأنهم تجرأوا على التظاهر – الى جانب سكان اخرين من كرمئيل والجليل – ضد العنصرية خلال الحرب على غزة.

لقد ظهر عرب كرمئيل فجأة، من وراء ستار الدخان، لأن بلدية كرمئيل قررت منع اقارب العائلات العربية واصدقائهم وجيرانهم من القرى المجاورة، من دخول كرمئيل في يوم الغفران. لقد استغرب كوبي نيف في مقالته مما اذا كان منع دخول "سكان الخارج" الى كرمئيل يشمل سكانها العرب، وبجرة لوحة المفاتيح، احضرهم الى مقدمة المسرح.

بصفتي اجريت بحثا طوال عام ونصف حول العرب في كرمئيل، يمكنني القول لنيف (ولآخرين استغربوا الأمر) ان المنع المقصود شمل سكان كرمئيل العرب ايضا، الذين يشكلون حسب احصائيات دائرة الاحصاء المركزية لعام 2008، نسبة 2.33% من سكان المدينة. وبالاعتماد على نسبة التكاثر النسبي في عددهم – في 1998 شكلوا نسبة 0.8% فقط – يمكن الافتراض بأن نسبتهم في عام 2014، ازدادت عدة أضعاف. ولكن الأرقام شيء والواقع شيء آخر.

في كرمئيل يعيش اليوم عرب ولدوا في المدينة ( سنسميهم "الأصليين")، وهم سكان حي رمية الذين يعيشون منذ اجيال على التلة المحاطة اليوم بمباني حي رابين اليهودي، الى جانب العرب الذين هاجروا الى المدينة خلال العقدين الأخيرين (سنسميهم "المهاجرون"). اذا كان "الأصليون" لا يحظون بالاعتراف في مدينتهم – اذ تحاول البلدية منذ سنوات "نقلهم" الى مكان آخر – فانه لا يتم بتاتا اخذ المهاجرين في الاعتبار (وليس فقط في المعطيات). من المثير حقيقة افتخار كرمئيل بأنها مدينة تستوعب المهاجرين على الرغم من انها لا تريد استيعاب المهاجرين العرب.

ينتقل العرب للسكنى في كرمئيل بشكل خاص، لأن قراهم اصبحت مكتظة بشكل لا يحتمل. وهذا نتيجة لسياسة تهويد الجليل التي تواصلها دولة إسرائيل. ولتوضيح الموضوع، فان منطقة نفوذ قرية نحف (التي يفصلها عن كرمئيل فقط شارع 85)، تقلصت من حوالي 16 الف دونم في عام 1948، الى 5600 دونم في 2013. وفي المقابل فقد تضاعف عدد سكان نحف 6.5 مرات، ووصل في عام 2013 الى قرابة 12 الف نسمة. لكن القرية مكتظة جدا، ولذلك، وبدل العيش كعائلة مؤلفة من ستة أنفار في منزل تصل مساحته الى 40 مترا، يقرر من يملكون القدرة على ذلك، الانتقال للعيش في منزل اكبر في المدينة المزدهرة بشكل اكبر، والأقل اكتظاظا، في الجانب الثاني من الشارع.

وسواء كان صدفة او غير صدفة، فقد اقيمت هذه المدينة ايضا على اراض صودرت من نحف (ومن سكان بلدات عربية اخرى مجاورة). لكن سكن العربي الفلسطيني في مدينة يهودية ليس مسألة بسيطة، واحيانا صعبة جدا. قرار بلدية كرمئيل منع دخول "سكان الخارج" في يوم الغفران، قد يبدو شاذا، ولكن السكان العرب في كرمئيل "يفهمون التلميح" عادة، ويقصون انفسهم عن المدينة في يوم الغفران والأعياد الأخرى. وقد اوضح لي احد الاصدقاء، انهم في يوم الغفران يعودون الى القرية، وانه اذا اراد العودة الى بيته في كرمئيل فانه يترك السيارة عند المدخل الغربي للمدينة ويسير من هناك على الاقدام كي يمتنع عن الدخول في مواجهة مع اليهود.

صحيح ان هناك ايضا يهود كانوا يفضلون السفر في يوم الغفران ويمتنعون عن ذلك من خلال الاحترام لجيرانهم (او بسبب الضرورة والخوف). وربما يكون ذلك احد اعراض المشكلة ذاتها، ولكن ان تكون عربيا في كرمئيل يعني ان تكون مواطنا من الدرجة الثانية (وربما اقل) حتى في الأيام الاعتيادية. ان مصاعب العثور على منزل بسبب رفض اليهود تأجيرها او بيعها للعرب، وعدم تمثيل العرب في مؤسسات البلدية، وعدم تقديم الخدمات باللغة العربية، وغياب جهاز تعليم عربي، والتصريحات العنصرية – تعتبر كلها من نصيب من لا ترغب بهم المدينة.

هذه الدينامية ليست صدفة. فسياسة تهويد الجليل بالذات، التي هدفت الى تضييق خطوات سكان الجليل العرب، وتقليص مساحة اراضيهم والانتصار عليهم في الصراع الديموغرافي، ادت الى نتيجة عكسية. انشاء المدينة اليهودية في الجليل (الى جانب انشاء المستوطنات) كان يفترض ان يرسخ الفصل بين اليهود والعرب، والحفاظ على مناطق معينة كمناطق تمييز اثني. لكن السيطرة على الأراضي والتمييز في الميزانيات وغياب التخطيط في البلدات العربية، تقود اليوم الى تفكك الفصل الاثني في الجليل. فالعائلات الفلسطينية تطلب، وتنجح، بالانتقال الى البلدات الجماهيرية والمدن اليهودية، بموافقة او بمعارضة المحكمة العليا. وفي الوقت الذي لا ينجح فيه الانتماء الاثني بخلق الفصل، يستدعون الشرطة لوضع الحواجز. من حظنا انه توجد نهاية لكل عيد.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]