في لقائه بالصحافيين، قبل عدة أيام، تطرّق الرئيس محمود عباس إلى جملة من القضايا التي هي أساس الحديث في اللقاءات السابقة كلها أيضاً، إلا أن المختلف في هذا اللقاء هو اللغة التي استخدمت من جهة، والحديث عن التطورات المرتقبة خلال الأسابيع القادمة وتأثيراتها الداخلية.
جاءت اللغة مرادفةً لخطابه أمام الجمعية العامة، والذي أثار الغضب الإسرائيلي، ربما لأنه كان واضحاً في توصيف الحالة التي وصلنا إليها وإفرازات العدوان على غزة، أو بمعنى آخر الانهيار الكامل لآلية التفاوض السابقة التي استمرت سنوات طويلة دون أن تؤدي إلى نتائج أو إلى نهاية واضحة.

الرئيس كان واضحاً بتأكيده أن السياسة الإسرائيلية هي التي أوصلتنا إلى هذه القناعة، فالاستيطان في كل الأرض الفلسطينية ظل متسارعاً، وكل الوعود والتعهدات التي قطعت سواء من تل أبيب أو واشنطن لم تجد نفعاً، بل كانت ذراً للرماد في العيون، وبالتالي لم تعد الآليات السابقة نافعةً أو قادرةً على إحداث اختراق حقيقي.

ولعل العدوان على غزة - الذي خلّف أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 11 ألف مصاب معظمهم يعانون إعاقات دائمة، فيما جل الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ، إضافة إلى تدمير أكثر من 20 ألف منزل وتشريد 450 ألف مواطن لا يزال كثير منهم في مراكز الإيواء - قد أعاد الكرة إلى نقطة البداية، بمعنى أن السياسة العدوانية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني هي نهج إستراتيجي لا تغيير فيه، وبالتالي يجب الرد عليه بقوة الحق والإصرار.

في لغته الجديدة، أكد الرئيس أنه على علم بصعوبة الخطوات التي اتخذت في المجال السياسي وعلى رأسها الإصرار على السير في طريق مجلس الأمن الدولي حتى النهاية، على الرغم من الضغوط من أطراف متعددة ليست أولها تل أبيب وواشنطن ولكن أيضاً أطراف أخرى متعددة صديقة أو قريبة!!!.

الذهاب إلى مجلس الأمن خطوة إذا تم اجتيازها بنجاح فستؤسس لمنهجية جديدة من المحادثات مع الجانب الإسرائيلي، خاصة أن مشروع القرار المطروح على مجلس الأمن يؤكد على تحديد حدود الدولة الفلسطينية وهي الأراضي المحتلة في العام 1967 إضافة إلى القضايا الأساسية الأخرى.

من وجهة نظر الرئيس، فإن الذهاب إلى مفاوضات تكون فيها حدود الدولة الفلسطينية واضحة وحدود دولة إسرائيل أيضاً واضحة (وهي الدولة الوحيدة في العالم غير معروفة الحدود) سيؤدي في النهاية إلى اتفاق، بصرف النظر عن المدة التي يتم فيها إنجاز ما يتم الاتفاق عليه، على ألا يتعدى السنوات الثلاث.

الرئيس كان واضحاً عندما قال "لا تراجع"، وإذا فشلنا في مجلس الأمن من خلال عدم القدرة على حشد 9 أصوات نظراً للضغوط التي تمارسها واشنطن على الأعضاء أو استخدام واشنطن (الفيتو)، فنحن جاهزون للانضمام إلى عشرات المنظمات الدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية، على الرغم من معرفتنا المسبقة بمحاولة إسرائيل زجنا في هذه القضية، ولكن لن يرهبنا ذلك، فالجريمة هي الاحتلال.

اللغة الواضحة والحاسمة دارت حول تبعات خطوات القيادة المقبلة، فواشنطن وحلفاء إسرائيل في الإدارة الأميركية وخاصة في الكونغرس سيبدؤون حملة تشويه وضغط شخصية وعامة، سيتأثر بها الكل الفلسطيني ابتداء من رأس الهرم أي من الرئيس إلى كل مواطن فلسطيني.

ستكون هناك ضغوط اقتصادية، ومنها وقف المساعدات المباشرة وغير المباشرة، والتي ستؤثر على إمكانية دفع الرواتب أو بمعنى آخر "التجويع"، وسيكون هناك حصار سياسي وعسكري من خلال تكثيف الاعتداءات على القرى والمدن الفلسطينية وعلى كل المناطق بصرف النظر عن تصنيفات أوسلو، ولن يبقي الاحتلال أي خطوط حمراء، سيعقد إجراءات تنقل المواطنين ولن يدخر أي فرصة لممارسة الضغوط النفسية أيضاً، فهل نحن مستعدون لذلك؟ كان هذا سؤال الرئيس الأخير الذي أجمع الصحافيون على الإجابة عليه بـ "نعم" إذا كان هذا ثمن الخلاص من الاحتلال.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]