تحت هذا العنوان تكتب كارولاينا لاندسمان، في "هآرتس" انه على غرار ما بعد الحداثة، الذي يلي الحداثة، وعلى غرار ما بعد الصهيونية الذي يلي الصهيونية، اهلا بكم الى عهد ما بعد السلام، ولكن بفارق طفيف، وهو انه لم يسبقه السلام.
واحد بعد الآخر، يودعون جميعهم السلام وفكرة الدولتين. بات من الصعب علينا ان نتذكر من هو الذي قاد هذا الاتجاه. هل هو اوري اليتسور؟ ايلان بابيه؟ موشيه ارنس؟ روبي ريفلين؟ يهودا شنهاب؟ بنيامين نتنياهو؟ اري شبيط؟ نفتالي بينت؟ هل كان فكرة يمينية أصلية اعتمدت على "عكس العكس" لطليعة اليسار: فكرة ارض إسرائيل الكاملة بتحريف ثانوي للكنعانية الجديدة؟ او ان المقصود فكرة يسارية راديكالية متطرفة لمن يريدون الادعاء بأنهم فلسطينيون اكثر من الفلسطينيين، أسرى الوعي الكاذب، وتم اعتمادها من قبل اليمين وفق نهجه المعروف: "اعطونا كلماتكم وسنفرغها من المضمون". اذا واصلت تسيبي حوطوبيلي الحديث عن "عدالة التوزيع" وواصل نتنياهو الحديث عن "الأفق السياسي"، وواصل بينت الحديث عن "الأخلاق"، فان الكتب ستتوسل احراقها.
عهد ما بعد السلام يصب في مصلحة اليمين الذي يبدو مسالما مع نفسه بأنه لن يحتاج، أخيرا، الى التنكر كنصير سلام. ففي ظل النموذج الجديد، السماء هي الحدود، يمكنه الحديث حتى عن حقوق المواطن بمفهوم "المكانة الخاصة للأغيار" طبعا.
لقد بدأ اليسار، ايضا، بتنظيم مصطلحاته لتتلاءم مع العهد الجديد. فلقد كان هناكن في "دولتان للشعبين"، قبل الجميع، ولكنه انتعش منذ ذلك، او لمزيد من الدقة، تطور منذ ذلك. عندما تحول مصطلح الدولتين الى اكثر من تيار رئيسي، شعر فجأة كما لو انه يلتقي اسرائيليين في الخارج. وعندها ادرك ان حل الدولتين، واتفاقيات اوسلو عامة وكل مبادرات السلام من جانب اسرائيل، هي مجرد اشكال منظمة للقمع، ومأسسة للعنصرية. وان الذين يؤيدون حل الدولتين ليسوا الا جهات عنصرية متخفية، تريد فقط التخلص من الفلسطينيين، وتنظيم ترانسفير لهم الى دولتهم.
اليسار الحقيقي هو دولة ثنائية القومية تعني تناول الحمص من الصحن ذاته. وهناك جهات اخرى في اليسار بدأت تدرك فجأة ان السلام يبدأ من الأسفل، او من الأعلى، أي لا يبدأ وانما ينتهي في الواقع، وان اولئك الذين ينعمون برياح نمو الربيع العربي، يشعرون بالدوار من سم الدولة الاسلامية، ويفكرون الآن بمصطلحات اقليمية فقط. اما الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني فيثير الضحك لديهم. فهم يعتبرونه صراعا محليا، يلائم تماما القرن العشرين.
سواء كان ذلك جراء اليأس او اليقظة المتعالية، ظاهريا، على المفارقات التابعة لمدرسة القرن العشرين، فقد توقف الكثير عن الايمان بالمفاوضات المباشرة كقنال للحل القائم على مبدأ الدولتين. حملة فكرة تقسيم البلاد – الوحيدة التي يمكنها تحقيق الطموحات القومية للشعبين ليس على حساب بعضهما البعض – باتت تبدو فجأة، كديناصورات في متحف الطبيعة. هؤلاء يفهمون جيدا ان كل امكانية لقيام دولة واحدة ليست الا متغيرات قانونية للوضع الراهن. ومهما انطوت عليه فكرة الدولة الواحدة، وبدون أي علاقة بحقوق الانسان الفلسطيني في اطارها، فان كل المقترحات تتجاهل الطموح القومي الفلسطيني، الذي، وكما اوضح عباس للعالم كله، لن يندثر.
ان الطموح القومي ليس موضة عابرة. سيقولون من اليمين واليسار، انه لن يكون في نهاية الأمر أي مفر من حل صهيوني، حديث، يتم صياغته وفق منطق القرن العشرين، وينطوي على آلامه: إسرائيل، فلسطين، دولتان لشعبين.
[email protected]
أضف تعليق