من الطبيعي أن يحظى قرار المشاركة في تحالف دولي عربي لتنفيذ عمليات عسكرية جوية خارج الحدود بردود فعل مختلفة في الأردن فهذا أمر صحي ومنطقي في مجتمعات يجب أن تشارك في صناعة القرار. المهم أن تكون هذه المناقشات مبنية على المنطق وعلى المعلومات السليمة وليس التحريض وحشد العواطف سواء من الجهات المؤيدة أو المعترضة على القرار.
التهديد الذي تمثله داعش على الأردن قد لا يبدو مباشرا الآن في صيغة تهديد عسكري وأمني ولكن انتشار التنظيم في مساحات واسعة في العراق وسوريا والاحتمال شبه المؤكد لانتشاره على امتداد الحدود الأردنية مع هاتين الدولتين يجعل التهديد أكثر خطورة في المستقبل. تفكير داعش الإرهابي وسلوكها الذي يتنافى مع كل قيم الحضارة والثقافة الإسلامية والإنسانية هو أمر لا يمكن تجاهله ويحتاج إلى استجابة مشتركة من عدة دول في المنطقة وليس فقط الدول التي يتحرك فيها التنظيم براحته.
تنظيم داعش يستهدف المجموعات الطائفية والدينية والعرقية في العراق وسوريا كما يستهدف كافة الناس الذين يختلفون معه في الفكر الإقصائي الذي يحمله. ومسؤولية مواجهة هذا الفكر هي مسؤولية عربية و اسلامية في المقام الأول لأن هذا التنظيم يشكل أكبر تهديد لصورة الإسلام في العالم. الشرعية الأخلاقية والإنسانية لشن الحرب على هذا الوباء المنتشر في العالم العربي موجودة ولكن بعض التفاصيل الإجرائية هي التي يمكن نقاشها.
بالنسبة للأردن فإن المصلحة الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية تتطلب مواجهة هذا التنظيم قبل أن يتمدد لينتشر في المواقع الحدودية المحاذية للأردن. الشراكة مع الولايات المتحدة في هذه المواجهة تفتح بعض التساؤلات في الداخل الأردني وخاصة من قبل التنظيمات والتيارات الإسلامية. الأحزاب اليسارية والقومية التي تقول بأن بوصلتها هي دائما في عكس اتجاه الولايات المتحدة اكتشفت أن بوصلتها الحقيقية هي دعم النظام السوري فقط وطالما أن العملية العسكرية موجهة ضد داعش وليس النظام فلا مشكلة لديهم في ذلك. التيارات الإسلامية وخاصة السلفية منها لن يعجبها الوضع وسوف تنتقد المشاركة الأردنية وهذا ما فعله المنظر التكفيري أبو محمد المقدسي والذي إدعى أن الهجمات أوقعت ضحايا من النساء والأطفال وهذا لم يثبت بأي دليل مستقل. الطريف أن رهافة مشاعر المقدسي تجاه النساء والأطفال لم تظهر عندما كان داعش يطارد عشرات الآلاف من المسيحيين واليزيديين والأكراد في العراق وسوريا ومنهم آلاف النساء والأطفال كما لم تظهر هذه المشاعر الجياشة عندما تم تنفيذ عشرات العمليات الإرهابية في أرجاء العالم العربي والإسلامي من قبل تنظيمات القاعدة وغيرها من التي تعتمد في أفكارها التكفيرية على آراء المقدسي.
ربما تكون للمشاركة الأردنية تداعيات أمنية على المستوى الداخلي في زيادة الحرص والمراقبة الأمنية للخلايا والتنظيمات السلفية ولكن على المدى البعيد فإن اي جهد عسكري يوقف من تمدد داعش ويضعفها إلى درجة تسمح للأنظمة التي تنتشر داعش في بلادها بأن تتحمل مسؤولية القضاء عليها نهائيا هو إجراء يصب في مصلحة الأردن. إعلان الدول العربية عن مشاركتها في هذه الهجمات وحتى إظهار صور الطيارين كما فعلت السعودية والإمارات يدل على وجود تصميم للمضي في هذا المسار نحو النهاية .
إذا كانت العمليات العسكرية التي تستهدف داعش في الرقة وشمال وشرق سوريا، وبمعرفة وموافقة النظام السوري بشكل يعني عدم اختراق «حرمة» الأجواء السورية، ستعني عدم وصول داعش إلى درعا والحدود الجنوبية للأردن فهذا أمر لا يندرج فقط ضمن عملية مقبولة عسكريا وأخلاقيا ولكنها أيضا مسؤولية على الدولة. في حال وصلت داعش إلى درعا ووقفت على حدودنا لن يفيد أحدا وقتها القول «لماذا لم نتصرف قبل ذلك»؟
[email protected]
أضف تعليق