يعاني مجتمعنا الفلسطيني بالدّاخل من التفكّك الدّائم ومن انهيارات للقيم تمنعه وتسدّ عليه الطّريق الممكنة لإحتمالات النّهوض والتّحرّر من طريق الضّياع الّتي نسير فيها. إنّ هذا الانهيار للقيم إنّما هو انهيار لجهاز المناعة في هذا الجسم المريض والّذي ما زالت قيادته ورغم تاريخها وانجازاتها بالصّمود والتّطوّر تساهم جهارا في وأده حيًّا.
نُسهِب بالفترة الأخيرة في تشخيص حالنا ونُصيب في غالب الأحيان التّشخيص ونُتقِنه، أضِف إلى أنّنا بِتنا نَعي الرَّبط بين دوائر العنف المختلفة وتأثير وتأثُّر كلٍّ منها بالأخرى، إلّا أنّ هذا النّجاح لم يُسعِفنا حتّى الآن في وصف الدّواء الشّافي وإنّما يضعُنا في خانة المتخبّطين والمتردّدين والمُحبطين من إمكانيات التّغيير والمضيّ بشعبنا في الدّاخل ومجتمعنا نحو غدٍ أزهى وأنقى وأوضح وأءمن.
ننشغل بين انتخابات برلمانية وأخرى بالبحث والهرج حول أهميّة الوحدة وخوض الانتخابات في قائمة انتخابيّة واحدة ونحن للان لم نعِ أهميّة العمل الوحدويّ وليس السّياسيّ فحسب، وإنّما الاجتماعي على الأقل، فما زلنا مجموعات متناحِرة إن كان حزبيًّا أو طائفيًّا أو عائليًّا، كان ذلك على المستوى القُطري أم المحلّي في بلداتنا العربيّة الّتي يكاد يأكلها العنف ويمضغها يوميًّا دون أن يجد من يُوقِف هذا السّيل الجارِف من أحداث العنف والجرائم.
تنظيمنا كأقليّة وطن
نجحت الأقليّة الفلسطينيّة من تعزيز صمودها بأرضها ووطنها وذلك بوجود عدوّ مشترك لنا جميعًا وهو السّلطة وكل ما تمثّله من سياسة إقصاء وتفكيك وتحييد وتمييز عنصري، إلّا أنّ هذا النّجاح هو أشبه بالسّراب إذا ما تعمَّقنا في أداءنا الوطنيّ النّضالي، حيث غيّبْنا أهميّة تطوير هذا الأداء وأهميّة البحث في إستراتيجيات البقاء والمواجهة والتطوّر.
نعم، نجحنا ببناء هيئات تمثيليّة وطنيّة ولكنّنا نُقزّم دورها وضروريّة تطويرها عندما نحتكم إلى التّوافُق، وعادةً نتوافق على ما يَشلّ من إمكانيات حِراكنا وتطوّرنا، كَوْن مَنْ وَما نتوافق عليه لا يرتقي _رغم "حسن النية"_ إلى مستوى الحاجة، إن كان على مستوى القيادة أو المضمون الّذي تتطلّبه المرحلة.
معًا أفضل" وليس إنتخابيا بالذّات
إنّ طرح شعار الوحدة ليس من المفروض أن يقتصِر على الانتخابات للكنيست او للسلطات المحليّة ورغم أهميّة الطّرح وأهميّة بحثه، لٰكن عندما يغيب هذا الطّرح والممارسة في أشدّ معارِكنا ضراوةً وهي معركتنا ومناهضتنا للعنف وللجريمة في مجتمعنا، فأنّ طرحه انتخابيًّا يَضَعه في خانة التّساؤل وعدم المِصداقيّة. نحن اليوم بأمسِّ الحاجة لتنظيم مجتمعنا الفلسطيني بالدّاخل وتوحيد صفوفه وليس لمواجهة العنصريّة وسياسة التّمييز العنصري فحسب، وإنما لمناهضة العنف والجرائِم المُتفشّيّة والّتي تُحوّل فئة لا تتعدّى ال 1% من أبناء مجتمعنا من المنتفعين من الجريمة وموبِقاتها إلى مجموعة مسيطرة على أكثرية خرساء صامِتة تُشكّل ما لا يقلّ عن 99% من مجتمعنا.
التّنظيم الجماهيري وتأسيس الهيئات الشعبيّة والمِهنيّة
إنّ حجم شكل وانتشار العنف في مجتمعنا بما في ذلك انتشار السّلاح والجريمة، يُحتّم علينا تنظيمًا ومواجهةً مهنيّةً وشعبيّة ولن نتمكّن من ذلك من دون الارتِقاء بالأداء من صمت وبيانات في أحسن الحالات، إلى الأداء المجتمعي المهني والجماهيري المدافِع والمهاجِم لأسباب العنف ولأوكار الجريمة ولن يكون لنا ذلك من دون خطّة وبرنامج وطني قطري مُتكامِل ومُتواصِل، بحيث نبني من خلاله صورة المقاتِل والمدافع المدرَّب والمنظَّم والمجهَّز بالمُخطّطات اللّازمة . وأنا أدعو لجنة المتابعة وسلطاتنا المحليّة والقيادات المحليّة في كلّ مكان ودون استثناء إلى الانطلاق لبناء وتأسيس لِجان شعبيّة مُوسّعة لمناهضة العنف والسّلاح.
مشروع التّنظيم الجماهيري لمناهضة العنف
هذا المشروع ممكن أن ينطلق في كلّ بلداتنا العربيّة كمشروع مشتَرَك بين السّلطة المحلّيّة ومؤسّسات رسميّة وشِبه رسميّة وسياسيّة وشعبيّة واجتماعيّة لا تستثنِ أحدًا منها أو جِهة, ويُنفَّذ وِفق التّوجُّه "معاً أفضل "، بحيث تَنشَط في صياغته وتنظيمه هيئات بلديّة وَبشراكة واسعة لمعالجة مسبّبات حوادِث العنف وخلق أجواء إيجابية مختلفة في كلّ بلدة من بلداتنا، تساهم في الحدّ من ظاهرة العنف. وتَجدُر الإشارة إلى أنّ للتنظيم الجماهيري أسُس مهنيّة يجب مراعاتها للنجاح بالانطلاق بالمشروع في كلّ بلدة وأخرى.وبإمكاننا عرض المشروع متكاملًا ملائمًا لكلّ بلدة ترغب في التّقدم والانطلاق في مشروع التّنظيم الجماهيري لمناهضة العنف والسلاح.
* المُحامي نضال عثمان
مُستشار للتظيم الجماهيري
مُؤسّسة استراتيجيّات للتغيير
[email protected]
أضف تعليق