اْصرّ شاعرنا المعطاء :سميح القاسم على تسمية اتّفاقيّة سايكس – بيكو المشؤومة 1916 :حظائر سايكس –بيكو ،وما اْدراكم جلّ قدركم،ما هي الحظيرة والحظائر ،الزّرائب والاْقنان! حيث قُسّم الهلال الخصيب بين محوري الشّر آنذاك :انجلترا وفرنسا بواسطة وزيرَي الخارجيّة :سايكس و بيكو ،ومن هنا جاء الاسم المشؤوم .
ما يدفعنا الى هذا الموضوع ،هو جولة استكماليّة لمرشدين سياحيّين على الحدود الشّماليّة وترسيم الحدود بين:سورية ،لبنان وفلسطين ،وإجراء تغييرات جغرافيّة سياسية بما تتطلّبه المصالح الانجيليزيّة ،الفرنسيّة والاسرائيليّة ،تمهيداً لوعد بلفور وقيام الوطن القومي لليهود في فلسطين ،كبش الفداء ،المرشد السّياحي يعرّف نفسه خبيراً عسكريّاً من سلاح المخابرات العسكريّة سابقاً،وما اْدراك عن قِيَم ومواقف كافّة اْذرع المخابرات في هذا المجال ،يمكن العودة الى كتاب :البوّابون/الحُجّاب :شومري هَساف/ ستّة رؤساء المخابرات السّابقون ينطقون ،لمؤلّفه :درور موريه،صدر حديثاً 2014 ،عن دار النّشر يديعوت اْحرونوت /سِفْري حيمد ،وهو سيرة وفظائع وجرائم :اْبراهام شلوم ،يعكوب بيري ،كرمي جيلون ،عامي اْيلون ،اْبي ديختير ويوفال ديسكين ،قد اْعود الى الكتاب لاحقاً . بداْت الجولة من قرية تربيخا/شوميرة اليوم،تجاهل المرشد وجود قريتين اْخريين محاذيتين لها ،ذكّرته باْدب :هناك كذلك قريتا النّبي روبين وسروح ! قال هاتان القريتان غير ظاهرتين في الاتّفاقيّة؟ قلتُ : طمس معالم طبقاً للرواية الاسرائيلية التي تناقض الرواية الفلسطينيّة ،كالعادة تجاهل تام لماْساة القريتين إقرث وكفر برعم .المرشد تفاءل شرّاً ،واستعوض بالشّيطان لوجودي ،وقال بِخُبْث:نمر يشارك معنا،اذن عليّ اْن اْكون حذراً لئلاّ اْقع في اْحد مطبّاته ! هدّاْت من روعه قائلاً:اْنا مشارك مُستمع فقط !واْضاف :اْنا على ثقة باْنّ لكلّ مشارك راْياً ،قد يكون مخالفاً ،اْرجو اْن يحتفظ به لنفسه !زرنا عدّة منصّات استطلاعيّة على امتداد الحدود،عن تشويش اسماء القرى العربيّة ،حدّث ولا حرج ،بلدة عين إبل اللبنانيّة تُسمّى عين عبل ،خرجت عن صمتي وقلتُ :عين إبل ،والإبل هي النّوق والجِمال،وقد يكون لها معنى آراميّاً آخر ،قال هذا مِطَلّ جبل اْدير ! قلتُ إنّه جبل عداثر ،وكلمة عداثر تعني :النّاقة العنود الحلوب !مررنا قرب قرية صلحة فقال :هذه صاليحة ! صحّحناه مضيفين اْنّ لها جارة هي فارة ولهما مدرسة مشتركة مازالت قائمة حتى يومنا هذا ،تستعمل حظيرة للخيول !هذا زمن الشّقلبة ! منهل عِلم يتحوّل الى حظيرة من حظائر سايكس-بيكو ، تاْكيداً لمقولة اْخينا سميح !قال المرشد بخبث ثانية :كلّما اصطدمتُ بمشكلة فَلَدَيَّ نمر يرشدني اْرجو اْلاّ يخيّب اْملي ؟قلتُ :إن شاء الله ،اْخذ يتحدّث عن فسيفساء الطّوائف في لبنان فقال :نمر لا يقبل اذا قلتُ باْنّ الدروز شعب وقوميّة ،بل طائفة !قلتُ له ،توزّع الطوائف في لبنان الى قسمين ،الطوائف المسيحيّة ولها اْربعة وستّون مقعداً في البرلمان ،والطوائف الاسلاميّة :الشّيعة ،السّنّة والدروز ولهم معاً اْربعة وستّون مقعداً.قال توزّع كعكة الحكم هناك طبقاً لمفتاح طائفي :رئاسة الجمهوريّة للمسيحيّين الموارنة ،رئاسة مجلس النوّاب للشيعة ،رئاسة الحكومة للسُنّة ،وزارة الدّفاع من نصيب الدروز !اْكّدتُ له اْنّ الدستور اللبناني لم يدوّن وزارة الدّفاع على اسم الدروز ،بل كان ذلك مُتّبعاً في عهد الاْمير مجيد اْرسلان فقط .
*منصّة ،شُرفة تُطلّ على بلدة رميش اللبنانية ،قال المرشد بخبث :لعلّ نمر يحدّثنا عن معنى اسم هذه البلدة ؟ قلتُ له :في جعبتي الكثير، بلدة رميش كنظيرتها حرفيش ،اسمان لاتينيّان من عهد الرومان :رميشتا وهاربوشتا ،وتعنيان دويبتين صغيرتين ،على اسم ابنتَي القيصر ،ومع مضي الوقت حُرّف الاسمان الى رميش وحرفيش ،الاْولى لبنانيّة والثّانية فلسطينيّة ،في عهد حاكم الجليل الشيخ ظاهر العمر الزّيداني ،مابين عامي 1725 تقريباً و 1775 ،رسّم الشّيخ الحدود ،بعد اْن اْغاثه اْحد اْهالي حرفيش ،واْنقذ حياته من خطر محدق ،فقال الشيخ :حدود حرفيش لبيادر رميش ،وهناك مثل شعبي لا يخلو من غشّ ومكيدة :تْعَشّى بحرفيش وْنام في رميش !وبالفعل هناك اتفاقية تواْمة وشرف ،غير مكتوبة ،بين البلدتين ،الواحدة تشدّ اْزر الاْخرى في السّرّاء والضّرّاء *دخلنا القرية التّعاونيّة :المالكيّة المقامة على اْنقاض قرية المالكيّة اللبنانيّة بالاْساس ،حيث شهدت البلدة معاركَ سجالاً ،بين الجيش اللبناني والقوّات الاسرائيليّة عام 1948 واستطاع الجيش اللبناني الاحتفاظ والتّمركز في البلدة ،ولم تستطع القوات الاسرائيليّة استعادتها إلاّ بمكيدة وخدعة عسكرية ،تزيّت القوات الاسرائيليّة بِزيّ وعتاد لبناني ودخلت من حدود لبنان ،موهمة القوّات اللبنانيّة باْنّ نجدة ومعونة آتية اليها ! ثمّ مباغتة ومفاجاْة الجيش اللبناني في آخر لحظة .
*قال المرشد بالطّبع لديك نمر ما تقوله ! قلتُ نعم :بالإضافة الى المراوغة والاحتيال ،فقد قاد هذه المعارك وزير الدّفاع اللبناني الاْوّل :الاّمير مجيد اْرسلان ،بطل استقلال لبنان ،ودخل قريتنا حرفيش منتصراً واستُقبِل بالهتاف والزّغاريد ،وقدّموا له ولرفاقه القهوة العربيّة ،كما روى لنا اْهلنا !وطبقاً لاتّفاقيّة حظائر سايكس –بيكو فقد ضمّتْ عدة قرى لبنانية لفلسطين لترسيم الحدود لصالح الانتداب البريطاني الغاشم ،من جملة هذه القرى :تربيخا ،سروح ،النّبي روبين ،صلحة ،فارة ،المالكيّة ،قَدَس،هونين ... وبعد النكبة وتهجير سكان هذه القرى ،فإنّ حكومة لبنان تعاملت مع مهجّريها كلبنانيّين ،وليس كلاجئين فلسطينيّين يخضعون لكثير من القيود .
*في حديث عن الزّعيم اْديب الشيشكلي ووصوله الى سدّة الحُكم في سوريا ، ومعاداته لابناء الطائفة الدرزية ،كان للمرشد موقفاً معادياً له ،استغربتُ ذلك وقلتُ له: استغرب هذا الموقف النّشاز المغاير للسياسة الاسرائيليّة ،حبذا لو عُدْتَ الى كتاب الكاتب اليهودي :عاموس كرميل :كلّ شيئ سياسي ،المؤلّف يشير الى اْنّه طبقاً لما تقوله مصادر عديدة ،فالشيشكلي وصل الى سدّة الحكم بانقلاب عسكري ،بمؤازرة الجهات الاسرائيليّةالتي تتدخّل في مختلف الاْمور ،حتى خلف الحدود ،المرشد استغرب هذا الراْي ،وَطَنّشَ !
*في فترة استراحة الغداء ،اختار المرشد الجلوس معي ،لعلّه شمّ رائحة الزّيت والزّعتر في زادي القروي،رحّبتُ به وبغيره،قرينتي تحسب حساب الغير في مثل هذه المواقف ،واْنا لا اْحبّ الاْكل لوحدي ! تجاذبنا اْطراف الحديث،لافتاً انتباهه باْنّ السّيّد حسن نصرالله ليس من مواليد بلدة بنت جبيل ،كما ادّعى،بل من مواليد بلدة البازوريّة ،شرقي مدينة صور !سُرّمن ملاحظتي، وطلب المزيد عن هذه الشخصيّة الفذّة التي تقضّ النوم من مضاجع اْكثريّة الاسرائيليين ،وبشكل خاصّ من يدّعون اْنّهم مستشرقون!قلت ببساطة :إنّه من مواليد 31/8/1960 ،نزح الى ضاحية بيروت مع عائلته،بسبب الفقر ،وهنا ساعد والده ببيع الخضار ،ثم عاد الى مسقط راْسه بسبب الحرب الاْهليّة عام 1975 ،اْنهى الثّانوية في مدرسة صور للبنين ،التحق بصفوف حركة اْمل التي اْسّسها الإمام موسى الصّدر،المُغَيّب منذ عام 1978 ،ثم انتقل الى مدينة النّجف العراقيّة لمتابعة تحصيله الدّيني في الحوزة،ثمّ الى مدينة قُم الايرانية ،وهناك التقى مع قيادات شيعيّة عديدة ،من بينهم السيد عباس الموسوي ،اغتالته اسرائيل عام 1992 ،اْصبح معلّماً،ثمّ انضمّ الى حركة المقاومة اللبنانيّة انتُخِب اْميناً عامّاً لحزب الله ،بعد اغتيال عباس الموسوي،استشهد بكره هادي عام 1997 في مواجهة مع القوات الاسرائيلية ،رفض استعادة جثّته في صفقة خاصّة ،مؤكّداً اْنّ مصير ابنه ليس باْفضل من مصير بقيّة رفاقه في السلاح والشّهادة . كتب له السّيد محمد حسنين هيكل مُعَزّياً :
لقد راْينا الاْبوّة تُمتَحَن بالجهاد الى درجة الشّهادة،وراْينا الجهاد يُمْتَحَن بالاْبوّة الى درجة البطولة !إنّني لا اْعرف ماذا اْقول لك ؟فلا اْنا راضٍ عن كلمة عزاء اْواسيك بها ،فَاْيّ كلمة عاجزة ،ولا اْنا قادر على الصلاة من اْجلك ،فصلاتك اْقرب الى عرش الله من اْيّ قول اْو همس يصدر عنّي اْو عن غيري ...استغرب المرشد هذا الكلام وساْل مستغرباً: من اْين لكَ هذه المعلومات ؟فاْجبته ساخراً،على طريقة غوّار الطّوشة :من السّطل ...وهل من مزيد؟لن اْتبوّاْ مكانك !ولكن :هناك من يُشَبّهه بالقادة الرّاحلين :عمر المختار ،عبد القادر الجزائري وعبد الناصر ،وهو من بين خمسين شخصيّة لها تاْثير كبير في العالَم الاسلامي ،قرينته :السّيّدةفاطمة ياسين،لهما خمسة اْبناء :هادي/شهيد/،جواد،زينب،علي ومهدي ...انتهت استراحة الغداء ، وبصعوبة تناول كلّ منا بعض النَتْشات من عرائس اللبنة والزّعتر .
عاد المرشد الى المجموعة والى سايكس- بيكو من وجهة نظره ،ولم نُخْفِ وجهة نظرنا ،نظرة المرحوم سميح في حظائر سايكس- بيكو ،وما جلبته وتجلبه اليوم بالذّات على عالَمنا العربي ،خاصّة بعد ائتلاف استعماري محض ،اتّفاقيّة : كيري – مانياهو، قطر- تراكيا والمجارير العرب ،ظاهرهم ديانة وباطنهم خيانة !مكافحة داعش شكليّاً والهدف :مواصلة نهج الحظائر /الشّطائر / الكبائر ،مع استثناء وتغييب العراق وسورية ،اْمّ الولد اْدرى واْولى به ! مين اْشفق منّي على ولدي؟ خالتو المنّانة ،اْبشروا يا عرب ،إجاكوا الفرج مِن غراب البين،العم براك اْوباما اْبوحسين ...والمخفي اْعظم ،دسائس ،مراوغة انتهاك حرّيّات وتدمير منشآت وطنيّة ،تحت ستار مكافحة الإرهاب وداعش ! واْلف رحمة لروح سميح الغائب الحاضر !الذي حذّر واْنذر من الحظائر والدسائس !
[email protected]
أضف تعليق