نادرا ما استخدم مصطلحاً عاميا كعنوان لمعالجة اراها في منتهى الجدية.
وهذا المصطلح الشعبي المتداول فلسطينيا، نحت كتعبير بليغ عن ان الصدفة تعفي من الاستحقاقات، وأكثر من يستخدم هذا المصطلح الان ولكن في السر، هم أولئك الذين يفتشون عن ذرائع لمنع او تأجيل عقد المؤتمر السابع لحركة فتح، الذي من المفترض ان يعقد هذه الايام استنادا الى قرار المؤتمر السادس، الذي يحظر التأجيل ولو لأيام.
ومن المنطقي ان لا يعقد المؤتمر اثناء الحرب، ولكن ما يبدو غير منطقي، هو ان لا تتسارع عملية التحضير لهذا المؤتمر خصوصا وان الوضع الفتحاوي الخاص، والوضع الوطني العام، يتطلبان عقد هذا المؤتمر للوفاء باستحقاقات لا يمكن ان يفي بها اطار اخر.
لقد حدث وقف لاطلاق النار في غزة، ويبدو انه سيستغرق زمنا طويلا، فما الذي يمنع فتح من ان تنتبه لنفسها ، وان تحضر جيدا لمؤتمر يفترض ان يطور هياكلها ونظمها ويجدد شرعيات مؤسساتها من اعلى مستوى الى باقي المستويات، ان الذين تملأ نفوسهم امنية ان يظل الوضع على حاله الى مالا نهاية، لن يعدموا ذريعة يستخدمونها لمنع عقد المؤتمر، ولقد فرض على فتح عبر كل مراحل قيادتها للعمل الوطني، ان تقلل عقد المؤتمرات حتى ظن كثيرون باستحالتها ، وهنالك مؤتمر عقد بعد عشرين سنة من المؤتمر الذي سبقه ، ونعرف بالتأكيد كم كان الاذى الذي لحق بفتح جراء هذا السلوك عميقا ومؤثرا على دورها الريادي في الساحة الفلسطينية، ودورها المركزي في قيادة المشروع الوطني.
ان الحركات الجدية والاحزاب، لا ترهق نفسها في البحث عن ذرائع لمنع عقد مؤتمراتها، بل انها تفتش ليل نهار عن فرص لعقد هذه المؤتمرات ، لهذا يشعر المرء بأسى شديد وهو يرى من ينظر للجمود على انه حاجة عملية ، بينما تنظيره ينبع من حاجته الخاصة لأن يحتفظ بلقبه وموقعه كمظهر وجاهة اجتماعية وليس كفرصة شرعية لقيادة شعب في اقسى الظروف .
انني ارى ان وجود ثقلنا الاساسي على ارض الوطن يشكل الارضية الصلبة والامنة ليس فقط لعقد مؤتمر فتح، وانما لتفعيل الحياة النقابية والديموقراطية بكافة مجالاتها وتخصصاتها .
ولأننا على ارض الوطن ونعيش حالة اندماج موضوعي وتفصيلي بالجمهور الفلسطيني ، فان انتظام عمل مؤسساتنا وخصوصا المنتخبة منها هو شرط حياة وانجاز، فلم يعد في العالم كله من يفكر في ان تكون الانتخابات لمرة واحدة ، او ان تكون المؤتمرات وفق هوى المتنفذين وحساباتهم ، لم يبق الا نحن من يتعايش ويتآخى مع الجمود ، تحت ذرائع واغلفة متعددة، بينما العالم كله يسير بقوة وتصميم نحو التجدد وتفعيل وتطوير عمل المؤسسات .
ان العيب كل العيب يكمن في الشعور بسعادة طاغية حين يقع حدث ما يرى فيه صناع الجمود ذريعة كافية لمواصلة الجمود.
إن نظرة على واقع فتح الراهن، الذي هو بإجماع فتح وانصارها وحلفائها، هو واقع مأساوي ، وما يحدث لفتح في غزة، هو بعض من هذا الواقع، وغياب الخطاب السياسي الواحد والمقنع هو بعض آخر، وتشتت الرؤى والمواقف تجاه كل ما يجري على أرض الوطن هو بعض آخر كذلك، ونتائج استطلاعات الرأي التي تجري في عقر دارنا ربما تكون خلاصة رقمية لسوء الحل والمآل، فهل يمكن معالجة هذا التدهور بالابقاء على مسبباته تحت عنوان "لنبقى كما نحن أفضل من أن نجازف بمؤتمر"؟
إن بامكان أي مراقب لما يجري بخصوص فتح، أن يقول : لا لزوم لمؤتمر اذا ما كانت آليات الاصلاح والترميم والتطوير تعمل بلا هوادة وتحقق مردودا يقنع الفتحاويين قبل غيرهم بأن الامور تسير بالاتجاه الصحيح، أما حين نراقب تدهورا متسارعا وابتعادا عن ممارسة الدور البديهي في الوطن كله فلا يوجد ما يمنع منطقيا وموضوعيا من فتح ورشة عمل داخلي يكون الاعداد لمؤتمر جديد وفي مدة لا تزيد عن شهر هو بداية هذه الورشة التي لابد وان يكون المؤتمر هو المجسد لنتائجها ومانح الشرعية لها.
ان ما يجري فتحاويا ووطنيا وكذلك ما يجري على صعيد اسرائيل ومخططاتها وأفعالها وكذلك ما يجري في الاقليم من تطورات متسارعة، ربما تلتهم قضيتنا وتبقيها بعيداً عن مركز الاهتمام، ان كل ذلك ينبغي ان يقرأ جيداً في فتح، التي تصدت على مدى عقود لبلورة المشروع الوطني، والتي مهما حدث تظل هي المؤهل الاكثر جدارة في اكمال ما بدأت به.
ان البقاء في الدوامة الراهنة دون عمل جدي مقنع يرمم التصدعات، وخصوصا ما يتصل بمجمل العلاقات مع الشعب الفلسطيني لن يهدد فقط دور فتح التاريخي في الحياة الفلسطينية، بل يهدد بضرب القضية الوطنية في جذورها.
[email protected]
أضف تعليق