نُحِبُّكَ.. مِثْلَ أَبينا

وَقَدْ لا نُحِبُّكَ.. مِثْلَ أَبينا،

وَلكِنَّنا إِنْ ذَكَرْنا نَدًى مِن سُيُولِكَ يَوْمًا،

نَسينا

جَفاءَ سِنينَ وَمَحْلَ سِنينا



كَأَنَّ طُيورَ قَصائِدِنا

وُلِدَتْ فَوْقَ ريشِ جَناحَيْكَ

زَوْبَعَةً في مَحارٍ يُخَبِّئُ غَيْمًا سَجينا

.. فَخُذْ بِحَنانِ يَدَيْكَ

فِراخَ الزَّوابِعِ

إِنْ فَتَحَتْ كَالجِراحِ مَناقيرَها

.. وَإِنْ كَبُرَتْ وَاكْتَسَتْ بِنَسيمِ الشَّوارِعِ

في حُزْنِ غاباتِها

ثُمَّ صارَتْ تُجادِلُ فيها عَصافيرَها

فَلا تَتَضايَقْ

وَقُلْ مِثْلَها كُنْتُ يَوْمًا نَدى

مِثْلَها كُنْتُ يَوْمًا صَدى

مِثْلَها كُنْتُ يَوْمًا جَنينا

وَلا تَنْسَ لا تَنْسَ

أَنّا نُحِبُّكَ مِثْلَ أَبينا



لَقَدْ صَحَّحَ الدَّهْرُ هَفْوَةَ أَهْلِكَ

حينَ دَعَوْكَ سَميحْ

وَأَنْتَ سَميحٌ. وَلكِنْ

أَما كُنْتَ تَعْبُرُ جُلْجُلَةَ الشِّعْرِ مِثْلَ مَسيحْ؟

وَمُنْذُ كَتَبْتَ، دَواتَكَ كانَتْ جِراحُ المَسيحْ؟

دُموعُ صَغيرٍ بِأَفْريقِيا إِنْ بَكى

فَمِنْ قَلْبِ عَيْنَيْكَ سَيْلًا تَسيحْ

وإنْ في الشّمالِ وَإِنْ في الجَنوبِ

التُّرابُ اشْتَكى

فَمِنْ قَلْبِكَ السَّمْحِ تَنْزِفُ غَيْمًا

وَرَعْدًا وَبَرْقًا وَريحْ

وَإِلّا إذا نامَ آخِرُ طفْلٍ حزينٍ

سَعيدًا

فَلا تَسْتَريحْ

.. هُوَ الشِّعْرُ تَفْدي بِهِ العالَمينَ

بِروحِكَ. هَلْ بَعَثَ الشِّعْرُ مَيْتًا؟

وَهَلْ عَمَّرَ الشِّعْرُ بَيْتًا؟

وَهَلْ قالَ: كُنْ. ثُمَّ كانَ الصَّحيحَ المُعافى

المَريضُ الجَريحْ؟

سَأومِنُ مِثْلَكَ إنْ أَسْتَطِعْ

أَنّهُ لم يكُن باطِلًا قَبْضَ ريحْ



نُحِبُّكَ قَدْرَ الّذي أَنْتَ أَحْبَبْتَنا

وَمِنْ ظُهْرِ أَعْمارِنا

لا نُطِلُّ عَلى عَصْرِ عُمْرِكَ

بَلْ صُبْحِ عُمْرِكَ

يا طالِعًا كُلَّ آخِرِ لَيْلٍ كَشَمْسِ الصَّحاري

سَتَهْمِسُ ما قالَهُ المُتَنَبِّي: إذا ما مرِضْتُ

فَما مَرِضَت وَرْدَتي وَاصْطباري

وَما أَنْتَ بِالمُتَنَبِّي كَما قُلْتَ يَوْمًا

وَما أَنا.. لكِنَّ ثَلْجَ القَصائِدِ داري وَناري

.. نُحِبُّكَ قَدْرَ الَّذي أَنتَ أَحْبَبْتَنا

وَنَأْبى الرَّحيلَ عَنِ الأرْضِ في الأَرْضِ

مِثْلَ البِذارِ

ونَأْبَى الظَّلامَ وَلَوْ سَدَّدَ الدَّهْرُ

أَمْراضَهُ كُلَّها نَحْوَ شَمْسِ النَّهارِ

وَإنْ جِئْتَنا

لَأَلْفَيْتَنا في انتظارِكَ مِثْلَ قَصيدٍ جديدٍ

عَلى وَرَقِ الانْتِظارِ



نُحِبُّكَ مِثْلَ أَبينا

وَنَرْسُمُ بِالرِّيشِ والحِبْرِ وَالرِّيحِ

فَوْقَ نُجومِكَ بَدْرًا

وَنَبْقى نُحِبُّك مِثْلَ أَبينا

وَنَرْعى أَعاصيرَ حُزْنِكَ فينا

وَفي صَخْرَةِ الدَّهْرِ

حَتّى تَلينا

وَلَوْ ظَلَّ مِنْ شِعْرِنا رَمَقُ الفَجْرِ

لَنْ نَسْتَكينا

وَنَبْقى نُحِبُّكَ مِثْلَ أَبينا

(نُشِرَت في ديوان الشاعر "أزهار الخراب" الصادر مؤخّرًا عن دار "فضاءات" – عمّان)

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]