ونحن نتابع أخبار الحرب والقصف في بلادنا- تكررت في وسائل الإعلام العبرية تحديدًا عبارة " נפגעי הלם" أي الأشخاص الذين يصابون بالهلع والذعر والرعب والصدمة نتيجة القصف وسقوط القذائف والصواريخ بجوارهم، فينقلون إلى المستشفيات، دون أن يكونوا مصابين بجراح.
فمن هم هؤلاء " المرضى"، وكيف يتم تشخيص إصابتهم (" مرضهم")، وما هي الأعراض التي تبدو عليهم، والعلاجات التي تُقدّم لهم.
للإجابة على هذه الأسئلة، وغيرها، أجرينا المقابلة التالية مع المعالجة النفسية، " ميسم ماضي"، المختصة في العلاج النفسي في مستشفى شنايدر، وهي خبيرة في علاج الأطفال الذين يعانون من مشاكل جسمانية، والمرضى في قسم جراحة الأمعاء واخرون يعانون من أوضاع نفسية صعبة اضافة الى علاجها المصابين في مجال الصدمات وحالات القلق والهلع.
نوبة رعب ناجمة عن الخطر..
تبدأ المختصة ميسم ماضي بالشرخ قائلة: إن الهلع ( חרדה) هي حالة شعورية حسّية شبيهة بالخوف، دون وجود خطر حقيقي، وبمستويات عالية.
والمصابون بالصدمة ( הלם) هم أولئك الأشخاص الذين يصابون بنوبة من الخوف نتيجة وجود خطر ( مثل وجودهم بالقرب من مكان سقوط قذيفة أو صاروخ) ويجدون صعوبة في التخلص أو الخروج من هذه " النوبة" خلال مدة " معقولة".
ويستمر الهلع مدة أطول مما تكون لدى غالبية الناس المتواجدين في الجوار، ويحدث ردّ الفعل هذا لكل إنسان، لكنه يتعلق بقوة الحدث وبالحالة النفسية للشخص في تلك اللحظة، لكن غالبية المصابين هم أناس لديهم ميول متأصلة للهلع والرعب. وعمليًا، يتحدد الأمر حسب المدة الاعتيادية المعقولة لعودة الهدوء والطمأنينة للشخص " المرعوب". ومن السهل تحديد أو قياس ذلك، بالنظر إلى أن هنالك أشخاصًا آخرين في المكان، يبدو واضحًا أنهم خرجوا من دوامة الرعب والهلع، وعاد إليهم الهدوء والطمأنينة.
في المستشفى...
وفيما يتعلق بأعراض الهلع، فهي: نبضات عالية للقلب، تنفس سريع ومتتابع وغير عميق، ضغط دم عالٍ، الشعور بالاختناق، والتعرّق ( إفراز العرق)، تذكّر واستذكار الحادث، والصعوبة في تغيير موضوع الحديث مع المصاب.
ويبقى ردّ فعل المصاب ( حالته) ظاهرًا، ويواجه صعوبة في التخلص من الأعراض الجسمانية.
وتضيف المختصة ميسم ماضي: الهدف من نقل المصابين بهذه الحالة إلى المستشفى هو إبعادهم عن موقع الحدث أو الحادث، ووضعهم في بيئة " محايدة" آمنة. ويحظون هُنا بالعناية والرعاية من قبل المعالجين النفسيين يعطى علاج نفسي أولي وبمدى الحاجة استعمال أدوية مهدئة.
وبعد حَدَث كهذا، يعود بعض المصابين إلى حالتهم الاعتيادية وكأن ما جرى " حالة فردية"، بينما لدى البعض الآخر تشتد الحالة وتتأزم وتتفاقم، على شكل ردّ فعل ضاغط ومركّز، يسمّى " حالة ما بعد الصدمة" (" بوست تراوما- פוסט טראומה).
علاج " إدراكي وسلوكي"
أما علاجات الهلع فتتحدّد وتتقرّر وفقًا بالحالة العينية، لكن عمومًا- فإن العلاج الأنجع هو العلاج الإدراكي السلوكي، ويتم بواسطة معرفة أفكار المصاب، وردود أفعاله وسلوكياته ( تصرفاته) التي " تنتج " الهلع، وهي أمور تؤثر على مدى معايشة الحالة، وبمرور الوقت تؤدي إلى العودة للاستقرار.
وخلال العلاج " يفتعل" المعالجون حالات وأوضاعًا تثير الهلع، بشكل تدريجي، وبذلك " يضع المصاب نفسه" في حالة متعمّدة من الهلع، وفي نفس الوقت يحظى بدعم ورعاية وعناية لمواجهة هذه الحالة.
وبعد التعرّض لعدد من هذه الحالات " المتعمدة" القابلة للتحكم بها والسيطرة عليها، يتوقع هبوط مستوى الهلع، لأن الجسم " يدرك" أنه لا خطر حقيقيًا من هذه الوضعية المفتعلة!
لكن تجدر الإشارة إلى أن مستوى الهلع والذعر لدى بعض الأشخاص يكون عاليًا إلى درجة تمنع البدء بالعلاج، فيتم تحويلهم للاستشارة النفسية لفحص إمكانية تلقي أدوية تساعد في البدء بالمسار العلاجي.
جلسة علاجية تستمر (50) دقيقة
وردًا على سؤال حول مُدة العلاج واحتمالات الشفاء، تقول المختصة ميسم ماضي: أن كل جلسة علاجية تستغرق عادة (50) دقيقة، مرة في الأسبوع بالبداية، ولاحقًا يمكن أن تكون مرة كل عشرة أيام فأكثر. وبعض المتعالجين يتغلبون على الهلع ويتخلصون منه بسرعة، والبعض الآخر يستغرق علاجهم مددًا أطول. والنتائج مرهونة بنوع أو مستوى العلع، وبمدة معايشة الحالة، وبشخصية المصاب وبيئته الاجتماعية والسكانية، ومدى الدعم المقدّم له من المجتمع المحيط به.
بُـكرا: هل يتوجب، لضرورات العلاج، أن يبتعد المصاب عن المكان الذي أصيب فيه الهلع؟
ميسم: " هذا الأمر يتعلق بالمصاب نفسه، وقد تتم معالجته بالهلع المفتعل، وربما لا تكون حاجة. كما أن الأمر متعلق بحجم وبشدة الهلع، وارتباط الحالة بالمكان، وإلى أي مدى تكون حياة المصاب مرتبطة بالمكان .
بُـكرا: هل تصبح لدى المتعالج مناعة من الإصابة بالهلع مستقبلاً بعد العلاج؟
ميسم: " هذه مسألة مركّبة: فمن جهة، يتبيّن من الأبحاث أن المصابين بمستويات أو درجات " معقولة " من الهلع، يصبحون بعد العلاج أكثر مناعة وقدرة لمواجهة حالات مشابهة. ومن الجهة الأخرى، فإن الأشخاص الذين لديهم ميل وقابلية للهلع والذعر والرعب، تختلف مناعتهم وقوة مواجهتهم للحالة ومهما يكن من أمر فإن المتعالجين في كل الأحوال يكتسبون أدوات وطاقات على المواجهة والتعافي، لم تكن متوفرة قبلاً، وفي المستقبل، في الحالات اللاحقة، يتعلق الأمر بشخصية وطبيعة الشخص نفسه.
علاقة المعالج بالمتعالج
بُـكرا: طبيعة عملك تحتم عليك، أو تتطلب منك، الارتباط بعلاقة شخصية مباشرة مع المتعالجين- هل تنشأ إشكاليات من هذا الواقع، وكيف تواجهين الأمر؟
ميسم: العلاقة الناشئة هي شخصية- علاجية، وتستمر طوال فترة العلاج، بكل تعقيداتها، لكن من الضروري الالتزام والمحافظة على الحدود المهنية. وعلى أية حال فإن هذه العلاقة هي " أداة علاجية" ولا أرى فيها أية مشكلة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأبحاث أثبتت أن العلاقة الوثيقة الطيبة بين الطبيب والمريض تجعل المتعالج يتقبل العلاج بشكل أفضل.
بُـكرا: هل عالجت عربًا مصابين بالهلع، وهل في مجتمعنا وعي لهذه الحالات؟
ميسم: غالبية الحالات التي عالجتها لدى العرب هي حالات صدمة ( טראומה) لا سيّما ما يتعلق بردود أفعال الأطفال لحالات معينة مثل حوادث الطرق أو حالات المرض، وأسباب ردود الأفعال خارجية أكثر مما هي داخلية ( طفل مذعور أو مرعوب أو مكتئب دون أن يكون قد تعرّض لحالة أو واقعة صعبة). والتوجه عند العرب لهذا النوع من العلاجات قليل، ويتم ذلك عادة عندما تكون الحالة ( الصدمة أو الهلع) متفاقمة وتضرّ بأداء المصاب.
وأعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى وعي ضيق، ورغم التقدم في هذا المجال ( الثقافي والوعي) مازالت هنالك حاجة للمزيد من الشرح والتوعية في المجتمع حول طبيعية وتكوين نفسية الأطفال. وهنا تكتسب الأسباب الخارجية شرعية للتوجه للعلاج، حتى وإن كان الموضوع برمّته مازال يدعو للحرج والشعور " بالعيب".
توجهات من العرب " يوك"- ( لا يوجد)!
وفيما يتعلق بالأوضاع والتوترات الأمنية الحاصلة مؤخرًا، فهنالك قلة توجه من المواطنين العرب عن الإقبال على تلقي الاستشارة والتوجهيات، رغم النشر عن ضرورة وأهمية الأمر، باللغة العربية، وفي المواقع المعروفة. واعتقد أن الأطفال العرب أيضًا يصابون، مثل غيرهم، بالهلع والرعب من الحرب وصورها، لكن الأهالي ولا نعلم أسباب عدم التوجه إلى خبراء المهنة بالهواتف، لتلقي الإرشادات والمشورة.
[email protected]
أضف تعليق