مررتُ متعمِّدًا بجانب رمز مدينتي الحبيبة، قلعتها الشامخة، لأطمئنَّ عليها، وأتفقد أحوالها. خطفتُ رجلي ودنوت منها بحذر شديد، فلم أستطع تمالك أعصابي وإلقاء التحيّة، شعرت بخجل وكادت أنفاسي تنقطّع ودقات قلبي تتسارع، وكان الشعور متبادلا عندما بثَّت لي شكواها بلوعة ومرارة قائلة: ما الذنب الذي اقترفته؟ لماذا تعاملونني بهذا الأسلوب؟ هل نسيتم فضلي ودوري، وأنّي رمزكم، ماضيكم حاضركم ومستقبلكم الذي يحتّم عليكم الاعتزاز والافتخار به؟ لماذا أطفأتم أنواري وتركتموني أعاني من الظلمة والعزلة؟!

عدت مهمومًا إلى بيتي، جلست على مكتبي وفكرت طويلا، فوقعت بين ناريين، نار الصّمت، ونار الكلام. ولأنّي أعتبر نفسي مواطنًا يهمّه مصلحة ورفعة وسمعة بلدته وأحوالها، اخترت الإمكانيّة الثانية؛ إيمانًا وقناعة بأنّ للصمت، وخاصة في مثل هذا المشهد، إلهامًا صاخبًا يطحن عظام الصّمت، فالتجأت إلى قلمي، رفيق دربي، بدأت أنسج كلماتي بكل شفافية هادفًا إلى التّوعية والإصلاح، وفتح آفاق حضارية، مؤمنا بقوة وفعل هذا السّلاح؛ لأوجّه كلمتي إلى صانعي القرار بنقد بناء بعيدًا عن أيّ مصالح وطموحات ذاتيّة قد تصبّ في مصلحة فئة معيّنة، وقد سبق لي أن وجّهت نقدًا شديد اللهجة لإدارة المؤسّسة الكبرى السّابقة، في عدّة مقالات نشرتها بشكل عام، وبشكل خاص عن إنارة القلعة بصورة غير مناسبة، وأذكر منها مقال العزف على إيقاع نشاز، الصّلاة من أجل بلدتي، وهل أسترجع مدينتي ومما جاء فيها: "أبكي لوعة وحسرة على القلعة العريقة، رمز شفا عمرو وإحدى أجمل وأضخم القلاع في المنطقة وقد أضحت شاهدًا على التنكر والإهمال، لا يفتخرون إلا بمظهرها الخارجيّ، يهتمون بإنارتها من الخارج بطريقة رجعية لا تتلاءم وقيمتها الأثريّة، بينما يعزز داخلها المثل الشعبي (من برّا هالله هالله ومن جوّا يعلم الله) ". نعم لقد أصبحت مأوى للجرذان، للثعابين والكلاب المتشردة، وأعشاشًا للطيور .

وأذكر أنّكم أيّدتم، دعمتم، ومدحتم نقدي للإدارة السّابقة آنذاك. والسؤال الذي يطرح نفسه ويثير العجب: هل الوضع اليوم أفضل ممّا كان عليه؟ وما هو الأفضل إنارتها بأيّ طريقة، أم عدم إنارتها وتجاهلها حيث كررتم موقفكم وادّعاءكم: " أنيرت القلعة زمن الإدارة السابقة بصورة غير مدروسة، وبعيدة عن الأسس المتبعة، إذ استخدمت الإنارة البيضاء بدل الصّفراء، ونصبت المصابيح بصورة عكسيّة ممّا شوه المنظر الأثريّ الجميل .

رماح تؤكِّد أنّ المواطن الشفا عمريّ يريد ترميم القلعة وإنارتها وفقًا للمعايير الحضاريّة وتحويلها الى متحف أثري سياحي بُغية إبراز معالمها، كما يليق بمقامها ودورها التّاريخيّ، وعليه فهي تطالب إدارة المؤسّسة الكبرى تنفيذ الخطّة في أقرب وقت؛ لتبقى القلعة شامخة، وعدم الاكتفاء بالعهود والوعود، فإطفاء أنوارها معناهُ إطفاء رمز شفاعمرو ومحو ماضيها، حاضرها ومستقبلها.
والله من وراء القصد ...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]