رحل عنا الشاعر، رحل عنا الأديب، رحل عنا الروائي، رحل عنا الاعلامي، رحل عنا المسرحي، رحل عنا الكبير، رحل عنا شاعر العرب، رحل عنا سميح القاسم ليلقى رفيق دربه في الحياة الراحل محمود درويش، فكما عاشا مع بعض سنوات طويلة في الحياة العادية والسياسية، يلتقيان مجددا في الآخرة.

صحيح أن الموت الذي لم يخافه الراحل قد خطفه من محبيه الملايين في الوطن العربي، ومن محبيه الأجانب الذين عشقوا شعره المترجم إلى لغاتهم، لكن هذا الموت نقله إلى جوار صديقه الراحل محمود درويش، لتتعانق روحيهما في الآخرة، كما التصق أحدهما بالآخر سياسيا في الدنيا.
رحل عنا أبو محمد جسدياً، لكنه سيظل معنا ومع الأجيال الفلسطينية والعربية القادمة على مدى العمر، لأن أعماله ستبقى خالدة، ستبقى مرجعا أدبيا ووطنيا لهم، فالانسان الكبير تخلده أعماله، والانسان الكبير تخلده مواقفه، لأن الرجال العظماء يظهرون من خلال أعمالهم ومواقفهم، وأنت أيها الراحل كنت الكبير في شعرك، وكنت الكبير في مواقفك، وكنت الكبير في علاقاتك الانسانية، لكنك كنت أكبر وأكبر لفلسطين ودافعت عنها ضد الاحتلال حتى اللحظات الأخيرة من حياتك.

عرفتك شاعراً معطاءً، عرفتك شهما جريئا، عرفتك مواجها عنيدا لمن يمس بفلسطين وصورتها، عرفتك شاعراً مميزا يختلف عن بقية الشعراء الكبار في العالم العربي، لأن فلسطين فيك، ولأنك كبرت مع فلسطين، فكان شعرك عنوان الفلسطيني، وكان شعرك عنوانا لكل عربي يبحث عن فلسطين.

رحل عنا سميح القاسم، فأصبح الفلسطينيون بغيابه يتامى لأنهم فقدوا الشاعر الأب، والعرب من المحيط إلى الخليج فقدوا الشاعر العربي المميز، الذين رأوا فلسطين في شعره، ورأوا مقاومة المحتل الاسرائيلي في نثره وشعره وأدبه بشكل عام، فأي فاجعة هذه للفلسطينيين، وأي فاجعة هذه للعرب.

سجنك المحتل الاسرائيلي مرات عديدة، فزادك السجن قوة وعنادا لمقاومته، وضعك المحتل رهن الإقامة الجبرية والاعتقال المنـزلي، فزادك الاعتقال تمسكا بمواقفك، هددوك بالقتل داخل وخارج الوطن فلم تأبه لهم وبتهديدهم، طردوك من عملك مرَّات عدّة بسبب شعرك ومواقفك السياسية فبقيت صامدا، وعشت صامدا مواجها معلما.

رحل عنا سميح القاسم، وعزاؤنا الوحيد هو روائعه الخالدة، وتراثه الذي يتجسد في الكتب الثمانين التي أصدرها، ومعظمها دواوين شعر ونثر وأعمال مسرحية شهيرة، هي اعتزاز وفخر لكل عربي بشكل عام وللفلسطيني بشكل خاص.،فكل قصيدة له تنطق اسمه، وكل مسرحية له تتجلى صورته فيها، وكل أعماله تعكس صورته الرائعة وطنيا واجتماعيا.

"منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي" نعم هكذا كنت أيها الراحل، شامخا في حياتك بوطنك، شامخا في شعرك القوي والمقاوم بحروفه، هذا الشعر الذي دفع بدول عربية وأجنبية عديدة لمنحك جوائز تقدير على أعمالك.

أيها الراحل، لن ينساك الفلسطيني في أي مكان يتواجد فيه، ولن ينساك العربي في كل بقعة يعيش فيها من المحيط إلى الخليج، والشي الأهم لن ينساك أبطال المقاومة ضد الاحتلال، لأنهم سيظلوا يرددون رائعتك مخاطبين المحتل:" "تقدموا.. تقدموا براجمات حقدكم وناقلات جندكم، فكل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم". رحمك الله أيها الشاعر الكبير
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]